كريم العاقولي
بداية انا لست من انصار او دعاة الائتلاف الوطني العراقي او ائتلاف دولة القانون بل انا باحث علماني اؤمن بفصل الدين عن السياسية وضد توظيف الدين في العمل السياسي وتحقيق الاهداف الحزبية. لست ضد الدين اساساً بل احترامي للدين وقدسيته ونزاهته دفعني للفصل بينه وبين اداء البشر من غير المعصومين ولذلك من الخطأ التصور بان كل علماني هو لا ديني لا يؤمن بالدين والشريعة المقدسة. هذه شبهة كرسها بعض المغرضين لتشويه العلمانية امام البسطاء والسذج من المتدينين لاثار احقادهم ضد العلمانية. وكنت اتحسس بصراحة عن كل الاحزا ب والقوى الاسلامية وكانت تجربتي بعيدة عن الواقع فلم اعش مع الاسلاميين عن قرب او اشاهد لهم تجربة قريبة بسبب الانظمة البوليسية التي تحكمت وحكمت العراق والمنطقة وانشغال الاسلاميين في المعارضة والمطاردة والمنفى وفي السجون.
وما زاد من سوء نظرتي للاسلاميين وغموض افكاري وضبابيتها عن الحالة الاسلامية هي ممارسات الاسلاميين في المغرب العربي وطبائع التكفير الذي اتركزت في تصورات سيد قطب وحسن البنا وما بلورته السجون المصرية من افكار متشددة ومتطرفة في مرتكزات وعي الاسلاميين حتى استحالت اكثرها الى تكفير لكل المسلمين بينما الاسلام حاول ادخال الناس في دين الله افواجاً وليس اخراجهم كما يفعل التكفيريون. واما عن الحالة الاسلامية في العراق فلم ادرك حقيقة الاسلاميين وطبيعة خطابهم الا ما كنا نقرأه او نسمعه وربما التشويه الذي مارسه النظام السابق ضد حزب الدعوة وقرار الاعدام لكل من ينتمي الى حزب الدعوة او من يتستر عليهم وبأثر رجعي جعلني اتعاطف مع هذا الحزب بداية وان كان النظام السابق يحاول حصر كل معارضيه في اطار حزب الدعوة لكي يوحي للاخرين والاعلام الخارجي بانه لا يمتلك معارضين الا مجموعة تابعة لايران اسمها حزب الدعوة ولذا حاول توجيه الاتهامات لجميع معارضيه بالانتماء لحزب الدعوة وان كانوا لم يتصلوا يوماً بهذا الحزب.
كما شاهدت وسمعت الكثيرعن اخبار السيد محمد باقر الحكيم اثناء فترة المعارضة واعجبني اداءه وخطابه واسلوبه الاقناعي وروحه العراقية ودفاعه عن الشعب العراقي في كل المحافل الدولية والمنابر الاعلامية.واطلعت قليلا عن منظمة العمل الاسلامي ولم اعرف تفاصيل انشقاقاتها وغاية ما اعرفه ان لديها علماء مثل السيد المدرسي الذي يمتلك اسلوباً خطابياً مؤثراً ولكنني استغربت كثيراً عن توسعها في الخليج بينما لم يحظ الداخل العراقي بادنى اهتماماتها واولوياتها فهي تفكر بقيادة العالم بينما عجزت عن الوصول الى العراق ما عدا محافظة كربلاء والتي لم تستمر في قيادة الجماهير خاصة بعد سقوط النظام.
واما منظمة بدر او فيلق بدر سابقاً فكان تشكيلاً مقاوماً مواجهاً لابشع نظام في المنطقة والعالم ولم نسمع عن تشكيل جهادي مسلح من قوى المعارضة له حضور في الاهوار وفي بعض مناطق العراق سوى فيلق بدر. وما نقله لنا الجنود العراقيون عن فيلق بدر وقياداته وخاصة من وقع في قبضة مجاهدي فيلق بدر من الجنود العراقيين واطلق سراحه نقل لنا قصصاً وحكايات عن شجاعة وسماحة واخلاقية البدريين ما جعلنا نتفاءل بهم رغم ان النظام العراقي كان يعاقب الجنود العراقيين الذين ينقلون مشاهداتهم اثناء اسرهم من قبل قوات بدر. وعند سقوط النظام وبروز ظاهرة الميليشيات ومحاولة سيطرتها على الشارع العراقي وسد الفراغ الامني والحكومي لكن ما اثار غرابتي هو انكفاء البدريين وحل فيلقهم الجهادي المجرب والمدرب الى منظمة سياسية منزوعة السلاح طوع ارادتها في ظروف حساسة وخطيرة لا يحتمي بها الاخرون الا بالميليشيات والمسلحين.
ما اثار غرابتي وغضبي هو حل فيلق بدر وتحويله الى منظمة سياسية ونحن كنا باحوج ما نكون اليه الى قوة مسلحة تدافع عنا من تهديدات وتحديات عصابات القاعدة والمتطرفين وازلام البعث البائد وكنت اتساءل لماذا يضطر البدريون الى حل تشكيلهم المسلح ولماذا يتحولون الى منظمة سياسية في زمن الخطف والنهب والسلب والابتزاز السياسي وكنت اقول معاتباً واحياناً مغاضباً هل تعجل البدريون بقرارهم هذا ولماذا يفسحون المجال للمسلحين ليعبثوا بمقدرات البلاد والعباد.ولكنني تيقنت فيما بعد وخاصة بعد الفوضى الامنية والسياسية وبروز حالات الاستهتار والابتزاز والقهر وفرض اجندة الاحزاب على المواطنين عن طريق قوة السلاح تيقنت ان قرار حل فيلق بدر كان قراراً حكيماً وواعياً ومسؤولاً واسقط كل ما في ايدي الاخرين من تبريرات لحمل السلاح مقابل الحكومة واجهزتها الامنية.وما اعجبني بالبدريين رغم حملة التشويه المنظمة ضدهم هو قدرتهم العقائدية والسياسية والفكرية على الحوار والاقناع ولم يلجأوا الى اساليب التهديد والوعيد لمن يختلف معهم في الرأي والفكرة.
وقد تبين من خلال التجربة الاخيرة في العراق بان البدريين - رغم لااختلافي معهم فكراً واتجاهاً- يمثلون الروح الوطنية الحقة وهمهم الاكبر هو خلاص شعبهم من مظاهر الفوضى والارباك وجعل السلاح بيد الحكومة حصراً.وما اثار اعجابي مؤخراً ودهشتي هو اداء الائتلاف الوطني وحرصه الشديد على لملمة الشمل العراق وحفاظه على المعادلة السياسة الجديدة في العراق وقدرته على ادارة الحوار وانتقاء خطاب استيعابي لكل الائتلافات والتحالفات بروح ابوية حريصة ومسؤولة وهو ما جعلني انفعل احياناً بسبب الاصرار على الحوار ودعوة الاخوة في ائتلاف دولة القانون بمراجعة مواقفهم بالانضمام الى الائتلاف الوطني ومواجهة التطورات الحاصلة والمستجدات السياسية وظهور اشباح البعث من جديد متلفعاً بعباءة وطنية محمياً بائتلافات سياسية.
وصلت الى حالة من الالم وانا لست اسلامياً كما اسلفت بل انا من مكون دفع ثمن انتمائه عقوداً من الزمن واقول انا من مكون يمثل الاغلبية ولا احد يزايدني على انتمائي وخصوصيتي مع حبي وحمايتي عن جميع الخصوصيات والمكونات ، تألمت كثيراً لاخلاقية العالية التي ابداها الائتلاف الوطني العراقي وما يقابلها من عناد ومكابرة لبعض رجالات ائتلاف دولة القانون وتصريحاتهم التي تفوح منها رائحة الانانية والفئوية حتى ظننت ان اصرار ووفاء الائتلاف الوطني على انضمام ائتلاف دولة القانون مذلة وهوان.وما اثار غضبي هو المكابرة والاستعلاء لائتلاف دولة القانون وتفكيرهم الاناني والفئوية وعدم التفكير بمصالح ابنائهم ممن عانوا عقوداً من الديكتاتورية والاستبداد.
https://telegram.me/buratha