( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين )
مع كل اقتراب من استحقاق مناقشة القوانين الخاصة بنظام الفيدرالية أو الأقاليم تتصاعد لدى الطرف الآخر درجة الحمى والهلوسة الى الحد الذي يجعله يتهم غيره بما يشتهي من النعوت متظاهراً وكأنه الوصي او القيم او الوريث الشرعي للعراق والعراقيين!! ويصف غيره أن كان فرداً او مجتمعاً او كياناً بالقاصر والعاجز عن فهم الأشياء.
أغرب ما في تلك النعوت التي يطلقها هذا البعض هو اتهام الغير بمحاولات تقسيم العراق، ولعمري أن هذه سقطة قانونية فقهية دستورية لا تنم إلا عن سوء الفهم المفرط بمعنى هذا المصطلح. إذ ان الدستور العراقي الأول والدساتير العراقية المتعاقبة جميعها تشير الى ان العراق بلد ملكي-جمهوري ينقسم الى كذا محافظة، والمحافظات تنقسم الى كذا اقضية، والاقضية تنقسم الى كذا نواحي، والنواحي تنقسم الى كذا قرى ومحلات.إذن من يتهم الآخرين بالتقسيم او محاولات جر العراق اليه فانه بالأغلب لم يفقه المعنى السياسي والاداري والدستوري للتقسيم وإذا كان هذا هو التقسيم حسبما اشرنا اليه، فما هو المبرر من تطوير هذا التقسيم الى النظام اللامركزي او الاقاليم او الفيدرالية ، خصوصاً ان هكذا نوع من التقسيم سيأتي بعد تجارب تقسيمية ادارية بات عمرها يمتد لاكثر من ثمانين عاماً دون ان تلامس خشية اولئك الذين يضعون انفسهم موضع القيّم او الوصي على الآخرين.
إذا كان تقسيم العراق الى اكثر من 18 محافظة، ومحافظاته الى اكثر من مئتين وخمسين قضاء واقضيته الى اكثر من الف ناحية ونواحيه الى اكثر من عشرين الف قرية وهذه المحافظات او الاقضية عادة ما تكون كردية كالسليمانية واربيل ودهوك او شيعية كالبصرة والعمارة وواسط والمثنى والديوانية وبابل أو سنية كالرمادي وصلاح الدين والموصل، وبالرغم من تلك الكثرة في الوحدات الادارية التي يتشكل منها العراق لم تؤد الى الانفصال الذي يسميه العقل الموهوم بعقدة الوصاية،التقسيم، اذن كيف سيحصل التقسيم فيما اذا اردنا استبدال نظامنا الاداري من ثماني عشرة محافظة وكل تلك الاقضية والنواحي والقرى بثلاث وحدات ادارية تسمى الاقاليم او الفيدراليات.
انها أزمة العقل العربي نفسه الذي جعل من هزيمة حزيران انتصاراً ومن الحرب العراقية- الايرانية (قادسية) ومن احتلال الكويت(وحدة) ومن التقسيم الإداري (انفصالاً).. الى أولئك نقول: لا يحق لأي كان ان يفسر الأمور والظواهر حسب ما يريد، بنفس الوقت لا أحد مهما كان صوته خافتاً او مرتفعاً وكيفما كانت أعصابه ساكنة او مرتجفة فإنه لا يمتلك على الاطلاق أن يكون مواطناً اولاً وغيره من نمط المواطنة الثانية.. ولهذا نتوجه بالنصيحة الى الجميع ان يقلعوا عن كل اللغات التي يتحدثون بها عدا لغة الشراكة والتعددية الكفيلة بصيانة العراق والحفاظ على صيرورته وهويته الواقعية لا المفروضة كما هو الحال خلال العقود العشرة الماضية.
https://telegram.me/buratha