عادل الجبوري
بعد عدة شهور من السجالات والنقاشات الحامية تحت قبة مجلس النواب وخارجها ابصر قانون الانتخابات النور مساء يوم الاحد الماضي، الثامن من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الجاري، بعدما صوت 141 نائبا من مجموع نائبا حضروا جلسة التصويت، على التعديلات التي اجريت على قانون الانتخابات رقم 16 لعام 2005.
وقد تكون مبالغة اذا قلنا ان ولادة القانون الجديد-القديم كانت ولادة قيصرية عسيرة بحق، في ظل اجواء لم تخل من التشنج والانفعال وعدم الرضى، ناهيك عن الاعتراضات والدعوات الى اعادة النظر في بعض مما تم اقراره. ولعله بدا واضحا لاول وهلة بعيد التصويت على القانون ان هناك اكثر من رؤية للقانون الجديد، او بتعبير اخر للتعديلات التي اجريت على القانون القديم. رؤية تذهب الى ان ما تحقق يعد انجازا تأريخيا وانتصارا حقيقيا للشعب العراقي، لان جملة المطاليب التي طرحتها قوى وتيارات سياسية وزعامات ومرجعيات دينية واوساط جماهيرية، من قبيل اتباع نظام القوائم المفتوحة والدوائر المتعددة تم الاخذ بها وتثبيتها في القانون الجديد.
وكذلك لان ما يسمى بـ "عقدة كركوك" تم حسمها بطريقة مرضية ومقبولة الى حد كبير بالنسبة للاطراف المعنية، واكثر من ذلك فأن اقرار القانون قطع الطريق امام محاولات ومساعي محمومة -وان لم تكن غير واضحة للعيان بما فيه الكفاية-لتعطيل وعرقلة اجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في موعدها المقرر، وارجائها ستة شهور او حتى عام كامل. وقد عالجت المادة السادسة من القانون المعدل قضية كركوك، وذلك بأجراء الانتخابات فيها بأعتبارها من المحافظات المشكوك في سجلات ناخبيها في الموعد الذي تقرره المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لاجراء الانتخابات البرلمانية العامة.
ومصطلح المحافظات المشكوك في سجلاتها، الذي يبدو انه استخدم لاول مرة للاشارة الى محافظة كركوك، قصد منه تلك المحافظات التي تجاوز معدل النمو السكاني فيها اكثر من 5% سنويا.. وبالنسبة لكركوك او اية محافظة اخرى يكون هناك شك في سجلات ناخبيها فأنه يصار وبحسب الفقرة ثالثا من المادة السادسة من قانون الانتخابات الى ان "يشكل مجلس النواب لجنة من اعضائه لمحافظة كركوك ولكل محافظة مشكوك في سجلاتها تتكون من ممثلي مكونات تلك المحافظة وعضوية ممثل عن كل من وزارة التخطيط والداخلية والتجارة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبمعونة الامم المتحدة لمراجعة وتدقيق الخطأ والزيادة الحاصلة على سجلات الناخبين وفقا للبيانات الرسمية". والمعايير الواردة في الاحكام".وطلب التشكيك يتم تقديمه من قبل خمسين نائبا برلمانيا على الاقل وبشرط ان يحظى بمواقف الاغلبية البسيطة لمجلس النواب. ولاتعتبر ولاتقر نتائج الانتخابات في محافظة كركوك او اية محافظة مشكوك في سجلاتها قبل الانتهاء من عملية تدقيق سجلات الناخبين فيها كأساس لاية عملية انتخابية مستقبلية او سابقة لاية وضع سياسي او اداري.وهناك من يرى ان تلك الصيغة التوافقية لم تحل عقدة كركوك بل انها رحلتها بطريقة ما حتى لاتشكل حجر عثرة في طريق اجراء الانتخابات البرلمانية.
ومثل هذا الرأي فيه شيء من الصحة، اذ ان فك "عقدة كركوك" بالكامل يحتاج الى وقت طويل وتهيئة ارضيات مناسبة، ناهيك عن انها تتداخل مع مشاكل وقضايا اخرى، هي الاخرى حساسة وخطيرة. والجانب الايجابي الاخر، هو تثبيت حصص الاقليات بمقدار 5% من مجموع المقاعد التعويضية شرط ان لا تؤثر على نسبتها في حالة مشاركتها في القوائم الوطنية. اما الرؤية الاخيرة التي اتسمت بالسلبية حيال القانون، رغم ان اصحابها اما صوتوا لصالح التعديلات الجديدة، او انهم امتنعوا عن التصويت. والمؤاخذات والتحفظات تمحورت حول نقاط محددة وواضحة ابرزها نسبة المقاعد التي خصصت للعراقيين المقيمين في خارج العراق، وهي 5%، والمعترضين اعتبروها قليلة جدا قياسا الى الاعداد الكبيرة للعراقيين في الخارج، في حين يرى المؤيدون لتلك النسبة، ان القول بوجود اربعة ملايين عراقي في الخارج امر مبالغ فيه، ناهيك عن انه لن يكون ممكنا اجراء الانتخابات في كل الدول التي يتواجد فيها عراقيون لان اجندات تلك الدول قد تتقاطع سياسيا مع العملية الانتخابية في العراق، لذلك فأنها ستعوق او تمنع اجراؤها، اضف الى ذلك فأنه لاتتوفر احصائيات دقيقة ويعتد بها عن اعداد العراقيين في الخارج وخارطة توزيعهم.
ويراهن الرافضون او المتحفظين على نسبة الـ(5%) لعراقيي الخارج، على نقض القانون من قبل مجلس رئاسة الجمهورية في حال عدم توقيع الدكتور طارق الهاشمي النائب الثاني للرئيس عليه، بيد ان خبراء قانونيين يذهبون الى ان نقض القانون ورفضه لايتحقق الا بأجماع الرئيس ونائبيه، أي الاعضاء الثلاثة لمجلس الرئاسة. وتبدو الاعتراضات والتحفظات، فنية في ظاهرها، وسياسية في جوهرها.وهذا ما اشار اليه واكد عليه عدد من النواب. وتبقى التحفظات والاعتراضات الجزئية شيء، ومحاولات العرقلة والارباك والتعطيل شيء اخر، فلم تكن هناك كتلة في البرلمان ليس لديها تحفظات واعتراضات ومؤاخذات على هذه المادة او تلك، وهذا يسري على الكتل التي بذلت اقصى الجهود لاقرار وتمرير القانون، والدليل على ذلك هو ان المصوتين ضد القانون والممتنعين عن التصويت، والمقاطعين لجلسة التصويت ينتمون الى كتل سياسية مختلفة وليس كتلة واحدة او كيان بعينه. وبحسب الاجواء والمناخات القائمة، وطبيعة المواقف والتوجهات من المستبعد جدا ان يعاد القانون من مجلس الرئاسة الى مجلس النواب، لكن من المحتمل ان يرفق بجملة توصيات ومقترحات من قبل النائب الثاني لرئيس الجمهورية، كما حصل مع قوانين سابقة، وهذا هو في الواقع نوع من الحلول الوسط، التي من شأنها ان تتيح لكل طرف تسجيل وتثبيت موقفه ورأيه.
https://telegram.me/buratha