( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين )
بدءاً، لابد من التأكيد على ان الفيدرالية هي نظام لادارة الحكم، قد يكون غريباً على العراقيين، ولكنه مطبق في اكثر من ثلاثين دولة كبرى وعظمى.. ولابد من التأكيد ايضاً بأن الدستور الدائم نص على الفيدرالية وبذلك قد اصبحت استحقاقاً دستورياً، ولما كانت الجماهير العراقية قد اكدت تمسكها بهذا الاستحقاق عبر المظاهرات والتجمعات والندوات، فمعنى هذا هو ان الفيدرالية صارت استحقاقاً جماهيرياً ايضاً.. وبناءً على الاستحقاقين هذين لم يعد مسموحاً لا قانوناً ولا عرفاً لاية اعتراضات على الفيدرالية.
وما يجري الان لا نظنه يتناول ذلك، واذا ما كان بعض السياسيين يعتقد بوجوب الانكفاء عن تطبيق النظام الفيدرالي فبلا شك ان هؤلاء لم يحالفهم التوفيق، وان كان موقفهم هذا حقيقياً وليس مناورة سياسية او ما يشبه الابتزاز، فانهم بذلك يخالفون الدستور وينكرونه، وهذا امر غير مسموح به قطعاً.
نعتقد ان هناك سوء فهم متعمد لدى بعض السياسيين عندنا عندما يربطون بين الفيدرالية كنظام حكم، وبين مشروع قانون تشكيل الاقاليم والمحافظات، فالاول غير مسموح الحديث فيه لانه استحقاق دستوري اقره الشعب عبر التصويت على الدستور الدائم، اما الثاني، مشروع قانون تشكيل الاقاليم والمحافظات فهو الهدف المقصود في النقاش والجدل والاخذ والرد، وهذا حق لكل عضو في البرلمان.. وتظل العبرة في كيفية وضع اللجنة المكلفة باعداد مشروع القانون هذا وما سيقرره مجلس النواب بعد التصويت عليه. فاذا وافق النواب بالاغلبية المطلوبة عليه صار واجب التنفيذ، وكذلك ملزماً للجميع الموافق عليه والرافض له.. وتلك هي الديمقراطية وقواعدها المعروفة.
اما محاولات البعض وضع العصي الغليظة امام عجلة الديمقراطية او حفر خنادق عميقة في طريقها، فما هي الا محاولات ليست ذات جدوى فاشلة، وخارجة عن اية صيغة ديمقراطية متعارف عليها في بلادنا الواسعة.. فالديمقراطية تعطي للجميع حق ابداء الرأي، ولكنها تحكم أي قرار برأي الاغلبية وبهذا تمنع على الانتقائيين اختيار ما يرغبون ورفض ما لا يرغبون.
ان الجدل الدائر في هذه الايام يظل مشروعاً ومعقولاً اذا ما ظل تحت خيمة الدستور الدائم الذي بناءً عليه اتيح للجميع الوصول الى قبة البرلمان لتمثيل الشعب العراقي. فالذي يرفض الفيدرالية التي اشرها الدستور بانها صيغة النظام الجديد في العراق يكون بذلك قد انتقى من الدستور بقاء عضويته في البرلمان، بينما يرفض احدى منجزات الدستور وهو النظام الفيدرالي، وتلك مفارقة غير معروفة في بلاد العالم ولعل بعض السياسيين في بلادنا كان لهم قصب السبق في ابتداعها!!.
والمشكلة الحقيقية هي ان بعض الاطراف السياسية تظن بان الابتزاز ربما يصلح في كل الاوقات من دون ان تدرك ان تلك السياسة قد عفا عليها الزمن.. وما نريد استخلاصه من كل ذلك هو ان مشروع قانون تشكيل الاقاليم لا يعني التطبيق الفوري للفيدرالية بل هو خطوة ينبغي ان تحصل موافقة البرلمان عليها، ثم رأي الشعب العراقي بعد ذلك وهذا يفيد بان الوقت سيأخذ مداه لانجاز استحقاق الفيدرالية التي يتخوف بعض السياسيين من الاسراع في تطبيقها، فالامر يحتاج الى وقت ليس بالقصير وكل شيء ينبغي ان يطبخ على نار هادئة.
ان اجتماع رئيس مجلس النواب بزعماء الكتل السياسية اليوم من المرجح ان يضع حداً لهذا التعويم وعدم الفهم المفتعل بموضوعة الفيدرالية ايضاً، وما نأمله من اجتماع الكتل النيابية هو ان تتضح الصورة بكامل تفاصيلها، وبعد ذلك يصبح أي طرح خارج الموضوعية المفترضة مجرد صراخٍ في وادٍ لا قعر له.
https://telegram.me/buratha