( بقلم : احمد مهدي الياسري )
كان الانفجار مدويا وصم الآذان واهتزت الابنية والدور وسقط بعضها وهو بعيد نوعا ما عن الانفجار نتيجة قدم الابنية وشدة الانفجار فالمدينة قديمة وبيوتها كذلك ...كان الانفجار نتيجة اول صاروخ ارض ارض قصير المدى شديد الانفجار كان المقصود في الهدف هو ضريح الامام علي عليه السلام لانه مر من فوق الضريح المقدس آتيا من جهة كربلاء ورآه الكثير وهو يمر فوقه عى ارتفاع واطئ جدا ولو قيض له السقوط هناك لكانت الكارثة تشبه ماحصل من قبل ذات المدرسة والازلام لضريح الامامين العسكريين سلام الله عليهما في سامراء في الايام الماضية مع فارق انه كان مكتضا بالزائرين وتواجد مركز التوجيه لمجمل حركة الانتفاظة فيه ...يعلم خبراء الصواريخ ان صداما كان يستخدم صواريخ سكود الروسية وكان يحور تلك الصواريخ بتقليل الحشوة والوزن وزيادة الدفع مما يجعله بعيد المدى ولكن كان ذلك على حساب القوة التدميرية فيما كانت الصواريخ الغير محورة وهي قصيرة المدى والتي كانت ترمى على النجف من منطقة الرزازة في كربلاء كانت هائلة التدمير وشديدة الانفجار وكانت لمراكز تحوير الصواريخ في العراق والخبراء الروس الذين كانوا يعملون في بغداد والمحاويل والاسكندرية الفضل في امداد الطاغية بتلك الخبرة الاجرامية التدميرية والتي استخدمها الدكتاتور الارعن في حربه العدوانية التدميرية الحمقاء ضد ايران تحت شعار ايقاف تصدير الثورة الاسلامية مدعوما من قبل الشرق والغرب والاعراب باستثناء سورية وضد شعب العراق كورده وشيعته..الصاروخ الاول والذي اخطأ الهدف سقط في نهاية الشارع المقابل للمرقد من جهة باب القبلة وهو شارع الرسول وكنا نتجول على بعد مسافة قريبة من سقوطه تلقينا فيها الصدمة والسقوط من شدة الصعق وتطاير الغبار وقد غطى المدينة القديمة واحال النهار ليلا من كثرة الاتربة والرماد ...
كان المنظر مهولا والكارثة كبيرة ورغم ان الصاروخ الاجرامي سقط في الجزرة الوسطية لتقاطع شارع المدينة بشارع الرسول محدثا حفة عميقة الا انه دمر اغلب البيوت الموزعة على الجانبين مع سقوط الكثير من الشهداء الذين كانوا يتحركون في تلك المنطقة وكانت القسوة تتجسد بعشرات الصبية الذين يلعبون في الشارع حينما سقط الصاروخ الصدامي القذر فاحال مرحهم الى مذبح ستبقى تلك الاديم تشكو قسوته وبشاعته الى الله ومادام في العروق دماء تنبض سنبقى نعلن ثورتنا وغضبنا وفضحنا لكل اجرام رايناه وسمعناه وعشناه ..
انطلقنا مسرعين فالكارثة كبيرة والبيوت تهدمت فوق رؤوس اصحابها وكان القرب لسقوط الصاروخ شديد فانطلقنا وكان بجانبي الاخ السيد حيدر زوين وسيارته متوقفة وانتخت الشهامة والاخلاق وتحرك كل حي لانقاذ مايمكن انقاذه من تلك الابرياء ..
طلبت من احد الاخوة بعد ان حمل بعض الجرحى الى المكان المخصص لعلاج المرضى قرب المرقد المقدس ان يجلب معه بعض النقالات لحمل الجرحى والشهداء لان الامر صعب جدا واليد لاتستطيع ملامسة الاحشاء والقلوب المنزوعة والاكباد والايادي والرؤوس المقطعة ..
يالهول ما ارى فما زال بيننا وبين الانفجار ثواني معدودات وكان من اقسى المناظر هو ما اراه واقسم برب العرش لم اسمع او ارى بحياتي او اقرأ مثل هذا المنظر انه احدهم كان لتوه قد سقط جراء الانفجار ولا ادري هل خرج من ركام البيت ام هو من المارة او او وقد اقتلعت شضية من الصاروخ لثلاثة ارباع راسه ويده وكتفه ونزلت الراس مع الكتف والذراع الى الارض متدلية وهو يركض في كل الاتجاهات كالطير المذبوح مختلطا دمه بالاتربة ولانه كان الاول امام عيني وعين حيدر فانطلقنا نحوه والدموع والبكاء والتكبير هو لسان حالنا وجملة ولاحول لاقوة الا بالله العلي العظيم لهج اللسان والفم ..
كانه مذبوح وقد تركه الذباح بلا قيد او تكبيل كما يفعل بغاة العصر الان بشعب العراق ومحبي ال البيت الكرام حينما يحزون رؤوسهم الطاهرة كعادة توارثتها مدرسة هؤلاء ابا عن جدا , فتراه يتنقل هنا وهناك يصارع الروح والروح تصارعه ولشدة الضربة وسرعة الشضية وكبرها ما جعله في حالة من البقاء حيا لفترة ونحن نركض ورائه وكانه في بعض الاحيان يتحسس الطريق والرصيف والاحجار المتناثرة هنا وهناك فيتجاوزها وبخطوات مرتبكة ..
وصلنا اليه وكان المنظر مريعا فاغلب راسه مدمر ومقطوع ومتدلي وفقط هي ارجله وبعض صدره التي فيها الحياة , امسكته وعانقته لعلمي انه راحل بعد ثواني ,عانقته والدماء وقد امتزجت في صدري اوقفناه انا وحيدر ووصلت سيارة احد الاخوة ومعه نقالة جرحى وتناولها حيدر وكان الشهيد يصارع الموت وفي اللحظات الاخيرة فخر الى الارض بعد ان نزف دمه وروحه الطاهرة وتشهدت له والدموع تنهمر فلم ارى له ملمحا لكي اميزه سوى انه جسد بلا بعض راسه فلاعين ترى ولا انف او فم فكل شئ مشوه وتبرز عظام الجمجمة وعظام الفك واللسان متدلي واليد متدلية من الكتف ومر في بالي حال امه او زوجته او ابنه لو رآه في تلك الحالة ..فاضت روحه الطاهرة على النقالة وكان كل شئ جرى بسرعة فادخلناه في حقيبة السيارة من الخلف وانتقلنا لبعض الجرحى والقتلى وبعد ان امتلات السيارة انطلقنا بهم الى المكان المخصص لعلاج الجرحى في الجمعية الاستهلاكية وسط شارع الرسول وكانت الجموع متجمعه هناك فقد سبقتنا عدة وجبات من الاخوة تنقل الشهداء والجرحى وكانت المدينة تعج بالبكاء والنحيب فالكارثة كبيرة ولاتوصف والضحايا كثر وبينهم الكثير من الاطفال والقلق هو من ان تسقط المزيد من تلك الصواريخ الغادرة ..
بقينا طوال اليوم ننقذ الجرحى وننقل الشهداء واجتمع الكثير من الاخوة هناك يزيلون الركام عن البيوت المهدمة والتي تستخرج من تحتها الاجساد الطاهرة المضرجة بدم الشهادة القاني تشكوا الى الله تلك الظليمة الظليمة والتي يسميها العرب وصدامهم صفحة الغدر والخيانة واستحقاق الرافضة الكفار كما يسمونا ولا ادري اي ضمير تمتلكون وماهو ردكم غدا حين تحشرون بين يدي الله وباي تبرير ستبررون بين يدي ذلك الذي لاتخفى عليه شاردة او واردة الا واحصاها تلك المجازر التي لم يفعل مثلها طاغية من قبل ..
كانت تلك بداية وصول ماكنة الدمار وبدأ العد العكسي لنهاية تلك الملحمة الدامية والثورة المعطاء على ايدي الطاغية واعوانه ومن اعطاه الغطاء لذلك والتي قلبت موازين القوة وغيرت الكثير من نتائج الواقع ومنها ايضا بقاء الطاغية في الحكم وفق دعم عربي امريكي وصوت غربي صامت فحاكم اسمه صدام كسيح خير من عراق بيد ابنائه تلك المعادلة الجديدة والتي افرزتها نتائج الانتفاظة وطبيعة حركتها وشعاراتها المعروفة , فتلك خيمة صفوان اللعينة وقد اجتمع الاعراب من بني وهاب وال سعود مع شوارتسكوف والقزم سلطان هاشم وشرذمة من اشباه الرجال المكرة الغدرة لكي يضعوا خط الشروع واعطاء الضوء الاخضر للطاغية بقبر الانتفاظة وثوارها وتدمير مدن العراق المقدسة لان الامر يعني مالايلائم خططهم وامنهم كما يعتقدون وامن دول الخليج الخارجة مع صدام لتوها من حرب مكون مشابه لمن انتفض وانطلق كالمارد يزحف نحو عرش الطاغية ...
تلت ذلك اليوم المشؤوم تحركات على المستوى العسكري لقيادة الانتفاظة المباركة فقد استسلمت للثورة بعض القطع العسكرية وهي من قوات القدس المتمركزة في بحر النجف قرب الحدود السعودية والتي استسلمت للثوار مع دباباتها ومدافعها وناقلاتها وعتادها وجنودها وقد كنت في الضريح المقدس حينما قدم الجنود ومراتب تلك القوة بملابسهم العسكرية وخيروا بين البقاء مع اخوتهم او الذهاب الى اهلهم في بقية المحافظات وجلبنا لهم ملابس مدنية تبرع بها الكثير من الاخوة وخلعوا ذلك الزي المقزز ولبسوا ثيابا مدنية وتفرقوا بعد ذلك كل الى وجهته التي اختارها ونظم الاخوة الامور ووزعت القطع المهمة على المواقع المحتمل قدوم جيش الطاغية منها وجرى نقاش في تهديم الباقي من جسر الكفل المدمر اصلا في الحرب وبقي جزء منه من الممكن عبور القطعات العسكرية الصدامية من خلاله , تلك الضربة التي حدثت من قبل التحالف ضد الطاغية الذي دخل الكويت عدوانا وغدرا وحماقة ورفض المقترح كما علمت من قبل المرجعية آنذاك , وتبرع بعض الضباط الشرفاء في تنظيم تلك المجاميع كل حسب ماتدرب عليه حين تواجده في الخدمة العسكري وفي ذات الاثناء تواردت الانباء بان الطاغية بدأ الفتك في ذات الوقت بكربلاء الشهادة والدماء واهلها الاصلاء ووصلت الانباء بحدوث معارك طاحنة هناك فكان الحافز كبيرا لكي يكون الجميع في حالة استنفار قصوى وتقنين للعتاد و للوقود والاغذية لان احتملات الغدر قوية فصدام المجرم اطلق اولى صواريخه وبدا القصف المدفعي بعيد المدى وها هو ثاني صاروخ ارض ارض يسقط في منطقة خالية واخر وقع في خربة ولم ينفجر واخر في شارع ومنطقة الجمهورية مع تساقط القذائف وكانت الطائرات الامريكية تحلق على ارتفاعات عالية ترصد الامور ولاتحرك ساكناً فقد اعلن شوارتسكوف بصورة مفاجئة وقف اطلاق النار مما يعني انه لن يرد على اي ضربات داخلية فالعراق وشانه الداخلي ليس هو الهدف , هذا ما صرحت القيادة الامريكية به وبعد ان زحفت القوات الامريكية والبريطانية نحو بغداد ووصلت مرحلة متقدمة في العمق العراقي لا بل وصلت طريق بصرة بغداد وتوقفت فجأة معلنة وقف اطلاق النار ذلك التقدم الذي شجع الثوار على الانقضاض على فلوله المهزومة وخلايا بعثه المجرمة والمنتشرة في كل مكان مع تلك الماكنة الامنية والاستخبارية القذرة وجعل اكثر المناطق تسقط بيد الثوار بسهولة لتيقنها ان الطاغية زائل لامحالة لولا غدرة تقمصت بني الاعراب واسياد صدام قبل الغزو وكل الحلفاء الذين دخلوا حرب تحرير الكويت لا لشئ سوى حقد دفين توارثوه نسل بعد نسل ..تميزت تلك الايام بروح النخوة والشجاعة والاقدام والايثار والتعاون الشعبي ولكن حينما كنا نجرد مخازن العتاد الموجودة في بعض الاماكن منها جامع الطوسي ومقام صافي صفا ومقام الامام زين العابدين عليه السلام وغيرها من مراكز تجميع العتاد والمقاتلين تحسبا لاي طارئ نجدها قليلة وكان بعض الاخوة ياتينا طالبا اطلاقات للكلاشنكوف وحينما نحاول تزويدهم بها من الصناديق التي استولى عليها المجاهدون المنتفظون نجدها وقد نفذت فقد خسرت النجف الكثير من القوة النارية نتيجة الرمي العشوائي الغير مبرروالتي لو بقيت لتواصلت المقاومة اشهر عديدة ولكن تسلل الطابور الخامس والذين بثوا الاشاعات في ان الطاغية قد سقط مما حدى بالكثير من تفريغ مالديه من عتاد في الهواء فرحا كما اسلفت في ما مضى من سرد لهذه الحقائق الشعبانية المباركة ..
كانت المنائر للمرقد العلوي المقدس تنقل الاخبار اولا باول وحسب مايرد اليها من معلومات وترشد الناس الى توخي الحذر ونشر ثقافة الاحتماء واطلاق النداءات لنصرة اهلنا في كربلاء ...نداء نداء نداء ... ايها الاخوة المجاهدون ..تلك الكلمات المدوية والتي لازالت ترن في اذني الى الان هي التي اصبحنا نسمعها في كل لحظة وهي تنطلق موعزة للمجاهدين في التحرك نحو كربلاء الحسين الشهيد واخيه العباس وابنائه واصحابه الغر الميامين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ولنصرة ابنائها الغيارى ونصرة امة تحرك الطغاة لقتلها بلا رحمة او ضمير او انسانية مع بعض الارشادات والتوجيهات وندائات التبرع بالدم وماشاكل ذلك ..
لا ادري ماذا اصابني في تلك الليلة فكل يوم قد مضى كنت فيه اتجول بين المرقد والمركز المعالج للجرحى مع الاخوة والاحبة والبيت وبعض الاصدقاء ولكن في تلك الليلة قررت المضي الى كربلاء مع احدى القوافل فقد كان النداء يشق القلوب ويحمس النفس لكي تمضي مع تلك القمم وتوجهنا مع بعض الاخوة الى مسجد الطوسي وهناك كانت تنتضرنا ناقلة جنود ايفا محملة بالابطال وارتقيناها انا وسعد والشهيد الطريحي والكثير من الاخوة الذين مضوا الى الله بقلوب ممتلئة بالفخر والعز فقد نالوها ولم انلها فهو التوفيق فحالما وصلنا ملعب الادارة المحلية مركز تجمع الابطال ومنه تنطلق الخلايا تترصد تلك القوات المتسللة والتي وصلت الى المطحنة قرب طريق كربلاء تلك المطحنة التي سالت قربها دماء غزيرة وطاهرة ولم تمضي قافلة اليها وعادت بل كان الجميع ينال الشهادة , كانت الساعة الواحدة ليلا وتذكرت وقتها الاهل والاخوان وتذكرت حتى اني لم اودعهم ولم استاذنهم وخصوصا الوالد والوالدة المفجوعين للتو باحد الابناء اخي الشهيد امين ولم يكن معيل للعائلة سواي , ولا ادري لماذا تذكرتهم هناك ولم اتذكرهم حينما صعدنا الناقلة قرب جامع الطوسي ولكن حينما وصلنا هناك طلب منا بعض الضباط والاخوة البقاء في الملعب حتى ترد الاخبار من كربلاء وتحدد النقطة التي يجب التوجه لها فجلسنا الليل هناك وتوجهت الى بيت احد الاصدقاء قرب الملعب وتداولنا الاحاديث والاحتمالات وماسيحدث وماينتظرنا في الغد وكان الجميع متيقن من الشهادة فقد سبقتنا قوافل ولم تعد , واخبارهم تصلنا من بعض العائدين او العوائل الكربلائية الهاربة من جحيم القصف الصدامي الاجرامي حتى ان الجثث تبقى في ارض المعركة فكل لحظة تمر تتكاثر القذائف بالنزول حتى اصبحت بمعدل في الدقيقة قذيفة اما هاون او مدفعية بعيدة المدى اوالنمساوي وووو شتى صنوف الاسلحة الفتاكة والتي لم يوفر الطاغية الحاقد وازلامه السفلة شيئا لم يستعمله فينا ...
مر قسط من الليل وحلت الساعة الثانية ليلا سالت الاخوة هل سنبقى هنا حتى الصباح ام اننا سنواصل الطريق الى كربلاء ؟؟ وكانت الاتصالات التي يقومون بها من تلك المجاميع فقط عبر اللاسلكي ومايرد من الاخوة العائدين او بعض الاخوة السواق الذين ينقلون الجنود الى خطوط النار قرب كربلاء وخان النص والمطحنة فتاكدت ان الامر يعني المبيت وكان هناك اخوة قدموا من المناطق البعيدة فقررت ان ............................. سالتقيكم انشاء الله في الحلقة الخامسة مع الحقيقة كما هي تلك حقيقة ماجرى في مثل هذه الايام المباركة من شعبان البطولة والفداء والانتفاظة الخالدة واتمنى من الله ان ابقى وفيا لتلك الدماء الطيبة والتي تستحق منا ان نذكرها لكي تبقى عبرة للاجيال القادمة والتي ماسالت الا لكي ينعم ابناء العراق الشرفاء بطيب الحياة الخالية من اي شكل من اشكال الدكتاتورية الصدامية المجرمة ..احمد مهدي الياسري
https://telegram.me/buratha