المقالات

الدعاية الانتخابية دعوة للرفض ام للقبول

1167 09:57:00 2009-11-02

حافظ آل بشارة

قبل ان يذهب الناس الى الصناديق المكعبة لينتخبوا النواب لابد لهم ان يمروا بعاصفة الدعاية الانتخابية . هدف الدعاية تعريف المرشحين بمنتهى البراءة والمهنية لكن بالاعتياد والتقادم وتسويل الشياطين اصبحت الدعاية تسهم في اختلاق الشخصية وتزويرها ، ومن اجل ان تبقى الدعاية في حدودها المهنية لابد من ضوابط اخلاقية ولكن من الذي يضع هذه الضوابط وماهي حدودها ؟ الغريب في امر الدعاية الانتخابية انها عمل حضاري يؤكد وجود مجتمع يتمتع بخيارات سياسية جادة وارادة حقيقية تصنع الحكومة والحاكمين ، هناك عدة اطراف ذات علاقة بالانتخابات والعمل الانتخابي بمراحله المعروفة وهم : المفوضية ، الناخبون ، المرشحون ، الكتل السياسية ، منظمات المجتمع المدني ، وغيرهم ، هؤلاء باستفنتاء بسيط يؤكدون ضرورة اجراء الدعاية لكل مرشح او مرشحة حتى يعرفهم الناس ويعرفوا مدى لياقتهم لتمثيلهم في السلطة التشريعية ، خاصة وان النائب يحمل اسما مخيفا للغاية وهو ( المشرع ) ولو عددنا المهن السائدة في اي مجتمع لما وجدنا مهنة بهذا الاسم انها مهنة خاصة وتنطوي على غموض خاص يزيد من سحرها في نظر اصحاب الطموحات والاحلام الكبيرة ، الدعاية في الاصل تريد قطع الطريق على اصحاب الطموحات الذين يبالغون في تقدير قدراتهم ومنعهم من الوصول الى قبة البرلمان التي يجب ان تضم اسماء ومواهب تستحق القبة والمنائر وليس القبة فقط ، وعندما يشيع الغش في الانتخابات فسوف يصل الى البرلمان اناس يحولون القبة التشريعية الى مزار تحته قبر لا حياة فيه ولا شارة ولا كرامة ليكون ضريحا وهميا لبرلمان شكلي مات وتقطعت انفاسه وتحول الى ديكور سياسي ، فالدعاية الانتخابية هدفها التمييز بين الغث والسمين وهي ضمانة لبقاء البرلمان الوطني على قيد الحياة ، ان المشرع او النائب المستقبلي كبير باسمه ومواهبه وموقعه القيادي لكنه واحد من ابناء هذا الوطن الفقراء يأكل الطعام ويمشي في الاسواق ، لكن جميع الذين يجمعون على اهمية الدعاية نجدهم يحتفظون برأي آخر حول الموضوع اذ يعتقدون ان الدعاية الانتخابية مشحونة بالمبالغة واستخدام فنون التزويق في الصورة والصوت واللون والاضاءة والاخراج الفني الحديث التي تجعل من القرد غزالا ليس في عين امه بل في عيون الجميع ، فالدعاية الانتخابية فاقدة المصداقية في اغلب الاحيان ، بل الاكثر من ذلك ان كلمة (دعاية) في قاموس الشعب العراقي لا تتمتع بسمعة جيدة فهي اشارة الى منهج الكذب المهذب ، او الغش المغلف بالمودة والحب ، وكلما كان المجتمع اقرب الى قيم البداوة وحديتها ووضوحها وفراستها مثل مجتمعنا العربي والمحلي كان اقرب الى الشعور بالانزعاج من كلمة (دعاية ) والاستيحاش من تداولها على السنة الاعلاميين والمرشحين وغيرهم واذا كان التطور الثقافي والتعاطي المستمر مع العبارات الحديثة قد قلل من الايقاع المنكر لهذه الكلمة فأن المصاديق الشارعية اليومية لم تعد قادرة على اصلاح حال هذه الكلمة بل عززت الغمز الذي يدور حولها ، هذا الامر هو الذي جعل كل من لهم علاقة بالانتخابات يحتفظون برأي خاص غير مشجع حول الدعاية الانتخابية واطارها الاخلاقي وجدواها السياسية او الثقافية ، قد لايستطيع المرء المحايد او المراقب التعاطف كثيرا مع الرؤية السائدة حول هذا الموضوع لكن الانخراط في مراقبة الاجواء الترشيحية والدعائية يشكل خبرة لدى الانسان في التعامل مع ابعاد جديدة ومبتكرة لقضية الدعاية ، والسؤال القديم الجديد هو لماذا يعتقد الناخبون ان الملصقات الملونة والمواد الصورية والصوتية عن كل مرشح لاتغني ولا تعتبر كافية للتعرف عليه ولابد من اللجوء الى اساليب استقصاء اضافية للتعرف على المرشحين ، ان اغلب الناخبين يعتبرون مواد الدعاية باشكالها المختلفة مواد غير محايدة ولابد ان المرشح او كتلته او الاثنين معا انفقا مبالغ كثيرة لترويج هذه الدعاية لذلك فهي غير موثوقة ، والمجتمع يريد من المرشحين في النهاية التمسك بالقواعد الاخلاقية العريقة في تعريف انفسهم وقال بعض العشائريين من اخواننا ان القيم الاخلاقية يجب ان تبقى فاعلة وتعمل بقوة في سياق الدعاية اي ان مقولة من مدح نفسه فقد ذمها يجب ان يجري تفعيلها في الدعاية واذا لم يتم ذلك التفعيل فان مصير الدعاية واحد من اثنين اما ان يعتبرها الناخبون غير محايدة وتنطوي على انحياز ومبالغة لذا يجب اسقاطها من الحساب وعدم اعتبارها وسيلة معرفية صالحة لاعطاء معلومات واقعية عن المرشح واما ان يعتبروها عملا لا داعي له وهي تزوير للشخصية ومبالغة في ابرازها وتبذير للاموال فتعطي نتائج معاكسة وتجعل الناخبين يتمنون في اعماقهم توجيه عقوبة الى المرشح الفلاني لانه اسرف في دعايته الانتخابية واذا كنت تتمنى معاقبة المرشح فمن المستبعد ان تميل فيما بعد لمنحه الثقة وهذا منزلق خطير تصل اليه الدعاية غير المدروسة ، وبالفعل فان كثيرا من هذه الافكار تلعب دورا خطيرا في اختيار المرشحين ومدى مصداقيتهم في الاوساط الشعبية ، وفي هذه الايام تشيع بين الناس حكاية اننا لا نحتاج الى دعاية لنائب من الدورة المنتهية يعيد ترشيح نفسه لان جميع ( المشرعين ) السابقين عرفناهم خلال 4 سنوات من العمل ولكننا بحاجة الى تعريف المشرعين الجدد ، تعريفا يدل على تواضعهم واقتصادهم بالنفقات وعدم مدح الذات ، وتحويل الملصقات الى مادة معلوماتية لتعريف المرشح واصله وفصله وشهادته وتاريخه بلا تزوير او تزويق . ومجمل هذه الافكار يدل بوضوح على توجهات الشارع ومعاييره في قبول الدعاية الانتخابية ومدى استعداده للتأثر بها ، صحيح ان الثقافة الانتخابية جديدة في الحياة العراقية الا ان الناس استطاعوا بسرعة وخلال دورة برلمانية واحدة ان يتذوقوا منظومة الثقافة الديمقراطية ويسيروا على اساس مقولاتها وتقاليدها وهو انجاز يسجل باسم الشعب العراقي الذي لم تغير عقود القمع من فراسته وبراعته في مراقبة الحاكمين ونقدهم وتمييز الاصيل من الدخيل فهم انفسهم ابناء ذلك الجيل الموالي المصر على ولاءه الذي خاطبه معاوية متذمرا بأن عليا علمكم التجاوز على الحاكمين وبعيدا ماتفطمون ! فخلال وقت قصير في حساب التجربة تجد في دواوين العشائر في هذا الخريف من يتحدث بلغة موغلة في التجربة السياسية ، احدهم قال ان مثل الذين ينساقون وراء الدعاية كمثل العريس الذي يحملون اليه عروسا اغرقوها في المكياج والكحل والبدلة الثمينة حتى اذا حل الصباح وتساقط المكياج واستبدلت العروس بدلتها علم الرجل انه مخدوع ، فكانت المصيبة عليه مصيبتين الاولى انه حصل على عروس دميمة والثانية انه يشعر بمرارة الخديعة التي ترسم له صورة المغلوب الضعيف ، على المرشحين والاحزاب والمفوضية ومنظمات الرقابة الرسمية والمدنية ان يسهموا في ايجاد اسس جديدة لاغناء مدرسة الدعاية الانتخابية وتجديد القيم والشروط المرتبطة بها ، وان يتأمل من ينفقون الاموال قبل الانفاق على الدعاية ويسألوا ان كانت تلك الدعاية المليونية الانفاق تساعد على فوز المرشح ام هزيمته وهل ان الدعاية اخترعوها من اجل التوصل الى هزيمة ام الى نصر ؟ وما دامت الاسس الخاطئة التي يؤسس عليها البعض دعايته ليست وصايا مقدسة لذا يمكن التغيير ومسايرة ذوق واخلاق وهوى الشارع لان رأي الناخب في النهاية هو الفاصل ، اما من ناحية المضامين الدعائية فليت الجهات التي ذكرناها اعلاه تجري دراسات مهنية ممولة من الدولة لملاحظة مدى تفاعل الناس مع الملصقات وما الذي يفضلونه فيها ، واذا كانوا يبحثون عن مصادر معلومات غير الدعاية الانتخابية للتعرف على حقيقة المرشحين فكيف يمكن اعادة الثقة الى المادة الدعاية وجعلها المصدر الافضل في نظر الناخب ، ذلك لان القضية تنطوي على خطر آخر لم ينتبه اليه اغلب المعنيين فأن اعداء العراق المعروفين باساليبهم فطنوا الى حالة فقدان الثقة بالدعاية الانتخابية فوفروا للناس معلومات مجانية عن كل مرشح معلومات عدوانية تدمر السمعة وتزور التاريخ وتعرض الشخصيات الوطنية الى التجريح والبهتان وهتك الكرامة تلك الشائعات التي يكون فيها المروج ليس اسوأ دورا من السامع والمصدق ، فلو كانت الدعاية اكثر واقعية لما اتيحت الفرصة للشائعات كي تسهم في تهديد العملية الانتخابية .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك