( بقلم : المحامي طالب الوحيلي )
(فسعينا يداً بيد وكتفاً بكتف، لنصنع عراقنا الجديد، عراق المستقبل، من دون نعرة طائفية، ولا نزعة عنصرية، ولا عقدة مناطقية، ولا تمييز، ولا اقصاء. لم يثننا التكفير والارهاب عن ان نمضي قدماً لبناء دولة القانون، ولم توقفنا الطائفية والعنصرية من ان نسير معاً لتعزيز الوحدة الوطنية، وانتهاج سُبُلِ التداول السلمي للسلطة، وتبني اسلوب التوزيع العادل للثروة، ومنح تكافؤ الفرص للجميع. نحنُ شعبُ العراقِ الناهض توّاً من كبوته، والمتطلع بثقة الى مستقبله من خلال نظامٍ جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي)
هذا مقطع من ديباجة الدستور العراقي الدائم الذي كتببته الجمعية الوطنية المنتخبة مما يزيد على ثمانية ملايين عراقي كسروا كل حجب الخوف والصمت والمجهول ،لتكن كلمتهم الفصل فيما بعد حين وقعت واقعة الاستفتاء العام على هذا الدستور الذي طرح محملا بآمال هذا الشعب الذي كان اكبر ضحية لأبشع طاغية عرفه التأريخ ،وهو اليوم لا يجد بدا من انتظار الذين خولهم دستوريا للالتزام ببنود هذا العطاء التأريخي ،وبذلك نقف فعلا في مفترق الطريق بين الحكم الديمقراطي الدستوري وبين عودة الانظمة الشمولية الظالمة والتي مازال بقاياها يتربصون الدوائر بعراقنا المبتلى ويحوكون المكائد مباشرة عبر مقاعد البرلمان و عبر الكم الهائل من الجرائم الدموية البشعة بحق الحياة والمستقبل العراقي.
هذا المقطع من الديباجة التي تعتبر جزءا ملزما من الدستور ،يعبر عن صدق النوايا الوطنية للجمع الذي صادق على هذا الدستور ،وهي رد موضوعي على كل من يحاول حرفه عن أهدافه الأساسية تحت يافطات كاذبة تستهدف النظام الاتحادي الديمقراطي الذي أسس عليه الواقع العراقي الجديد ،معتبرين ذلك محاولة لتقسيم العراق والنيل من وحدته ،فيما أظهرت الوقائع من الذي كان يشكل خطر تفتيت هذه الوحدة عبر الأنظمة البائدة ولاسيما نظام البعث وصدام ،فاين كان هؤلاء من سياسته التي أسس فيها للحكم الذاتي في كردستان وتشكيل المجلسين التنفيذي والتشريعي ،اللذان لم يستندا على أي مبدأ دستوري ،وكانا مجرد أكاذيب أراد بهما إدامة الظلم الدامي على شعبنا الكردي والتلاعب بمصيره ،حتى صدور القرارات الدولية بفرض المنطقة الآمنة ،حيث استحق الكرد كل مبررات الحكم وتقرير المصير رغم انف صدام وأتباعه ،ومع ذلك لم يفرط احد منهم بأرض العراق ووحدته الإقليمية ،ولا يوجد ثمة رهان على هذا التوحد مادامت التشكيلة الحكومية هي الواجهة المنطقية لهذه الوحدة .
يقول الدكتور همام حمودي بصدد الرد على إشكالات البعض على مبدا الفيدرالية (يبدو أنهم فهموا الموضوع من زاوية واحدة فقط وهي تقسيم السلطة، لكن اذا رجعوا الى مسألة الموارد الطبيعية وخاصة موضوع النفط والغاز مثبّت في الدستور، انه ملك لجميع الشعب العراقي وان ميزانية العراق تعتمد على النفط والغاز، هذا بالحقيقة قاعدة موضوعية وحقيقية وفاعلة لوحدة العراق باعتبار ان الجميع سوف يحتاج الى المركز من اجل ان ينمي ويعمر منطقته، لذلك انا اولا لا اجد مبررا للانقسام، حتى الإخوة الكرد على ما يملكون من وضع سياسي مستقر ووضع اقتصادي يجدون ارتباطهم بالمركز سوف يكون انعكاسه مرتبطا بالإيرادات التي تأتيهم من المركز أكثر من النفط الذي سوف يكتشف عندهم في كردستان، فبقاؤهم ضمن العراق وارتباطهم ببغداد هو فرصة طيبة لاعمار كردستان وكذلك بقية المناطق، يضاف الى ذلك انه لا نجد اي طرف سياسي الآن يطرح فكرة تقسيم العراق، فمن اين تأتي هذه الشبهة ؟ لذلك اعتقد ان هناك تشويها وفهما خاطئا لمسألة الفيدرالية في العراق ، انا اقول هي خطوة نحو مشاركة الجميع باطمئنان في إدارة البلد).
ولعل قراءة سريعة لبعض احكام الدستور الدائم بهذا الشأن تبين الجدوى الواقعية والتنفيذية للفدرالية او نظام الولايات الذي يقيده الدستور حاصرا السلطات الثلاث في بوتقة الحكومة الاتحادية واهم ما في ذلك الوزارات السيادية كالخارجية والدفاع والمالية ،فالثروات الأساسية بيد الحكومة الاتحادية ،والسياسة الاقليمية بيدها ايضا ،والعلم العراقي واحد وشعار الجمهورية واحد والتمثيل الدبلوماسي للعراق دون سواه ولا منازع له من احد ،وتؤسس المادة (107) منه بأن تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه.فيما يعتبر رئيس الجمهورية (رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ويمثل سيادة البلاد، يسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه، وفقاً لإحكام الدستور) م 65.
فما دام الأمر كذلك ونحن نحتكم لسلطة الدستور التي لا تعلوها أي سلطة ،وهي مصداق لجهاد وتضحيات الملايين ،فان الماده (115) منه قد فرضت على مجلس النواب أن يسن في مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ أول جلسة له، قانوناً يحدد الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم بالأغلبية البسيطة.فلا مناص من الامتثال لهذا الامر ،فيما يعتبر هذا القانون واحد من عشرات القوانين المتممة لهيكل الدستور ،وقد ينص على الأحكام التي يمكن ان تذلل كافة الصعوبات وتحد من أي خطر يمكن ان ينتاب هذه العملية ،مما ينبغي على القوى المعارضة ان تساهم وبفاعلية في إضفاء تلك اللمسات القيمية عليه بدل رفض الدستور برمته وتلك جريمة مازالت أحكام قانون العقوبات العراقي متوفرة عليها مادامت تتعرض لنظامنا الدستوري السائد.القانون المزمع سنه يحكم المواد التي تفصل في تكوين الأقاليم ،فلا يمكن تنفيذ المادة 116 من الدستور وما يليها الا على وفق هذا القانون ،ولا باس ان نشير الى هذه المواد حيث تنص المادة (116): يحق لكل محافظة او اكثر تكوين اقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه يقدم بإحدى طريقتين: اولاً طلب من ثلث الاعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم. ثانياً طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.
فاذا ما تكون الإقليم فانه يقوم بوضع دستور له يحدد هيكل سلطات الإقليم، وصلاحياته،وآليات ممارسة تلك الصلاحيات على ان لا يتعارض مع هذا الدستور م (117)وتلك ضمانة دستورية أخرى ،فضلا عن ان المادة 118 قد حددت الحقوق والصلاحيات التشريعية والتنفيذية للأقاليم ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية. فيما يحق لسلطة الإقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم اذا وجد تناقض او تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم بخصوص مسألة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.
من كل ما تقدم نجد ان الزوبعة التي آثارها البعض ،حول فيدرالية الوسط والجنوب ،هي مجرد رد فعل سياسي للإفلاس الذي تشعر به القوى المعارضة لتحرر شعبنا والتمتع بحقوقه الأساسية وثرواته الطبيعية ،والرغبة في إبقائه هامشيا كما كان مهشما محكوما بسلطة مركزية لا خيار لها في البقاء سوى القتل والمقابر الجماعية التي تنكر لها البعض ممن يدعون انهم جزء من تراث الشهادة ورموزها.
https://telegram.me/buratha