المقالات

قاضي أم محامي الشيطان؟

1892 00:37:00 2006-09-19

( بقلم : د. حامد العطية )

كتبت مرة واصفاً أحداث العراق بالمشهد السوريالي، لما فيها من الغرابة والتعارض الصارخ مع العقلانية، وظننت بأني لن أتعجب بعدها من أمور بلدي المنكوب، بما في ذلك السعي المحموم لأعداءنا نحن الشيعة لاستعادة استئثارهم بالحكم والتسلط علينا من خلال المجازر والتخريب، وسكوت الكثير منا عليهم واعدين أنفسنا والغير بسراب معجزة ابتعاث عراق جديد من بين أشلاء الضحايا ودماء الأبرياء، والظاهر بأن عروض هذا المسرح اللامعقولة مستمرة نهاراً وليلاً حتى ينفجر مرجل صبر الشيعة، وأرجح اقتراب موعد ذلك، وآنذاك سمتزق سيوف الغضب كل النصوص المسرحية الجوفاء، والتضمنة نصائح التعقل والتآخي والمصالحة والعيش المشترك، وستنثر أوراقها الممزقة وحروفها المضمخة بالدماء الحمراء على طول وعرض المثلث الموبوء من جنوب بغداد حتى شمال الموصل.

بالأمس القريب إزدادت سوريالة الصورة وتضاعفت لا معقولية الأحداث بمشهد تراجيكوميدي من مسلسل مسرحية محاكمة صدام، وذلك عندما منح القاضي المتهم صدام صك البراءة من الديكتاتورية وألقى باللائمة على الشعب العراقي، فالشعب هو الذي فرض على صدام البريء أن يكون طاغيةعلى الرغم من أنفه، وهو الذي أجبره على شن الحروب العبثية التي أكلت أخضر العراق من شبابه وخيراته، والشعب "المجرم" هو الذي قسره على قتل الملايين من الشيعة والإكراد ودفنهم في مقابر جماعية، واستطراداً على هذا المنطق العجيب الأجدر مثول هذا الشعب في قفص إتهام هذا القاضي الجهبذ، ويزداد تعجبنا واستغرابنا عندما نسمع ونقرأ بأن هذا القاضي محسوب علينا نحن الشيعة، على الأقل في الإنتماء الشكلي، والعجب العجاب خروج بعض المعلقين علينا بردود فعل منسجمة تماماً مغ غرابة ما يدور في العراق، إذ اكتفوا بالمطالبة بتراجع القاضي عن قوله والدعوة إلى تنحيته عن ترأس محاكمة صدام.

إن معظم أتباع صدام وحلفاءه الطائفيين من كارهي الشيعة مدركون لحقيقة صدام وكونه طاغية وسفاحاً، ولكنهم مع ذلك مخلصون له لأن معظم ضحاياه من الشيعة، كما أن مذهبهم يأمرهم بطاعة الحاكم ولو كان ظالماً أو فاسقاً مخالفاً لشرع الله – مادام لا يهدم المساجد كما تذكر فتاوى عبد الله بن عمر بن الخطاب وغيره من وعاظ سلاطينهم- وهم كلهم عبيد صدام (مع العلم بأن الفرد أما أن يكون عابداً لله أو عبداً لصدام)، يؤمنون بأن طاعته فرض إلهي على أساس فهمهم الخاطيء للإسلام واشتراطاتهم المختلقة لشرعية الحكام وتعاليمهم المضللة حول العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

والقاضي الذي برأ صدام حسين من الديكتاتورية براء من التشيع، لأنه على دين ومذهب عبودية القوة، وسيان بالنسبة له إن كان صدام مسلماً أو يهودياً أو وثنياً، ولأن صدام في نظره مثال للقوة والجبروت فهو بالتالي الأجدر بالرئاسة والطاعة، وهذا هو اعتقاد كل عبيد القوة، ويمارس هذا الفكر المنحرف في مجتمع الشيعة القبلي في العراق أيضاً، لأن أصل المعتقد، أي عبادة المتسلط يعود إلى عصر الجاهلية القبلي، وقد رفض كثير من العرب منذ ظهور الإسلام وحتى وقتنا الحاضر التخلي عنه مخالفين بذلك ما شرعه الإسلام الصحيح الذي نجده في تعاليم علماء الشيعة المستمدة من وصايا نبيهم وأئمتهم وتأكيدها على العدالة لا القوة والتسلط كأساس لمشروعية الحكم والحكام.

بتصريحه حول لاديكتاتورية صدام يكون القاضي قد أضفى عليه كل فضائل الحاكم العادل، فإذا كان الديكتاتور مستبداً ظالماً غليظاً فظاً فلا بد أن يكون صدام برأيه عادلاً مشاوراً ورحيماً، ويكون القاضي بذلك قد اقترف الجرائم الكبرى التالية:

· كذب حدوث المجازر وحملات القتل الجماعي التي اقترفها نظام صدام بحق ملايين العراقيين من الشيعة والأكراد، إذ لا يمكن صدور مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية ممن لم يكن ديكتاتوراً بشهادة القاضي الدجال.

· نفى صفة الشهداء عن كل ضحايا صدام من الشيعة والأكراد، فمادام لم يكن صدام ديكتاتورا فلابد أن يكون عادلاً في أحكامه وكل من نفذ حكم الإعدام بحقه مستحق لذلك بذنبه.

· أعترف بشرعية نظام صدام وبالتالي لاشرعية النظام الحالي الذي حل محله.

· مهد لتبرئة صدام من كل التهم الموجهة إليه.

ولنتذكر هنا العقوبات التي يتعرض لها منكرو المحرقة النازية لليهود أو حتى المشككون بها في المحاكم الأوروبية فهل إنكار ديكتاتورية صدام أقل جرماً؟

.لقد برهن قاضي محكمة صدام على صحة كل الشكوك والإتهامات التي وجهت للمؤسسة القضائية العراقية، وبالتحديد الإدعاء بأن هذه المؤسسة ضالعة في تشجيع الإرهاب نتيجة تهاونها الإجرامي في الاقتصاص من الإرهابيين من خلال التباطيء المتعمد في تنفيذ الإجراءات القضائية وإصدار الأحكام المخففة بحق الإرهابيين المعترفين بجرائمهم وإطلاق سراح العديد منهم ليعودوا إلى ممارسة أفعالهم الإجرامية بحق الشيعة الأبرياء من العراقيين، وبالتالي فإنها متواطئة مع الإرهابيين، وإذا كنا لا نستغرب سكوت هذه الحكومة العاجزة على أقوال هذا القاضي، فقد سكتت على ما هو أدهى وأمر من المصائب الواقعة على رؤوس الشيعة الذين أوصلوها للحكم فإني أحزن لسكوت الغيارى من أهلنا على ذلك، فكيف يتركون لنصير الشيطان صدام الإدلاء بتصريحة من دون عقاب رادع، والواجب على المخلصين متابعة القضاة المتعاطفين مع الإرهابيين، وإيقاع القصاص العادل بحقهم بإعتبارهم شركاء في العمليات الإرهابية.

ألم يحن بعد وقت انتهاء مسرحية اللامعقول العراقية؟ وأنتم يا قادة الشيعة يا من تنكرون الحقائق الصارخة عما يحدث لنا من تقتيل وتهجير، وترفضون توجيه أصابع الإتهام إلى القتلة وأعوانهم ومموليهم، وتدعون إلى مصالحة الشياطين متى ستسدلون الستار على مسرحيتكم المفجعة؟ وهل تظنون بأنكم مبرؤون من دماء شهداءنا وعذاب مهجرينا؟ وأنتم يا أهلنا يا من تكتفون بالتفرج وانتظار من يخلصكم من عذابكم اليومي إلى متى تظلون على صمت الموتى والقبور؟ ويا من تهمون بحزم حقائبكم هرباً من الواقع الأغرب من الخيال، إلى أين الهروب؟ لقد سبقتكم بربع قرن متنقلاً بين بلاد عدة، وكل يوم قضيته في الغربة يبدأ وينتهي بتعاسة ومرارة، تعلموا من تجربتي الأليمة! إصمدوا ورابطوا وقاتلوا دفاعاً عن وطنكم وحقوقكم وحقوق أبنائكم وأحفادكم فيه واللعنة على الظالمين!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك