حسن الهاشمي
جرائم البعث أكثر من أن تحصى وأعظم من أن تغطى بمقالة أو بحث أو حتى مجلدات عديدة وهي قد أزكمت الأنوف وعمت زفراتها الآفاق ولا يوجد أي عراقي شريف إلا واكتوى بنار البعث الحاقد منذ تسلطه على سدة الحكم عام 1968م لحد هذه اللحظة وليس في نيسان 2003م، حيث أن البعث كان يقتل إبان حكمه في السجون وبعد حكمه في الأسواق والأماكن العامة، والحقيقة التي لا غبار عليها أن ديدنهم القتل وطريقهم الغدر وعقيدتهم الدمار والخراب وهدفهم تسخير كل شيء للقائد الضرورة ورش الرذاذ في وجوه الخدم والمتملقين والمتزلفين وما أكثرهم في زمن العهر السياسي والنفاق العروبي الذي يعيش في انتصارات مزيفة ويتدثر بقيادات كارتونية هشة وفارغة تصنع منها رموزا وطنية وقيادات فذة تطابق تلك الشعوب العروبية المنخدعة في خوائها وسطحيتها وفراغها...والطامة الكبرى أن يدعي المثقف والكاتب والأديب وأستاذ الجامعة أولئك الذين كانوا يسبحون بحمد الديكتاتور صدام وزبانيته يدعون التقدمية والوطنية والعروبية وهم بولائهم الأعمى للديكتاتور وبتصفيقهم لحملات الإبادة المنظمة للحرث والنسل على مدى أربعة عقود من الزمن وما زالوا يسبحون بحمده إنما يذبحون الوطن من الوريد إلى الوريد ويضعون العصي في مسيرة كل دولاب يسعى إلى دحر النظام الشمولي الذي قضى على مديات الإبداع وفي كل مناحي الحياة، إنهم يفهمون الوطن والمواطن والسعادة بالذوبان بالحزب الواحد والقائد الواحد وطريقة التفكير الواحدة وكل من يخالف هذا المنطق المعوج فهو في نظرهم لا يستحق الحياة، هذه النظرة الضيقة قد تمرسوا عليها طيلة أيام حكمهم ويحاولون الآن عبر تحالفاتهم الشيطانية مع دول الجوار العراقي من الأنظمة الملكية والشمولية من إعادة البعث إلى المسرح السياسي بذريعة الوقوف أمام المد الإيراني، ولا أحد يدافع عن المد الإيراني أو المد السعودي أو المد التركي، فجميع هذه الإمتدادات مرفوضة جملة وتفصيلا. فنحن شعب قد ضاق ذرعا من ظلم الأنظمة المتغطرسة وتذوق بعد سقوط الصنم طعم الحرية التي حرم منها لقرون متمادية ويحاول أن يحكم نفسه بنفسه عن طريق صناديق الإقتراع ويدفع إلى سدة الحكم من يعمل على تطبيق الدستور وإقامة دولة المؤسسات واحترام حقوق الإنسان واحترام عقيدته وطقوسه الدينية ضمن نطاقه الجغرافي وامتداداته التاريخية التي يؤمن بها، ينعم جميع ابناءه بالحرية وتكافؤ الفرص وتوزيع الثروات عليه بصورة عادلة من دون تمييز حزبي أو قومي أو مذهبي، وهذه الطموحات لو تحققت لأزدهرت البلاد وعاش الجميع في أمن وأمان وبحبوحة من العيش الرغيد، ولكن العراق وما حباه الله سبحانه من موقع جغرافي هام وخيرات زراعية وطبيعية وبترولية ما جعله عرضة للتدخل من قبل الدول الإقليمية لعرقلة أي نمو وخدمة في ظل نظام ديمقراطي، لئلا تحسب أي منقبة للنظام الديمقراطي الذي يتقاطع وبشدة مع تحكم الأنظمة المستبدة برقاب شعوبها ما قد يؤثر على كراسي حكمهم فيما إذا نجحت تلك التجربة الرائدة في العراق.
إن البعث المجرم وأقولها بمليء فمي يعد من أقسى الأنظمة على وجه البسيطة منذ أن خلق الله الإنسان ولحد زماننا هذا، وما زالت جرائمهم الوحشية ماثلة أمام أنظار العراقيين حيث أدخل الشعب في مطبات وأنفاق مظلمة وحروب إبادة داخلية وخارجية في برهة من الزمن يبقى علقها عالقا في الأذهان لا تمحوه السنون ولا تزيله حتى ذاكرة النسيان، لما ضاق بهم الشعب ذرعا وظلما وقتلا وترويعا وتخلفا وشقاء وتشريدا وفقرا... إلى آخر الكلمات النابية في القاموس العربي. ويخسأ كل من يريد إرجاع البعث مجددا إلى المسرح السياسي سواء أكانت دولا ديكتاتورية أو أذناب لهم في الداخل، فليخسأ صالح المطلق ومن لف لفه الذي توقع أن يشغل البعثيون أربعين مقعدا في البرلمان القادم، فهذا الصعلوك الوضيع إن أراد أن يعيش ذليلا وذنبا لحزب البعث وأرباب نعمته فهو شأنه ولكن ليس من حقه إرجاع الجناة إلى قبة البرلمان ليعيدوا كرة الخبث والنفاق علينا من جديد ويرجعونا إلى المربع الأول، هيهات أن يرجع البعث إلى سدة الحكم فالشعب قد تذوق طعم الحرية ولا يمكن أن يعيش حياة الذل والخنوع بعد الآن، وإن هذا الأجرب الإمعة الذي يدافع عن البعثيين حاله أسوأ من بعض أزلام النظام البائد، فهذا وظبان التكريتي الأخ غير الشقيق لديكتاتور العراق صدام المقبور طالب رئيس المحكمة الجنائية العليا على هامش محاكمة أركان النظام البائد بضرورة محاكمة قيادات الحزب سياسيا وجنائيا، مبينا ان لديه موقفا مسبقا من تنظيم حزب البعث اذ بيـّن انه سبق ان حذر صدام في عام 1991 من الحزب وطالبه بعدم الاخذ بنصائح قياداته، كونهم لا يريدون سوى الدمار والخراب لهذا البلد. وبالرغم من كل هذا يطلق المطلق القيود عن البعث ويطالب بعودتهم للحياة السياسية ليرجع إلى خانة العبيد وكأنه لا يصدق نفسه أن يعيش حرا ولو لساعة واحدة!!! وأقول لهذا الذليل ولغيره ممن هم على شاكلته كما قالها الإمام الحسين عليه السلام لأولئك الذين خرجوا لقتاله في صحراء كربلاء (إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون).
وبعد كل تلك الجرائم التي اقترفها البعث المجرم بحق الشعب العراقي ليس أولها قتل الأخيار والمؤمنين وعلى رأسهم الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله ولا آخرها تفجيرات الأربعاء والأحد الداميين، وما بينهما برزخ من الدمار والأنات والويلات والمصائب والمحن وقتل الحرث والنسل بأبشع جرائم قلما شهدت البشرية مثيلا لها في التاريخ، أعرب رئيس الوزراء السيد نوري المالكي عن استغرابه من الذين يدافعون عن إمكانية دخول حزب البعث إلى البرلمان، وقال: علينا أن نحول دون وصول هؤلاء إلى قبة البرلمان، يجب أن نكون موحدين في الدفاع عن شعبنا، نختلف بالأفكار لكن علينا أن لا نختلف عندما يكون بلدنا موضع استهداف، علينا إيقاف استهداف شعبنا.
فكما اتفق الألمان من منع النازيين الذين تسببوا في دمار بلادهم من الدخول في العمل السياسي بعد الحرب العالمية الثانية، المطلوب من أبناء الشعب العراقي الشرفاء مواطنين ومسؤولين أن يطبقوا بنود الدستور بمنع حزب البعث المنحل من ممارسة عمل لا يؤمن به أصلا امتثالا للقول القائل: ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، البعث عمره لا يؤمن بالإنتخابات والتداول السلمي للسلطة، كيف يعقل اشراكهم في عملية هم أصلا لا يؤمنون بها ولا بنتائجها ولا بما تتمخض عنه من معطيات واستحقاقات، والدعوات النشاز التي تدعو باشراكهم في العملية السياسية هي بحقيقة الأمر دعوة لتقويض العملية الديمقراطية في العراق من الداخل، وما نراه من سيئات الوقت الحالي هو في حقيقة الأمر من مخلفات النظام الماضي، فهل من مدكر؟!!.
https://telegram.me/buratha