الشيخ ابوايات الصالحي
خلق الله سبحانه وتعالى الانسان بطبيعة وتصميم وقابلية تؤهله لان يؤدي دور الخلافة الالهية في الارض ولا يمكن لاي مخلوق اخر ان يقوم بهذا الدور حتى الملائكة لانها قد امرت بالسجود له, والى جانب ذلك يمتلك الانسان بعداً يحول دون رقيه وتطوره وكماله0
وهذا الانسان بطاقاته الساميه من جهة ونزوعه نحو الانحطاط من جهة اخرى يكشف عن كونه الامخلوق الوحيد الذي يمتلك الارادة والحرية في ان يختار الفعل الاقوى والخطوة المناسبة لبناء حياته الرغيدة0
ولما اعطي الانسان تلك القابلية والاستعداد والذين منحاه الحركة في مساحات وابعاد اوسع بحيث تخترق المحسوس وتكشف ايضا بان لوجوده هدفاً قد خطته يدالقدرة,فلم يخلق عبثاً ولم يترك سدى وهملا كما نص القران الكريم (افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون)0
وليس الانسان وحده يتحرك في هذا الوجود ضمن هدف ومخطط مدروس بل تشاركه المخلوقات الاخرى في هذه الجهة ايضا ولذلك يشير القران الكريم(وما خلقنا السموات والارض وما بينهما لاعبين)
فاذا ثبت ان الخلق كله يسيربحكمة وتدبير بما فيه الانسان والكل سائر نحو هدف منشود وان لكل شي هداه فما هو يا ترى بالتحديد الهدف الذي خلق من اجله الانسان؟
يحدد القران الكريم الغاية التي خلق من اجلا الانسان بقوله تعالى(وما خلقت الجن والانس الاليعبدون) فهنا نلاحظ اداة الحصر(الا)التي تعني انه ليس لله غرض ولا هدف من خلق الانسان الا العبادة,واللام في (ليعبدون) لام التعليل,فالانسان مخلوق لعلة العبادة ليس الا0
فاذا كانت الغاية من خلق الانسان محصورة بالعبادة لا غير فما هي العبادة؟ وما هي حقيقتها؟
فاذا كان الهدف والغاية من خلق الانسان هو القرب من الله وعبوديته التي يتكامل بها الانسان فما هو المحفز والدافع الذي يضمن للانسان وصوله لغايته وكماله؟
ان الانسان بطبيعته وفطرته يدرك حاجاته التي عن طريقها يستطيع ان يسد النقص الحاصل في محتواه.كما انه يدرك حاجته الى الوسائل التي توصله الى كماله؟
من هنا نجد الحكمة الالهية اقتضت ان تضع بين يدي هذا الانسان تلك الوسائل والمصاديق التي يحصل بواسطتها على المعارف والقيم والتربية التي تاخذ بيده نحو الكمال0
ولما كانت مدركات البشر وحدها عاجزة عن ان تاخذ هذا الانسان وتهديه الى سواء السبيل,حتى لو تعاضد مع اخيه الانسان لان اقصى ما يمتلكه البشر هو التعاون بحدود مجالي العقل والحس, وهذان المجالان غير كافيين لادراك الحقائق الموجبة للكمال0
من هنا امتدت يد الغيب لتسدد حاجة الانسان هذه وهي اهم الحاجات,فكان الانسان الاول نبياًمبعوثاً من الله الهادي الى سواء السبيل0
ومهمة الانبياء مع الناس هي تبيان المعارف والقيم والحقائق الموصلة الى الكمال والتربية الصحيحة عليها0
وتقوم النبوة بايضاح المعلومات التي يمكن للبشر ان يدركها وهو بحاجة اليها,الا انه قد لايتوصل الى حقيقتها بفعل التربية الفاسدة,او ان هذه المعلومات تحتاج الى تجارب طويلة لكي يكتشف الانسان مثل السنن الالهية التي من شانها ان تفتك بحياة الانسان, او السنن الالهية التي فيما لو اختارها الانسان سوف تؤدي الى سعادته وكماله, لكنه ينصرف عنها بفعل نزوعه نحو الماديات0
فيبرزهنا دور النبي ليذكر وينذر,قال تعالى(فذكر انما انت مذكر)
كما يتجلى دور النبي ايضا وضرورة وجوده باعتباره يمثل القدوة في العمل الصالح,لانه الانسان الكامل في سلوكه واخلاقه وتضحياته,وهذاما يسمى بدور التزكية,قال تعالى(ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة00)
فاذا كان الهدف من خلق الانسان هو العبودية المطلقة له سبحانه,والانسان بطبيعته مجبول على التعلق بالوسيلة التي تكفل له الوصول الى الكمال لانه يجنح الى الكمال وحبه بشكل فطري, ودور النبوة هو ايضاح معالم الطريق وتبيان المعارف الحقة التي تؤدي به الى الكمال,فما هو الداعي لامتداد الرسالة من خلال الامامة التي تشترط فيها الشيعة النص والعلم الموهوب من الله والعصمة؟
الاجابة عن هذا السؤال وغيره من التساؤلات تدعونا الى ان نتسائل, ما هي الامامة في المنظور الالهي؟ وما هي مهمتها؟
وبعد ان يتحرر محل النزاع, يمكن ان نجيب على الاشكالات التي ترد الى الذهن حول الامامة وشروطها من العلم والعصمة وغيرها من الشروط اللازمة في الامام0
الامامة والخلافة في المدرسة السنية اتجهت نحو محور واحد تركز في ان الامام والخليفة بعد الرسول صلى الله عليه واله يعني هو القائد والزعيم السياسي الذي يتولى ادارة شؤن النظام الاسلامي بعد وفاة النبي صلى الله عليه واله0
وعلى هذا الاساس لاترى هذه المدرسة داعياًلان يكون هذا القائد بنص وتعيين من قبل الله وبيان الرسول صلى الله عليه واله بل الامر متروك للامة حيث تنصب من تختاره وتجده اهلا للقيام بهذه المهمة'لان دور الامام والخليفة بنظر هذه المدرسة لا يتعدى مهمة القيادة السياسية وزعامة الامة في هذه الحدود,فمن النطقي ان تكون الطريقة لنصب الخليفة إما وفق نظرية الشورى,او اهل الحل والعقد او الوراثة0
لذلك عندما جائت هذه المدرسة اتبين الشروط التي يجب تحققها في الشخص المرشح للخلافة السياسية جاءو اليها من نفس المنطلق الذي انطلقو منه من رؤيتهم التي ترى بان الخلافة هي زعامة وقيادة سياسية فحسب ,وعليه فيكفي ان تتوفر العدالة في هذا الانسان من الناحيةالسلوكية بالمعنى المتداول مع شرط العلمية المتعارفة, ولا يشترط فيه العصمة والعلم الممنوح, فيكفي اذاّ ان تتوفر فيه قدرة ترفعه الى مستوى اداء المسؤليات في النظام الاسلامي0
ومحصل راي المدرسة السنية في الامامة والخلافة هو انها لا تتعدى كونها قيادة سياسية, وان شرعية التصدي لها يتم عن طريق الانتخاب والشورى,او الاستيلاء بالقوة او الوراثة او الوصية,.كما هو واضح من تطبيقاتها العملية المظطربة بعد الرسول صلى الله عليه اله وشرطها العدالة والعلم بالمعنى المتعارف0
اما المدرسة الشيعية فقد اتجهت في تقويم الامامة والخلافة بعد الرسول صلى الله عليه واله الى انها مهمة الهية كمهمة الرسول ومستمرة حتى نهاية الارض,فاشترطت العصمة فيها حتى قبل البلوغ, بالاضافة للعلم غير المكتسب,والنص الذي يمثل القيمة الشرعية للامام0
ولهذا كانت المدرسة السنية لا ترى لهذه الشروط_التي لابد من توفرها في الامام والخليفة_معنى ,لاتنسجم مع المسؤلية التي يتكفل بادائها الخليفة فالشروط هنا اوسع واضخم من مهمة الزعامة السياسية0
هذه هي العقدة ونقطة الخلاف التي تفسر لنا الاظطراب في فهم الامامة والتشكيك في مسالة العصمة او المسوغ لضرورة النص0
وهذا الفهم دفع بالبعض الى ان يحقق في جذور نظرية النص لينتهي بالنتيجة الى عدم وجود واقع تاريخي في حياة الائمة عليهم السلام لها0
ان هذه الاثارات حول مفهوم الامامة والخلافة ونظرية النص والتشكيكات التي تحوم حولها ناشئة من الفهم السني للامامة0 لكن الصحيح ان الامامة في ضوء الكتاب والسنة تتعدى هذا الفهم ولها بعدٌ يختلف جوهريا عن الفهم السطحي للامامة الالهية بعد النبوة0
فمدرسة اهل البيت عليهم السلام تعتقد بان للامة الاثني عشر ادواراًتستلزم شروطاً اشد وادق مما هي عليه شروط القيادة السياسية0
https://telegram.me/buratha