( بقلم: كوردة أمين )
خلال متابعتي لجلسات المحاكمة في قضية الأنفال ومنذ اليوم الأول لها , لاحظت مثل غيري بعض الضعف في الترجمة من الكوردية الى العربية وبالعكس , ولا أقصد هنا قطعا الانتقاص من حرص المترجمين أو التقليل من جهودهم الكبيرة , وخاصة والقضية هذه خطيرة جدا ومحل اهتمام ومتابعة العديد من الناس في كوردستان وعموم العراق وفي جميع أنحاء العالم , حيث يتم نقلها مباشرة عبر العديد من الفضائيات . وبما إن المدعين الكورد من ضحايا الأنفال لا يستطيعون تقديم إفاداتهم وشكاواهم باللغة العربية فمن الطبيعي أن يكون للترجمة الدور الأهم في توصيل صوتهم الى المحكمة والى المهتمين والمتابعين لسير المحاكمة . ولهذا السبب فأن أي سهو أو إغفال من المترجم لأبسط كلمة يتفوه بها المدعي قد يساء فهمها من القاضي ومن هيئة المحكمة , فتؤدي الى توجيه سير العدالة باتجاه مغاير , وبالتالي الى فقدان الحقيقة وضياع الحقوق . في الجلسة الرابعة للمحكمة الجنائية العراقية المختصة بالنظر في قضية الأنفال والمنعقدة يوم 11 سبتمبر 2006, وعندما كانت المحكمة الموقرة تستمع الى افادة المشتكي الثاني السيد أحمد عبدالله , وهو رجل مسن تجاوز الثمانين من العمر ومن قرية داربه روله , وجه اليه محامي الدفاع عن صدام المدعو ودود فوزي الونداوي سؤالا جاء فيه : هل قدم المدعي شكوى حين وقوع الحادثة ؟ ويقصد حادثة حرق القرية بما فيها دار المدعي , ومصادرة ماشيته , ومن ثم إلقاء القبض عليه مع مجموعة من أهالي القرية وايداعهم المعتقل واعدام عدد منهم . فكان جواب المدعي بالنفي . ثم كرر المحامي السؤال ولكن هذه المرة كان : هل إن المدعي قدم شكوى في هذه القضية المرفوعة الآن أمام هذه المحكمة ؟ ولكن الترجمة جاءت بنفس صيغة السؤال في المرة الاولى : هل أن المدعي قدم شكوى حين وقوع الحادثة ؟ ومن الطبيعي أن يكون جواب الرجل بالنفي أيضا ! وهذا ما كان ينتظره المحامي ! فبدأ فورا بالاعتراض والتشكيك في أقوال المدعي مستندا الى إن الدعوى الجزائية لا تحرك إلا بشكوى , وأخذ يتساءل عن من الذي دون إفادة المدعي اذا لم يكن قد قدم شكوى في هذه القضية المرفوعة للنظر ! وحاول أن يوحي بأن هناك من قام بكتابة الشكوى باللغة العربية وجعل المدعي يوقع عليها , وقام بتلقينه بما يقوله أمام القاضي . لقد استغل محامي الطاغية , وكعادته في كل مرة , هذا الخطأ في الترجمة لصالح موكله خير استغلال , وحاول تضليل العدالة , وزعم بأن هناك جهة ما تقف وراء هذا العمل المفبرك , وأشار باتهامه الى مركزالانفال المختص برعاية ضحايا هذه الجريمة . وقد حصل نتيجة ذلك نقاش طويل بين المحامي المذكور من جهة وبين السيد رئيس المحكمة والسيد المدعي العام من جهة آخرى , إستغرق زمنا ليس بالقليل , وهذا كله على حساب حقوق ومصالح الضحايا والمشتكين ووقت المحكمة الثمين . والغريب أن هذا المحامي المشاغب , الذي يصر على تسمية سيده الذي يجلس ذليلا في قفص الاتهام بالسيد الرئيس , يدعي أنه يعرف اللغة الكوردية , وكان في الجلسات السابقة يعترض على ترجمة المترجمين ويتهمهم بالتواطئ مع المشتكين وبتلقينهم بما يقولون , بحجة معرفته وفهمه للغة الكوردية , ولكنه في هذه المرة لم يحتج على السهو الذي وقع في ترجمة صياغة السؤال , ويبدو أن المحامي المسكين قد نسي فجأة وبقدرة قادر اللغة الكوردية !! ولا أدري كيف لم ينتبه أحد من السادة المحامين الكورد عن المشتكين لهذه الواقعة بالرغم من إلمامهم الجيد باللغة العربية , حيث كان بامكانهم معالجة الموقف بالطلب من المحكمة باعادة السؤال على المشتكي بترجمته الصحيحة منعا ً لأي إشكال . ويبدو أن الوثيقة الرسمية التي أبرزها السيد المدعي العام والتي تثبت بشكل دامغ صحة ما ذهب اليه المشتكي , وتدين قيام القوات الحكومية الصدامية بجريمتها النكراء بحرق القرية واعتقال هؤلاء القرويين وبضمنهم المشتكي , قد دوخت المحامي السبع دوخات , وجعلته يتخبط شمالا ويمينا , ويحاول تصيد الأخطاء هنا وهناك . لذلك نؤكد على ضرورة الاهتمام بالترجمة وتوخي الدقة عند إجرائها لكي لا تتكرر مثل هذه الحالات التي من الممكن أن تؤثر على سير العدالة , ولقطع الطريق على محامي المتهمين وإفشال خططهم في محاولة التمسك بأية قشة من شأنها إنقاذ موكليهم من المصير المحتوم الذي ينتظرهم . وبمناسبة الحديث عن الجلسة الرابعة لمحكمة الأنفال , هناك سؤال يلح علي ّ , وأطمع بتوجيهه الى السيد رئيس المحكمة الموقرة , أرجو أن يتسع صدره لسماعه , كما يتسع لأقوال وخطب المتهمين , وخاصة صدام وعلي حسن المجيد . عندما كان صدام حسين يلقي علينا خطبة عصماء عن وطنيته وبطولاته , وعن العلم العراقي وما يمثله للعراقيين , هاجم صدام السيد مسعود البارزاني لرفضه رفع هذا العلم في كوردستان , وقال إنه لم يصنع هذا العلم بنفسه بل ورثه عمن سبقه , وإنه أضاف عليه فقط كلمة ( الله أكبر ) , وإن هذه ( الكلمة ) لا يحق للسيد البارزاني أن يرفعها من العلم . عندئذ علقت يا سيادة القاضي بقولك : ولن يستطيع أحد أن يرفعها ! ثم انقطع الصوت ولم نسمع ما دار بينكما من حديث ... فهل كنت جادا ًياسيادة رئيس المحكمة في قولك هذا , أم قلتها مازحا , ربما لتلطيف الجو المتوتر الذي كنا نعيشه عند متابعة المحاكمة ؟ لا نحسبك كنت مازحا .... فقد عهدنا فيك الرصانة والجدية طيلة الجلسات السابقة , ولم نجدك مبتسما سوى مرة واحدة وهي عندما ألقى محامي الدفاع بديع عارف عزت طرفته الشهيرة حول رائحة الثوم وهو يسخر من المرأة الكوردية البسيطة , ضحية جريمة صدام الذي خط بيده كلمة ( الله أكبر ) على هذا العلم !. أما اذا كنت جادا ً يا سيدي , وتعني فعلا ما قلت , فلم إذا ً بقاء صدام وأعوانه في قفص الإتهام , وهم الذين يحملون كل هذا الورع والإيمان والتقوى وحب الوطن في قلوبهم ... ؟!اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha