( بقلم: عبد الرزاق السلطاني )
بادئ ذي بدء، لابد من وقفة اكبار واجلال لابطال الانتفاضة الشعبانية المباركة لما لها من وقع في نفوس العراقيين وما نحتته في ذاكرتهم فقد كسرت الحواجز وفصمت القيود التي كانت تكبلهم، كما انها حطمت حواجز الخوف والتردد لدى قطاعات واسعة من الشعب، تلك الحواجز التي فرضها اللانظام باساليبه التي فضحتها الايام، فيما سقطت هيبته تماما بتعرض اجهزته القمعية الامنية والمخابراتية الى الانهيار والتمزق على يد الجماهير الثائرة التي انقضت على مراكز التعذيب والتجسس الصدامية وحولتها الى ركام، هذا الرشد والصحوة الثورية لم تات الا على انهار جارية من دماء العلماء والقيادات وابناء المقابر الجماعية والانفال، فضلا عن الاقصاء، القتل، التطهير العرقي، والمغيبين في غياهب السجون، وغيرها من العناوين التي لا زالت تدعاياتها يكتوي بها الابرياء دون سبب او جريرة، فلا زال العراق الخبر الاول في العالم منذ اكثر من (35) عاما بعد ان بدأ يجني ثمار تحولاته الجديدة التي لم ترق لاعداء الحرية والانعتاق، الذين ورثوا سلسلة من المخاوف غير المبررة وحواجز حالت دون رضوخهم الى الواقع الجديد الذي افرزته العملية السياسية ومحطاتها الممثلة بالانتخابات الحرة واقرار الدستور الدائم الذي ادخل العراق الفضاءات الرحبة، هذه المشتركات الوطنية التي وقفت خلف ظهرانيها المرجعية الرشيدة للامام السيستاني التي دافعت عن كل العراقيين بمختلف اعراقهم ودياناتهم فالمصاديق الرئيسة لبناء دولة المؤسسات هو تصويب المسارات بقرارات دستورية صائبة عبر الوسائل الدبلوماسية، في حين ان فوضوية القرارات الخاطئة وازدواجية الخطاب للعابثين بالعراق والحاقدين على ابنائه من الصداميين وحلفائهم التكفيريين لا يمكن ان ينطلي تلاعبهم بالالفاظ بعد ان عرف الشعب حقيقة ما يكنوه للوطنيين من ابناء المقابر الجماعية والانفال، فمن المحال ان يقعوا تحت طائلة انياب ومخالب ورثة العفالقة الافاقين، ففي خطوة نوعية الاولى من نوعها لاستلام الحكومة المنتخبة الدستورية قيادة العمليات العسكرية ورئاسة الاركان وفق البروتوكول الذي يعطي مرونة عالية وسرعة تنفيذ الواجبات من دون الرجوع للمتعددة الجنسيات مما يؤكد جاهزية القوات العراقية لمسك الملف الامني بالكامل وهي من الخطوات الكفيلة لحزم تلك القوات امتعتها ومغادرة البلد، في الوقت الذي لا زالت فيه وسائل الاعلام المغرضة من فضائيات وصحف معروفة بمواقفها من الخيار الديمقراطي للعراق الجديد ودعمها للارهاب التكفيري وايتام الطاغية المخلوع ونظامه الاستبدادي تناولت بصيغة مشوهة ومجتزأة مغرضة لمبدأ الفيدرالية التي اقرها الدستور المصادق عليه من غالبية العراقيين وهو خير تمثيل لارادتهم في الوقت الذي نعتقد انه الاختبار الحقيقي للرجال القادرين على مواجهة التحديات وفرز المخلصين للعراق الابي باقرار اقليم الوسط والجنوب الواحد كونه الطريق الوحيد لحفظ التوازنات على الخارطة السياسية العراقية، فالشعب العراقي وحده الذي سيقول كلمته ليكون الفيصل في اقرار مستقبل ابنائه، فالمواقف الخلافية الهامشية يجب ان تستبعد عن الطاولات بعد ان وصلت الامور الى نقطة اللاعودة للدكتاتورية وحكم المركز الذي انتهكت تحت خيمته الحرمات والجرائم الكبرى من قتل وتشريد وتهجير من دون حتى محاكمات صورية، فهي اعجز من ان تحجبها الشمس، اننا اليوم امام مفترق حساس ونحتاج الى استراتيجية صنع قرار الخلاص، فيما يرى البعض من المتصدين لمراكز القرار تلويحهم بالانسحاب من العملية السياسية مرة وبالتهديد بالموجات الارهابية العنفية كورقة ضغط للحصول على مآرب سياسية مرة اخرى، فالنزول للحافات الحادة ربما تودي الى منزلقات لا تحمد عقباها، فالقرارات الخاطئة غير المدروسة التي لا تتواءم مع السياسة العامة للعراق يجب ان تحدد بالاطر الوطنية، فدولة المؤسسات هي الكفيلة بدرء الاخطاء التي تشوب مسيرة العراق الجديد.
ان الخيارات لم تستنفذ امام العراقيين وان الموت المجاني والتهجير القسري لاتباع اهل البيت(ع) بالتالي هو المنهزم الاول في العراق، والارهاب الصدامي فكر وممارسة هو الخاسر الاكبر بعد ان اثبت العراقيون انهم على جادة طريق الصواب لبناء وطن آمن ومستقر، فلا مقاومة خارج الحكومة المنتخبة وهي الوحيدة التي تتعامل مع الملفات الحكومية، فالمضاربات بالعفو عن المجرمين امر غير مقبول، لذا يجب تصويب القرارات القضائية والحفاظ على استقلاليتها ودعمها بقوة لينال المجرمون جزاءهم العادل، فالارهاب اذا ما حدد يتوالد ليؤسس لمقابر جماعية جديدة، فيجب كبح جماحه وقبره في مكامنه وردم البرك التي يسبح فيها ليعم الامن والسلام في بلدنا العراق.
https://telegram.me/buratha