السيد عامر الحسني
بعد انحسار الاستعمار التركي وفقدانه لآخر معاقله في شبه الجزيرة العربية وسيطرة الاستعمار البريطاني والفرنسي على معظم الدول العربية , عقدت اتفاقات ثنائية بين البلدان العربية يتم بموجبها انسحاب القوات الاستعمارية من المدن مع الإبقاء على بعض القواعد العسكرية , حيث سميت هذه العمليات بالتحرر من الاستعمار والحصول على الاستقلال , وربما كان العراق هو الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تحصل على الاستقلال من خلال ثورة مسلحة أطاحت بآخر المعاقل البريطانية وبقيادة عبد الكريم قاسم .
ولقد حاولت الدوائر الاستعمارية إظهار ثورة يوليو 1952 في مصر على انها ثورة وطنية سبقت ثورة 14 تموز بست سنوات بقيادة بعض الضباط المصريين والذي كان على رأسهم جمال عبد الناصر , إلا ان الأحداث التي تلت تلك الثورة اثبتت بدليل قاطع على كذب وطنية تلك الثورة وتقوية أدلة الشكوك التي أثيرت حولها , ومنها الموقف العدائي الذي وقفه عبد الناصر من ثورة العراق الوطنية وتآمره بعد ذلك مع (جناح الرمادي) الذي كان يمثله عبد السلام عارف الجميلي والمعروف بعلاقته الوثيقة مع جمال وهو ما كشفته زياراته المكوكية إلى مصر أبان حكم عبد الكريم قاسم والتي توجت بمحاولته الفاشلة عام 1959 لاغتيال الزعيم عبد الكريم في مكتبه في وزارة الدفاع وما صاحبها من أحداث بعد ذلك استطاع خلاله (جناح الرمادي) بالتحالف مع البعثيين وبدعم مباشر من جمال عبد الناصر من وضع حداً للمسيرة الوطنية التي بدأها عبد الكريم , ليبدأ عهد دموي في العراق منذ عام 1963 وحتى نهايته عام 2003 والذي لا زالت آثاره السلبية شاخصة حتى هذه اللحظة .
لقد حاول الحكام العرب إيهام شعوبهم بوطنية حكمهم واستقلالهم عن الغرب , وكان وهم (قائد الأمة العربية) يسيطر على عقولهم السمجة وبدفع مستور ومعلن في أحيان أخرى من الدول الغربية الكبرى التي كانت تعد السيناريو للرؤساء العرب في تقمص شخصية (القائد العربي) على غرار الشخصية الطائفية التي دبلجها التاريخ العربي المزيف وهو (صلاح الدين الأيوبي) الذي لا زالت العقلية العربية السنية تحتفظ له بصورة بديعة معلقة في إحدى واجهات المتحف التاريخي للزيف العربي والذي استطاع هذا القائد أن يحول القاهرة بين ليلة وضحاها من مدينة شيعية إلى سنية بالقتل والذبح .
لقد وجد عبد الناصر نفسه الشخص المؤهل للعب دور (قائد الأمة العربية) من خلال المزايا التي يحملها , حيث يمتاز بلغة خطابية عالية تجذب الجماهير , ومظهر يوحي بالقيادة بالإضافة إلى مقدرته بإشعال الحماس المصري والعربي ببناء قنطرة أسوان التي سماها السد العالي والذي جعل منه قضية لا تضاهيها قضية بحيث جعلها تتفوق في عقلية العربي البدوية على قضية عبور مضيق جبل طارق واحتلال أجزاء من اسبانيا من قبل العرب .
لم يحالف الحظ عبد الناصر طويلاً حيث كان الموت له بالمرصاد لينهي مشروع الزعامة العربي , ويبقى المكان شاغراً لعدم توفر الصفات التي امتاز بها عبد الناصر , فملك الأردن حسين كان العرب ينظرون له كدمية قصيرة يحركها الغرب كما شاء , وملك السعودية فيصل بدوي يلبس عقال من القصب ولا يفهم من السياسة سوى (حنا العرب) , والرئيس سليمان فرنجيه يتربع على ملهى كبير اسمه لبنان تجول فيه عاهرات الشرق والغرب , وحكام المغرب العربي لا يفهمون ما يدور في الدول العربية لعجزهم من التكلم باللغة العربية واصطحابهم لمترجميهم العرب حتى عند ذهابهم الى الحج .
وبقي العراق محط أنظار الدول الغربية لتزعم العرب الا ان الذي كان على سدة الحكم لا يفهم بالسياسة شيئاً , فأحمد حسن البكر كان ابن لعامل بناء في الانبار تمكن أعمامه من عشيرة ألبو ناصر من إدخاله الأكاديمية العسكرية العراقية عام 1938 بعد ان عمل معلم ابتدائية لمدة 6 سنوات ليتخرج منها ضابطاً في الجيش العراقي , حيث كان يوم تخرجه معجزة لعشيرة ألبو ناصر التي لم تصدق نيله رتبة ملازم ثاني في الجيش , وقد أوصلته الظروف المأساوية التي مر بها العراق الى سدة الحكم ليصبح رئيساً لجمهورية العراق في الظاهر , وقد كان يصفه مناوؤه بالبقرة على حد تعبير حسن العلوي .
وبعد تنحية البكر عام 1979 ظهر للعلن الشخصية الفعلية التي كانت تحكم العراق في حقبة البكر والذي أوصلته الدوائر الغربية الى سدة الحكم ليشغل بعدها منصب (قائد الأمة العربية) كما يحلو للسنة العرب تسميته , وكانت أول مساهماته هي إدخال العراق في نفق الحرب العراقية الإيرانية المظلم , والذي خرج منه العراق بعد ثمان سنوات فاقداً لكل شئ . وانتهى حلم (جناح الرمادي) في تزعم العرب .وبعد مخاضات طويلة ولقلة الخيل كما يقول المثل العراقي , وقع الاختيار على شخصية سمجة تثير الضحك أحياناً عندما يخرج أمام كاميرات الصحفيين لإلقاء خطبة أو عيادة مريض . وكان هذه المرة هو رئيس كيان بني سعود (عبد الله ولد عبد العزيز) .ان الوهم الذي يعيشه بني سعود لزعامة الأمة العربية لا يقل قوة عن وهم الدول الغربية والتي اعتقدت وعلى غير صواب بأنها ستوفق هذه المرة في تنصيب زعيم عربي بإمكانه أن يقود شعب عربي من السنة أولهم يسكن في جازان وآخرهم في تطوان .
لقد أصاب الوهم عبد الله ولد عبد العزيز بأنه بالفعل قد أصبح قائد , فكان الهم الأول لديه هم الشيعة والذين يعتبرون الهدف للحكام العرب لما يشكلونه من حجر عثرة أمام مخططاتهم التآمرية , وما يتحلون به أيضاً من سلوك ديني قويم وممارسة لشعائر دينية مرتبطة بأهل البيت عليهم السلام لا يستسيغها جميع الحكام العرب ومعظم الشعوب العربية التي تعتنق المذاهب السنية الأربعة .
لقد بدأ عبد الله السعودي بخطوة خاطئة وفي فترة زمنية خاطئة , مستغرقاً في نفس الوهم الذي عاشه زملاءه الذي تقلدوا نفس المنصب وحاولوا انتحال نفس الصفة .لقد قاد الوهم ملك بني سعود إلى الاعتقاد بأنه سوف يتربع على عرش القيادة العربية من خلال تحجيم الشيعة في شبه الجزيرة العربية والتحريض عليهم في البلدان العربية الأخرى , وقتلهم في العراق . لقد لعب عبد الله السعودي بورقة خاسرة وهي نفس الورقة التي لعب بها حاكم العراق الذي انتهى به المطاف سجين حكم عليه بالإعدام ونفذ فيه في نفس السجن الذي بناه لإرهاب المواطنين الشيعة في العراق .ان الملاحظ للمشهد السعودي تستوقفه محطات غريبة ومرتبكة يحاول من خلالها الكيان السعودي تسويق مؤامرات قائمة على تحالفات غير أخلاقية مع النظامين المصري والأردني من اجل تطويق المد الشيعي في المنطقة والذي أثار حفيظة العرب السنة الذين لم يحتملوا ثلاثون سنة من الحكم الشيعي في إيران ليبدأ حكماً آخر في العراق .كما لم يحتملوا نشوء جيل من الشباب الشيعي في القطيف والأحساء يذيق رجال القبيلة السعودية في كل يوم بمرارة وحرقة خوفاً من ان تفلت منها زمام الأمور ليبدأ حكم شيعي آخر في المنطقة الشرقية , وهو أمر بدأت بوادره تظهر منذ سقوط نظام البعث في العراق , وأشار له العديد من السياسيين الغربيين وحذروا منه وظهر لأول مرة في كتاب الشرق الأوسط الجديد الذي رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط احتلت فيها القطيف والاحساء مساحة كبيرة مشكلة دولة شيعية منفصلة .
ان الوهم الذي عاشه الحكام العرب في تزعمهم للأمة العربية كانت زاويته ترتكز على تحجيم الشيعة العرب وإظهارهم بمظهر الضعفاء الغير قادرين على بناء دولة , وهو أمر جعلهم في وضع لا يحسدون عليه عندما تفاجؤا بالهزيمة العسكرية الإسرائيلية على يد حزب الله الشيعي في لبنان , ويأتي في نهاية المطاف حاكم الرياض ليستلم ارثاً ضخماً من الحيل والألاعيب السياسية متصوراً بأنه سيؤهله تسنم منصب (قائد الأمة العربية).
https://telegram.me/buratha
