المقالات

وزارة العمل أم وزارة العاطلين؟!

724 15:18:00 2009-10-20

علي محمد البهادلي

التناقض واللامعقول غدا هو الصفة السائدة على ما يجرى في العراق الجديد ، وعلى جميع الأصعدة ، سواء السياسية منها أم الاجتماعية أم الثقافية ، ولا ندري ماذا سيفرز هذا المزيج من المتناقضات والمتضادات ؟! فهل ان ما يجري هوصناعة أمريكية وتطبيق واضح لنظرية الفوضى الخلاقة التي ابتدعها ساسة البيت الأبيض بداية الألفية الثالثة ؟! أم أن الأطراف السياسية العراقية ، لا سيما ما كان منها خارج العراق قبل التغيير تريد أن تشتت الذهن الجمعي للشعب العراقي ؛ مما يسهل لها تمرير مشاريعها السياسية التي تكون بمثابة الحافظة لكل مكتسباتهم الحزبية والفئوية التي جنوها بعد دخول القوات الأمريكية بغداد ؟ّ أم أنها نتيجة لتراكمات عقود من الدكتاتورية والاستبداد والتجهيل وإثارة النعرات العشائرية والطائفية وهو إفرازطبيعي لمثل هكذا مجتمع مر بكل هذه المآسي ؟لست معنياً بالجواب عن هذه الأسئلة ، لكن الذي أريد أن أسلط الضوء عليه هو مصداق واحد من مصاديق التناقضات التي أشربت بها الساحة العراقية وزارة العمل عنوان جميل ، وهو في الوقت نفسه مهم وخطير ؛ لأنه يحمل عنوان حركة عجلة المجتمع بجميع أفراده ؛ ولأنه عنوان الوزارة التي يُفتَرَض أنها معنية بالعمل وتوفيره لأبناء البلد والتي تستحق أن يُطلَق عليها اسم " وزارة الخبز والحياة" فبدون العمل كيف يمكن أن يكون وضع البلد أي بلد ؟ حتماً انه يتسم بالتخلف والفقر والتأخر عن عجلة تقدم الأمم الأخرى ، وتسود فيه مختلف المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية والحروب الأهلية . عنوان ( وزارة العمل ) مطابق للمعنون أم مخالف له مخالفة حد التناقض ؟!! لا أريد أن أتسرع في إصدار الحكم ، لكن المفترض أن يكون العنوان دالاً على أن هذه الجهة راعية للعمل والمشاريع الاستراتيجية ولها رؤية مستقبلية لإقامة المشاريع العملاقة التي تسهم إسهاماً كبيراً في دفع عجلة التطور في البلاد بعد أن تكون قد أهَّلت ما قد هدمته الحروب المتوالية بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة ؛ لأن بعضاً من المشاريع والمصانع قابلة لاستعادة نشاطها وبإمكان منتجاتها منافسة البضائع والمنتجات الأجنبية ، وهي في الوقت نفسه ستسهم في امتصاص البطالة المتفشية بين المواطنين الذين لهم القدرة على العمل والذي جُرَّ الكثير منهم بفعل الفقر والبطالة إلى الالتحاق بالجماعات الإرهابية التي تدفع بسخاء لا نظير له . إن وزارة العمل ـ مع الأسف الشديد ـ ليس لها رؤية واضحة وخطط عملية تسير على وفقها ، وإنما تتخبط خبط عشواء ، ربما لأنها تفتقر للطاقم الإداري والفني ذي الكفاية والدربة " تكنوقراط " وإلا ما هو العمل الذي قامت به هذه الوزارة لتوفير فرص العمل والقضاء على ظاهرة البطالة سواء ما كان منها الظاهرة أو المقنعة ؟! إن الذي فعلته هذه الوزارة هو قيامها بدورات تدريبية هدفها ـ كما تقول ـ تعليم الأفراد العاطلين عن العمل مهناً وأعمالاً من شأنها أن توفر لهم الأعمال والحرف التي يستطيعون من خلالها سد جوع عوائلهم ، وتكاد لا تلتفت يميناً أوشمالاً في شوارع بغداد والمحافظات إلا وارتطم نظرك بلوحة إعلانية كبيرة تشير إلى هذه الدورات التي تقوم بها هذه الوزارة وتدعو المواطنين العاطلين عن العمل للالتحاق بها ، والعمل الآخر هو قيامها بإقراض البعض منهم قروضاً تساعدهم على افتتاح مشاريع صغيرة يقومون من خلالها بمزاولة الحرف والأعمال التي تعلموها في حياتهم العملية أو في هذه الوزارة ، ولا سيما أن في الوزارة بناية باسم مركز التدريب المهني العراقي الكوري ، ولا أدري ما الذي قدَّمه من نتائج عملية ؟! الحقيقة التي لا تقبل الشك والنقاش هي أن الأعمال السالفة الذكر على الرغم من أنها جاءت لتحقيق غايات مهمة وملحة في الوقت نفسه ، بيد أن الواقع يثبت أنها لم تأتِ أُكُلها وفشلت الوزارة في تحقيق تلك الأهداف ، ناهيك عن بعض صور الفساد الإداري التي تكتنف بعضها كعمليات الإقراض . ربما يورد البعض عليَّ إشكالاً مفاده : ان الأمور التي ذكرتها وزعمت أنها من مهام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية هي بالأساس إما ليس من مهام الوزارة أو أنها مهام مشتركة بين وزارة العمل وبعض الوزارات كوزارة التخطيط ووزارة الصناعة ووزارة الإسكان والإعمار وغيرها من الوزارات التي بإمكانها بل من واجبها إقامة مشاريع استثمارية واقتصادية عملاقة تمتص الزخم الهائل من الأعداد العاطلة عن العمل . أقول إن بعض فقرات الإشكال صحيحة ، ولكنه أي الإشكال ـ بالإجمال غير صحيح ؛ لإن وزارة العمل من واجبها أن تنسق مع جميع المؤسسات الحكومية بل وغير الحكومية من أجل تحقيق أهداف الوزارة ، وليس فقط بالاتكاء خلف مكاتب الوزارة وانتظار الآخرين أن يأتوا وينسقوا معها فالوزارة مع شديد الأسف كسولة ومقصرة أيما تقصير ومن واجب الحكومة ليس الحالية فقط بل التي ستنبثق عن الانتخابات المقبلة أن تغير طواقم هذه الوزارة خصوصاً القيادية منها كالوزير والمدراء العامين والوكلاء ، ويأتوا بطاقم ذي خبرة ودراية بمهام الوزارة وإعداد الخطط الكفيلة بالقيام بهذه المهام وتنفيذها .أما إذا قال المستشكل إن الوزارة أوفدت الكثير من موظفيها من أجل تطوير مهاراتهم والاضطلاع بمهام الوزارة على أتم وجه وبالتالي فإن الزعم بأن الوزارة كسولة ولا تنسق مع باقي الأطراف هو زعم باطل ، فتنسيقها شمل حتي الجهات الخارجية وما الإيفادات إلا خير دليل على ذلك . أما ردِّي على المستشكل فهو إن الإيفادات التي في هذه الوزارة ، حالها حال الإيفادات في وزارات الدولة ومؤسساتها كافة ، فهي لا تجعل الموفد يتقدم خطوة واحدة في اختصاصه ، وإنما هي مجرد متنفس للموظف وسفرة سياحية لا غير . يبقى إشكال واحد وهو أن هذه الوزارة ليس مهمتها توفير فرص العمل ومساعدة الناس على إيجاد الوظائف فقط ، وإنما من مهام الوزارة العناية بالعاطلين عن العمل والعجزة والمعاقين والأرامل والمطلقات ، وهي قامت بتوفير إعانات شهرية لهذه الأقسام المذكورة آنفاً . ما ورد في الإشكال صحيح مئة بالمئة ، ولكن حتى هذه الإعانات لا يتسلمها مستحقوها إلا بعد التي واللتيا وبعد جهد جهيد وبشق الأنفس وبعد دفع الأموال والرشاوي لموظفي هذه الوزارة . وفي الختام أقول هل أن عنوان المقالة كان في محله ؟ فالوزارة لم تنجح إلا في صرف إعانات للعاجزين والعاطلين عن العمل ولم تنجح في توفير فرص العمل المفترض أنها تقوم بتوفيرها ، إذاً هي وزارة العاطلين عن العمل وليست وزارة العمل !!! وأقٌبحْ به من تناقض !

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك