( بقلم : علي حسين علي )
أثار طرح مشروع قانون تشكيل الاقاليم على مجلس النواب جدلاً واسعاً داخل قبة البرلمان وخارجها..وقد اتسم بعض الجدل والنقاشات بشأن هذا المشروع بتشنجات سياسية وذهب بعض السياسيين الى أبعد من حقهم في الاعتراض داخل البرلمان والاحتكام إلى نتيجة التصويت عليه، إذ أن بعض السياسيين ممن ما زالوا ضمن مجرى العملية السياسية استعمل اسلوب التهديد بالانسحاب من البرلمان بينما راح آخرون الى أبعد من ذلك بما يفيد بأن مجرد مناقشة مشروع القانون سيعدم كل السبل المفضية الى المصالحة والحوار الوطني المطروحة على الوسط السياسي منذ اكثر من شهرين!
اننا مع من يقول بأن من حق النواب أفراداً وكتلاً أن يعترضوا على أي مشروع قانون يطرح على البرلمان، ولكن ما هو صحيح أيضاً أن لا يقطعوا الطريق على طرح أي مشروع قانون بوسائل غير ديمقراطية مثل التهديد بالانسحاب من البرلمان، أو التلويح بعرقلة أو افشال مبادرة المصالحة والحوار الوطني...واننا نرى في هذا المسلك استفزازاً للآخرين وخروجاً على الديمقراطية التي تعد أن الرأي الأخير، أي التصويت ونتيجته، هما ما يمكن أن يكونا الفيصل الحاكم بين الآراء المختلفة والمتباينة داخل قبة البرلمان.. وان النتيجة أيا كانت يجب أن تحترم ويلتزم بها..وإلا فما معنى وجود مجلس نواب إذا كان من يعترض على ما يطرح فيه لا يلتزم برأي الأغلبية في حالتي الرفض أو القبول لأي مشروع قرار؟!
لذا، فان ما ظهر من اصرار بعض أعضاء البرلمان على انهم سيقاطعون العملية السياسية والمصالحة الوطنية في حال طرح مشروع قانون تشكيل الأقاليم للنقاش في البرلمان يعد سابقة خطيرة تعود بنا الى ما قبل سقوط النظام الدكتاتوري البائد..وهي خارجة نصاً وروحاً على أي صيغة متعارف عليها للديمقراطية الحقيقية، إلا إذا كان بعض من هدد بالانسحاب يرى بأن الديمقراطية واحترام رأي الآخر والانصياع لرأي الأغلبية انما تعمل لصالحه، أما إذا كان الأمر غير ذلك، فمن حقه أن ينسحب أو يقاطع أو يشعل حروباً!! والحقيقة أن ما حصل من جدل بصوت عال في البرلمان وما تلاه من تشنجات وعصبية لا يشي بأن بعض أعضاء البرلمان على معرفة تامة باللعبة الديمقراطية، إن لم نقل على قناعة بها..فلقد استنتج الكثير من المراقبين السياسيين بأن هناك من يريد أن يستفيد من الديمقراطية إذا ما كانت تحقق رغباته ومصالحه، أما إذا كانت في الجانب الأخر، فهو لا يلتزم بها إن لم نقل لا يحترمها.
ثم أن اقراره لا يسرع من تطبيق الفيدرالية أو يستعجلها وكل ما في الأمر هو تنظيم العلاقات بين الاقاليم والمركز وبعض الاجراءات التنفيذية لوضع تلك العلاقات على الطريق الميسر والقانوني أيضاً..أما الفيدرالية التي يتخوف من تطبيقها البعض فهي أمراً لا جدال فيه او حوله، حيث جاء في الدستور ان نظام الدولة في العراق ديمقراطي أتحادي(فيدرالي)تعددي..وهذا بحد ذاته يعني أن الفيدرالية هي النظام الوحيد الذي يجب أن تسير عليه الدولة العراقية الجديدة، وهو نظام واحد لا يقبل التجزئة أو الالغاء..ومع هذا فالأمر كله متروك لرأي الشعب في التصويت على"متى يتم تطبيق النظام الفيدرالي؟ وكيف؟"..وهذا ما ورد في الدستور أيضاً.وإن التخوف من تطبيق الفيدرالية أو من سن قانون ينظم العلاقة بين الاقاليم والمركز يبدو مبالغاً فيه الى حد كبير، وكذلك قد تختفي وراء هذه المبالغة المرتفعة الصوت نيات رافضة للفيدرالية بأي صيغة كانت! ويعني كل هذا بأن من يبالغ في التخويف ويسلك مسلكا معرقلاً لأية خطوة على طريق تطبيق الفيدرالية انما يريد من وراء ذلك العودة الى النظام المركزي الشمولي الذي ساد العراق على امتداد ثمانين عاماً، وكانت أسوأ مراحله في عهد النظام الصدامي المنهار الذي كان ممثلاً حقيقياً لبشاعة وقسوة ووحشية النظام المركزي الشمولي الاستبدادي.
ولعله من أغرب ما يجري في العراق من مفارقات هو أن أعداء تطبيق النظام الفيدرالي هم الأكثر حرصاً على تطبيقه في مناطقهم، وأن مناطقهم الآن ليس لها أي ارتباط بالدولة العراقية وهي غير خاضعة لقوانينها، وغير ملتزمة بدستورها، وغير معترفة بشرعيتها..وهي أن استطعنا توصيفها بدقة فلن نقول غير أنها منفصلة عن العراق!! فأين هذا من ذاك؟!
من جهة يزعمون الحرص على وحدة العراق ويدعون بان الفيدرالية ستقسمه، ومن جهة أخرى فإنهم..يمثلون منطقة أو مناطق منفصلة تماماً عن العراق كما أشرنا!.
لقد ورد في تقرير لمدير استخبارات قوات المارينز في العراق ونشرته صحيفة الواشنطن بوست مؤخراً، بأن محافظة الانبار تعد خارجة تماماً عن سيطرة الدولة العراقية، وان القوات المتعددة الجنسية قد عجزت في أيجاد أي شخص من ابناء تلك المنطقة يقبل بدخول العملية السياسية الجارية في البلد لخشية اهلها من بطش الارهابيين.. وقد أشار إلى ذلك أحد أبواق صدام المدعو هارون محمد يلماز الذي قال بأن منطقة الانبار وشمالها تكاد تكون منفصلة عن الدولة، وأن(الخردة)من السياسيين من ابناء هذه المنطقة هم الذين انضموا الى العملية السياسية(قناة الديمقراطية-الساعة 12 ظهراً يوم 15 / 9 /2006)..ومع اننا نزدري هذا المرتزق السارق لأموال الشعب العراقي ونحتقره لاتهامه الوطنيين العراقيين الشرفاء الذين يمثلون الانبار وما جاورها..إلا اننا نعتقد بأن المنطقة المذكورة تكاد تكون منفصلة عن الدولة.
وبناء على كل ذلك، نعتقد بأن اللعبة الديمقراطية تفرض على الجميع بقبول رأي الأغلبية والانصياع له بعد اعلان نتيجة التصويت على أي قانون..ونعتقد أيضاً بأنه لا بد أن يوازن بعض السياسيين عندنا بين أفعالهم وأقوالهم فلا ينكروا على بعض العراقيين حقهم في إنشاء اقليم لهم في حين يوافقون بل يعيشون في ظل إقليم يكاد أن يكون منفصلاً..فالعراق واحد، وإذا ما كان بعض السياسيين حريصون على وحدته فعليهم أن ينظروا بكلتا عينيهم إلى اوضاعه لا بعين واحدة!
https://telegram.me/buratha