المقالات

الانتخابات التمهيدية وشورى الأمة إنجازان مضيئان

702 12:55:00 2009-11-16

الأستاذ إسحاق يعقوب / أستاذ علوم السياسية في جامعة الكوفة

إنّ مبدأ المشاركة الشعبية في الحكم وإدارة الدولة بمعنى حضور أبناء الشعب في الساحة السياسية ومشاركته الواسعة في اختيار القيادات السياسية للبلد وإبداء الرأي بكل الوسائل المشروعة في جميع القضايا التي تهم مصالحهم وأهدافهم وطموحاتهم يعتبر من المبادىء التي تفتخر أغلب المدارس الفكرية السياسية بالتأكيد عليها.و سواء كانت هذه المدارس إلهية أم بشرية فهي تسعى لإقامة حكم يملك الشعب فيه حريته وسيادته وكرامته ومشاركته في إصدار قراراته والإطلاع على مجريات الأوضاع وحقائق الأحداث والأمور وهو ما نراه جليّا في الإسلام وكذلك في النظريات السياسية الحديثة والتي تسمى بالنظريات الديمقراطية في الحكم دون أن يعني ذلك المساواة والمماهاة بين الإسلام والنظريات الديمقراطية. ولذلك تسعى جميع هذه المدارس العقائدية والفكرية إلى وضع الخطط والأساليب والمناهج التي تعمل على تأمين تحقق هذا الحضور الشعبي من خلال آليات عملية معينة بعد نشر الفكر والوعي والمعارف والمعلومات والثقافة الكافية التي تهييء وتمكن الشعب من القيام بدوره الحيوي في مشاركته في الحكم وإدارة الدولة بالشكل الصحيح للوصول إلى ألأهداف والآمال المرجوة. أن من الوسائل المهمة جدا في تعميق حالة الحضور الشعبي وكسب تأييد أبناء الشعب هي وسيلة توطيد الثقة بين أبناء الشعب وقياداته وهذا ما يمكن حصوله من خلال العمل على تحقيق الطموحات والأهداف التي يتوخاها أبناء الشعب,فكلما لمس الشعب أن قياداته تحرص كثيرا على تلبية حاجاته ولاسيّما الأساسية منها وتوفر له الخدمات المطلوبة وتدافع عن أمنه ومصالحه ومبادئه وقيمه بكل شجاعة وحكمة كلما كان الشعب أكثر إندفاعا في مشاركته السياسية وحضوره وتأييده لهذه القيادات ودفاعه عنها. إلا أن حضور الشعب ومشاركته وكسب تأييده هما أمران لا يمكن الحصول عليهما فقط من خلال تحقيق الإنجازات والأهداف التي يريدها الشعب بل أيضا من خلال إخبارهم وإعلامهم بالحقائق فعندما لا تتمكن القيادة من تحقيق كل أو بعض تلك الإنجازات والأهداف فهنا يأتي دور إعلام الشعب بالأسباب الحقيقية التي تقف وراء ذلك الإخفاق الجزئي أو الكلي في المحافظة على هذا التأييد الشعبي أو إيجاده.ولا يمكن لأي شعب مهما كانت ثقافته وحضارته ومهما كان مستواهما أن يمنح تأييده ومساندته لأي قيادة بدون أن يعرف حقائق الأمور المتعلقة بعمل هذه القيادة وأسباب نجاحها أو إخفاقها في بعض الأحيان أو المجالات.

لقد أكد على هذه الحقيقة الأمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر(رض) عندما قال له فيه "وإن ظنت الرعيّة بك حيفا فأصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم بإصحارك فإن في ذلك رياضة منك لنفسك ورفقا برعيتك وإعذارا تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق".والمعنى أن الرعية أو الشعب عندما يظن أنّ الحاكم مقصّرا أو لم يحقق لهم آمالهم وأهدافهم التي أوكلوها إلى الحاكم لكي يحققها لهم أو أنقصهم من حقوقهم شيئا وغير ذلك مما يمكن أن يطلق عليه ظلما وحيفا فإن على الحاكم إن كان لم يتعمد كل ذلك وكانت هنالك أسباب قاهرة حالت دون تحقيق ما كانت الرعية تأمله وتريده منه أو ما كان قد وعدهم الحاكم نفسه بتحقيقه لهم في حال أن اختاروه حاكما لهم فإن السبيل الوحيد للمحافظة على رضا الشعب وتأييده وإبقاء دعمه للحاكم هو إخبار الشعب بحقائق الأمور والأسباب الحقيقية التي حالت دون تحقيق تلك الأهداف والآمال.

إنّ شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (رض) كان ممن أكّد على هذه الحقيقة وخصوصا في خطبه الأخيرة قبل استشهاده في صلاة الجمعة في الصحن المطهر لأمير المؤمنين(عليه السلام) فقد قال في الخطبة الثانية من الجمعة الثالثة مطالباً بـ"التحدث مع أبناء الشعب العراقي بصورة واضحة غير خفية و لا نكتم عليهم شيئا وهذا واجبنا في العمل الذي نباشره من موضع المسؤولية الشرعية قبل كل مسؤولية أخرى".(راجع كتاب الأربع عشرة ,منهج ورؤى,ص128) كما قال أيضا في الخطبة الثاني من الجمعة الخامسة أن"الطريق الصحيح لمواجهة العنف ليس التعتيم على الحقائق بل هو أن نبيّن هذه الحقائق وأسباب العنف ونعمل على معالجتها"(راجع الكتاب السابق,ص154).إن معرفة الشعب بحقائق الأمور تؤدي إلى حضوره الفاعل والمؤثر في مجريات الأحداث بل وفي عملية صنع القرار السياسي وغيره من القرارات وخاصة القرارات الكبرى والحيوية للدولة وهو بذلك يقدم دعما غير محدود لصانع القرار الرسمي في الدولة يجعله يشعر بالقدرة الكافية لاتخاذ القرارات المهمة والحاسمة والثبات عليها.إن الحاجة إلى هذا الحضور الشعبي والمشاركة الفاعلة من قبل الشعب هي مسألة في غاية الأهمية والخطورة وقد ذكر السيد شهيد المحراب (رض) أن الأمام الخميني(قده)كان يؤكد على هذا الأمر في ثورته ولولا إيمانه بالله سبحانه وتعالى وبقدرة الجماهير لم يستطع أحد أن يقف و يصمد أمام الهجمة الإستكبارية المتعددة الجوانب على إيران وحتى في وصيته (قده)يشيد بدور الأمة وبنسب لها تحقيق هذه الأهداف والطموحات.

يعلق السيد شهيد المحراب(رض) على كلام الأمام الخميني(قده) فيقول"أنا على يقين وعلى بصيرة من أن ما يجري في العراق يجب أن يكون أيضا بهذا الطريق فما لم يتصدى أبناء الشعب العراقي بأنفسهم,ويأخذوا بزمام المبادرة ويقدموا التضحيات تلو التضحيات ويعملوا من أجل تغيير الأوضاع الموجودة داخل العراق لا يمكن أن نصل في قضيتنا إلى النتيجة المبتغاة,كل ذلك بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى,أما أن نعتمد على الغير،أو على الألاعيب السياسية,وعلى التحركات هنا وهناك,فلا يمكن أن تحقق هذه التحركات أهدافنا,ولا يمكن أن توصلنا إلى غاياتنا.ّإن التحركات السياسية والعمل الإعلامي أشياء صحيحة.بل هي ضرورية,ولابدّ منها,ولا يمكن أن يكون هناك أمل حقيقي بدون عمل سياسي,وبدون عمل إعلامي,لكن برغم أنها أعمال صحيحة غير أنها لا يمكن أن تحقق أهدافها,وتصل إلى نهاية الطريق ما لم تدخل الأمة في المعركة وفي الصراع ويجب أن نفهم أن الشيء الذي يوصلنا ـ بعد الله سبحانه وتعالى ـ إلى أهدافنا إنما هو الأمة.هذه الحقيقة يجب أن نفهمها,ونعرفها في كل تحليلاتنا وحركتنا السياسية.إذا أردنا أن نكون أعزاءا,وقريبين من الله,وإذا أردنا أن نحقق أهدافنا بشكل حقيقي ,فيجب أن نعتمد على الله,ونعتمد على الأمة..."(راجع كتاب موسوعة الحوزة العلميّة والمرجعية.شهيد المحراب(قده)الجزء الخامس,الإمام الخميني,مؤسسة تراث الشهيد الحكيم.ص19).

في ضوء ما سبق تعتبر الانتخابات التمهيدية لمرشحي البرلمان وإنشاء ما أطلق عليه "شورى الأمة" تطبيقا رائعا لهذه الحقائق المهمة حيث العمل على تحقيق المشاركة الواعية والمؤثرة للشعب في صياغة واقعه ومستقبل بلده من خلال الدخول إلى عملية صنع القرار في القوى السياسية وفي الحكومة بكافة مستوياتها وأشكالها وهو ما يمثل هدفا مركزيا تتمحور حوله كل النشاطات الحكومية والشعبية من أجل تحقيق الأهداف والآمال التي يطلبها الشعب فحضور الشعب الواعي عبر معرفته بمرشحي البرلمان ومعرفته أيضا بحقائق الأمور التي تجري في البلد واستشارة الطاقات العلمية(الأكاديمية والدينية والشعبية)لأبناء الشعب يعني الاختيار الصحيح للبدائل المتاحة أمامه من أجل إنجاح العملية السياسية والوصول إلى أهدافه. إن الحضور الواعي للشعب في العملية السياسية هو أولا هدفا يجب أن يسعى الجميع(القيادات والشعب) لتحقيقه وهو أيضا في حال تحققه مكسبا عظيما يجب أن يكون الجميع أمينا وواعيا لدوامه والمحافظة عليه مهما كانت الظروف والتحديات والتضحيات.

إن هذه التحولات والتطورات السياسية التي تشهدها الساحة السياسية العراقية والتي تفرزها بعض القوى السياسية تعبر عن النجاح الكبير الذي يحققه أبناء الشعب العراقي في مسيرة البناء السياسي الجديد للعراق بالرغم من كل التحديات والعقبات الدامية التي يحاول الأعداء أن يضعوها في هذا الطريق من أجل منع تحقيق مثل هذه الإنجازات التي يعني تحقيق وإنجاز كل مرحلة من مراحلها انهيارا في مرتكز أساسي من مرتكزات التآمر البعثيّة والظلاميّة الرامية لتحطيم إرادة العراقيين من أجل العودة إلى الوراء الأسود وكذلك بالرغم من كل التضحيات العظيمة والطاهرة التي لولا الهدف العظيم والنبيل الذي بُذلت من أجله لما كان هناك مبررا لبذلها في هذا الطريق الشريف.

إن دماء الشهداء ومداد العلماء الذين كتبوا في كيفية بناء النظام السياسي العادل والذي يحقق للشعب آماله وطموحاته تتعانق في هذه الإنجازات الرائعة والتي تكشف عن ولاء أبناء العراق لعلمائهم وشهدائهم حيث لا يمكن الوصول إلى الأهداف العظيمة والسامية التي يتطلع إليها العراقيون والتي رسمها لهم هؤلاء العلماء الأعلام والشهداء الأبرار إلا من خلال هذه المخاضات الشعبية العنيفة والشريفة والتي هي في الوقت نفسه صورة أخرى من صور الإبداع والمعرفة والشهود والتضحيات أو تعبيرا عنها بأسلوب آخر. فكما كانت الشهادات المعرفية والعلمية التي تشرق في سماء البحث والتحقيق والتنقيب عن الحقائق التي تنير الطريق للشعوب نحو العدل والحق والخير والسلام مخاضات قاسية أشرقت بعدها شموس المعارف والهداية والحقيقة؛وكما كانت الشهادات الدامية في أقبية السجون أو ساحات القتال والجهاد مخاضات تثبيت لتلك الشموس في عالم الشعوب والأوطان فإن ما يقوم به العراقيون اليوم من استلهام لتلك المعارف والحقائق ثم العمل على تحويلها إلى وقائع ترسم حاضر الشعب والوطن ومستقبلهما هو في الحقيقة مخاضات أخرى من الجهاد والتضحيات والتي من خلالها يتم التواصل مع تلك المخاضات المقدسة بل ويمنحا الاستمرار والدوام وهو في الواقع ما به يتم الوصول إلى الهدف الأسمى والأرقى لأبناء هذا الشعب وكل الشعوب.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك