عادل الجبوري
اذا كان هناك من اعتبر ان زيارة رئيس مجلس الشورى الاسلامي الايراني علي لاريجاني الى العراق، جاءت لتكمل وتتمم الزيارة التي قام بها رئيس مجلس النواب العراقي اياد السامرائي لايران مطلع شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، فأن تلك الرؤية تبدو للوهلة الاولى صائبة وسليمة الى حد كبير.واذا كان السامرائي قد اطلق من طهران مبادرة لاقامة تعاون استراتيجي بين دول المنطقة للتخفيف من التوتر واحتواء الازمات والمشاكل فيما بينها، فأن لاريجاني جاء الى بغداد على رأس وفد رفيع المستوى ومتنوع، وابرم مع الجانب العراقي"بروتوكول تعاون واسع" وصف بأن من شأنه ان يضع أسس وركائز للعمل المشترك في تسوية جميع الملفات العالقة بين البلدين، ويسهم بتطوير العلاقات في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية.وسواء جاءت زيارة رئيس مجلس الشورى الاسلامي الايراني الى بغداد بدعوة رسمية من نظيره العراقي، او بغير ذلك، فأنها من الطبيعي ان تكون قد فتحت افاقا جديدة للتعاون والتنسيق بين الجانبين ومعالجة جملة من المسائل والمشاكل العالقة، من قبيل نقص كميات المياه، وقضية ما يسمى بمنظمة " مجاهدي خلق " الايرانية، والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وتنظيم الزيارات الدينية بينهما، والمواطنين المحتجزين لدى كلا الجانبين.واهمية الزيارة تكمن في جانب منها انها تمت بعد شهر واحد فقط من زيارة السامرائي لطهران التي حققت حسب تقييم الكثير من الاوساط السياسية نتائج مثمرة وسرعت وتيرة التواصل والحوار والتنسيق بين بغداد وطهران على اعلى المستويات، مع وجود رغبة حقيقية من كلا الطرفين لتطوير وتعزيز العلاقات على مختلف الاصعدة،كما اشار رئيس مجلس النواب العراقي الى ذلك. ولاشك انه لايمكن اجراء قراءة موضوعية وهادئة لابعاد ومعطيات زيارة رئيس البرلمان الايراني الاخيرة لبغداد بمعزل عن مجمل الرؤية الاستراتيجية الايرانية للوضع العراقي بعد الاطاحة بنظام صدام وحصول متغيرات وتحولات كبرى، ايجابية في جانب منها وسلبية من جانب اخر.
ولعل الرؤية الايرانية كانت الاكثر نضجا وواقعية في التعاطي مع الشأن العراقي، رغم وجود الكثير من المظاهر التي بدا واضحا انها تتقاطع مع المصالح السياسية والامنية لطهران، وخصوصا طبيعة الوجود الاجنبي-وتحديدا الاميركي-على الاراضي العراقية.
وكان للتعاطي الايجابي الايراني مع الوضع العراقي الجديد اثرا كبيرا في حصول تقدم ملموس في مختلف الجوانب، لاسيما السياسية منها، وشكل ذلك التعاطي حافزا لاطراف اقليمية ودولية عديدة لان تعيد النظر في سياساتها حيال العراق. وقد يكون الحراك السياسي بين بغداد وطهران خلال الاعوام الستة والنصف المنصرمة هو الاكثر والاكبر من أي حراك اخر بين بغداد والعواصم الاخرى، وكان من ابرز مؤشراته ومعالمه، هو تبادل الزيارات على اعلى الصعد والمستويات بين الجانبين، وحجم المبادلات التجارية والاقتصادية، والتمثيل الدبلوماسي، والحوار المتواصل بمختلف المستويات وعبر قنوات متعددة لمعالجة المشكلات واحتواء الازمات بين الجانبين.
وبقدر ماكانت بغداد جادة في طي صفحة الماضي بكل سلبياته واخطائه مع طهران، اظهرت الاخيرة نفس القدر من الحرص والاهتمام، وانعكست مصاديق ذلك الحرص والاهتمام بشكل واضح، وقد مثلت الزيارة التأريخية التي قام بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى العراق في شهر اذار-مارس 2008 نقطة تحول مهمة وانعطافة كبيرة في مسيرة العلاقات بين البلدين، لاسيما وانها كانت الاولى لرئيس ايراني منذ ثلاثين عاما، وسبقتها زيارات لكبار الساسة العراقيين، وزيارات مماثلة للساسة الايرانيين. وكان من الطبيعي جدا ازاء هذا القدر الكبير من الحراك المقترن بالجدية في تعزيز وتفعيل العلاقات بأطارها العام الشامل، ان تحصل حلحلة في كثير من العقد، وان تطغي الاجواء والمناخات الايجابية على ما هو سلبي او ما ينطوي على قدر من التعقيد ولايمكن حله ومعالجته خلال وقت قصير.
ولاحظنا في زيارة لاريجاني التي استمرت اربعة ايام، ان هناك من وجه انتقادات للسياسة الايرانية حيال العراق، وهناك من قال ان زيارة رئيس البرلمان الايراني غير مرحب بها، وهناك من قال ان مجيء مسؤول ايراني رفيع المستوى في هذا الوقت بالذات كان يهدف الى توجيه ضغط مباشر على قوى سياسية معينة لرسم خريطة تحالفات سياسية تنسجم مع المصالح والتوجهات الايرانية. مع ذلك فأن كل ما قيل من انتقادات وتحليلات وماطرح من اثارات عبر بعض المنابر السياسية ومن قبل بعض الشخصيات، وفي بعض وسائل الاعلام، لم يقلل من اهمية الزيارة، فلاريجاني التقى بكبار قادة البلد وزعماء القوى السياسية الكبيرة، والمرجعيات الدينية، وناقش بتفصيل واسهاب مختلف الملفات، وتوصل مع اصحاب القرار في بغداد الى نتائج ايجابية عززت النتائج الايجابية السابقة، وحددت مسارات وسياقات ومخارج للمشاكل والازمات والعقد القائمة.
ولعل تأكيد لاريجاني على "دعم طهران للعملية الديموقراطية الجارية في العراق وهو ما يمثل اختيارا صائبا للشعب العراقي" عبر عن الموقف الحقيقي لها، وكان دقيقا حينما قال "اننا وقفنا مع الشعب العراقي في احلك الظروف ونحن الى جانب العراق في مسيرة الاعمار والتنمية". والامر المهم الذي لابد منه بالنسبة لكل من طهران وبغداد هو اعطاء حيز اكبر لمعالجة القضايا الخلافية والمسائل التي تحتاج الى حسم يرضى الطرفين، وينسجم مع مصالحهما مثل ازمه المياه، وترسيم الحدود، وتواجد عناصر منظمة ما يسمى بـ"مجاهدي خلق" في العراق، والزيارات للعتبات المقدسة، والتعويضات والديون. فالحلول والمعالجات الواقعية والعملية لمثل تلك العقد والمشكلات من شأنها ان تدفع مسيرة العلاقات خطوات كبيرة الى الامام، وهذا مايحتاجه الجانبان في هذه المرحلة اكثر من أي وقت مضى.
https://telegram.me/buratha