كريم حسين
ثمة مفارقات وثنائيات أفرزتها العملية السياسية في العراق وكشفت عن تناقضات وارباكات في الفهم العام للواقع العراقي الجديد.ويبدو ان الفهم النخبوي السياسي في العراق مازال يتركز على البعد الطائفي رغم مغادرة الوعي العراقي الشعبي مؤثرات الشد الطائفي التي عانى من كوارثها شعبنا قبل اكثر من ثلاث سنوات.وما يثيره بعض السياسيين من كراهية للروح الطائفية وانقاذ البلاد والعباد من احتقاناتها والتباكي على الوطنية اصبح سلعة للمزايدات التي كذبها الاداء الجديد لهؤلاء السياسيين.فالعتب العراقي على الاشقاء والاصدقاء بالتردد او التراجع في دعم العراق سياسياً ودبلوماسياً تحول فجأة الى غضب لكل محاولة اقليمية للتقارب من العراق ومجرد تبدأ مبادرة اقليمية لفتح سفارة او زيارة لمسؤول رفيع للعراق تتكهرب الاجواء السياسية في العراق وتنطلق حرب الاتهامات وقراءة النوايا وما تخفي الصدور.لسنا في سياق الدفاع عن احد ولسنا هنا لمحاكمة الاخرين ولكن لابد ان نسلط الاضواء على حقائق ومستجدات الواقع العراقي الجديد لكي تتضح الرؤية والمواقف والتصورات.العراق لا يمكن ان يعيش منفرداً او مغرداً عن السرب العربي والاسلامي مهما كانت طبيعة التجربة السياسية الجديدة التي تبلورت في نظام الحكم الجديد في البلاد ولايمكن ان ينأى بعيداً عن محيطه العربي كما لا يمكن الغاؤه او شطبه عن المعادلة الشرق اوسطية لايمكن ان نتصور عراقاً بدون محيطه العربي والاسلامي ولا يمكن ان نتفهم محيطاً عربياً او اسلامياً لا يستوعب العراق.فالعراق الجديد أثبت بانه ينأى بنفسه بعيداً عن سياسة المحاور الدولية القائمة كبديل قهري للحرب الباردة اثناء القطبية الثنائية التي كانت تقود العالم قبل تفكك الاتحاد السوفياتي وتشظيه الى شظايا غير متآخية.وقد حرص العراق بان يكون ساحة سلام ووئام لجميع اشقائه واصدقائه واكد في دستوره بانه لم ولن يكون مصدر تهديد للاخرين ولم يحتضن اية منظمة ارهابية تنوي الشر لجيراننا.والعراق يرحب بكل جهد عربي او اسلامي او دولي لدعمه سياسياً ودبلوماسياً او اقتصادياً للخروج من ازمته الراهنة وهو كان ومازال يناشد كل القوة الخيرة في العالم الى فتح سفارتها ومد جسور التعاون والثقة مع العراق الجديد.وامتنعت دول شقيقة واخرى صديقة من الانفتاح مع العراق حتى على مستوى فتح سفارة او قنصلية ولم تصغ الى دعوات ونداءات العراق الجديد بضرروة الانتفاح الايجابي مع العراق واذا صغت الى صيحاتنا فتغلق اذانها او ترفد لنا فتاوى التفخيخ والعنف الطائفي عبر الانتحاريين ومجانين الاحزمة الناسفة.والمؤسف ان سياقات التعاطي مع الشأن العراقي اتخذت مسارات مقلوبة ومغلوطة فبدلاً من ادانة الغائب وتأنيبه وشكر الحاضر وتكريمه كسياق طبيعي في مسيرة العقلاء في الدنيا فليس من الصحيح ان يحاسب المدير موظفه الحاضر ويكرم الاخر الغائب ولكن في العراق اصبح الامر بالعكس والمقلوب فيدان الحاضر ويكافىء الغائب.والامتعاض والاعتراض اللذان ابداهما بعض السياسيين حول زيارة الدكتور علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الاسلامي في ايران يعكس طائفية الوعي السياسي لهؤلاء والتعاطي مع الملف الاقليمي بازدواجية مقيتة.لا ننكر بان لايران مصالح في المنطقة وعلاقات واسعة مع دولها وهذا ليس مرفوضاً على مستوى العلاقات الدولية ولا نستغرب بان تكون لايران منظومة من العلاقات مع دول الجوار بل الاستغراب هو الا تكون لايران مصالح او علاقات مع المنطقة.وهذا الامر ينطبق على الجميع واذا غاب طرف فعليه ان يتحمل ضريبة غيابه لا ان يحمل الاخرين تداعيات هذا الغياب فان الكون لا يتحمل او يحتمل الفراغ فمن يحضر في الميدان السياسي والدبلوماسي والابواب العراقية مشرعة لكل من يريد التواصل فليس ثمة حظر على احد من جيراننا الاشقاء والاصدقاء.فماهي اسباب هذا اللغط السياسي والصراخ الطائفي والهستيرياً الانتخابية لزيارة الدكتور لاريجابي وهل تجاوزت الخطوط الحمر التي وضعها الدستور العراقي؟والاكثر غرابة ان بعض المولعين بنظرية المؤامرة من مثيري الشغب السياسي في العراق الجديد وصفوا هذه الزيارة بانها جاءت لحل ملفات عراقية داخلية او تقريب او توحيد الائتلاف الوطني العراقي مع ائتلاف دولة القانون.ولو فرضنا - جدلاً- بانها جاءت من اجل هذا الغرض التقريبي وحلحلة بعض الملفات للانتخابات القادمة وفرض المحال ليس بمحال كما يقال فهل من العقل والحكمة واللياقة ان يقوم لاريجاني بزيارة رسمية معلنة من اجل هذا الغرض وهل تحقيق هذه الاهداف يحتاج الى زيارة كبيرة بهذا الحجم لا تفارقها كاميرات الفضائيات في كل برامجها وتفاصيلها.وهل انعدمت كل الخيارات الكفيلة بالتواصل حتى تكون بهذه الطريقة المكشوفة والواضحة وتحت الاضواء وهل هذه الهجمة المغرضة للتشويش على هذه الزيارة محاولة للتغطية على مليارات الدولارات التي رصدت للحملة الانتخابية القادمة والتأثير على وعي الناخب وطبيعة الانتخابات وكياناتها.كان من المفترض واللائق سياسياً واخلاقياً ان يبادر الدكتور اياد السامرائي رئيس مجلس النواب بالرد على اتهامات واراجيف او اصدار توضيح لخلفيات زيارة الدكتور لاريجاني وغلق الابواب امام المتصيدين بالماء العكر والمستغلين مواقفهم الخاطئة لاغراض انتخابية فليس من الصحيح السكوت عن هذه التخرصات والتصريحات البائسة التي تفوح منها رائحة الحملات الانتخابية المبكرة.
https://telegram.me/buratha