محمد يونس
حين نقف على رحلة السيد الراحل الحكيم واسهاماته الوطنية تجدنا ازاء ظاهرة مميزة وليس شخصا عاديا .فمنذ ان تصدى السيد عبد العزيز الى نظام الجور والطغيان في العراق كانت رحلته مسيرة اباء كبير وشمم عال فركب جادة الجد ولم تردعه المنايا عن ركوب المجد ..لقد كان السيد الراحل من معاصري حركة النهضة الاسلامية التي ترعرعت في البلاد خلال مرجعية والده مرجع الطائفة السيد محسن الحكيم ..واسهمت تلك الحركة الدؤوب على الصعيدين السياسي والديني والتي كان الشهيدان محمد باقر الصدر ومحمد باقر الحكيم يقودانها ويؤسسان لها في ظل الغطاء الذي كان يوفره المرجع الراحل في الكثير نم الحركة الحثيثة في المساحة التي تقارع النظام ..كانت الرؤى التحديثية للسيد محمد باقر الصدر لا تتعلق فقط بالاطار الحوزوي بل وايضا الحقلين السياسي والاقتصادي ما كان يستلزم توفر الكثير من المساعدين والخلص من حوله الذين كان السيد عبد العزيز الحكيم واحدا منهم ..كان العمل السياسي في كنف مرجعية قوية كمرجعية محسن الحكيم مصدر قوة ومنعة رغم المعاناة التي لا يخلو منها اي عمل جهادي ..فكانت وفاته بداية لدخول العراق في نفق مظلم ودخل العراق في مرحلة المواجهة المباشرة بين السلطة وبين التيارات الاسلامية وقياداتها المتمثلة بالمرجعية الدينية ..حرصت المرجعية الدينية ومنذ ايام المرجع الاب محسن الحكيم على حياة الانسان وحقوقه في التحرر من الجور والطغيان فكانت الجماهير اقرب ما تكون الى المرجع وكان يمثل بالنسبة لها ابا رؤوما يدفع عنها الاذى ويمنحها الخبز والعافية من يده الكريمة ..وعلى هذا النهج سار ابناء محسن الحكيم من بعده ..فكان الانسان العراقي وقضيته الام هي محور حياتهم التي دفعوا من اجلها الغالي والنفيس ودافعوا عنها بكل ما اوتوا من قوة وصبر ولم يثنهم فداحة الخسارة او وحشية النظام العفلقي في التعامل مع معارضيه او قيادات الشعب الروحية والدينية والسياسية ..وبعد استشهاد الصدر على ايدي جلاوزة النظام العفلقي فقد اختار السيد الراحل طريق الهجرة لرفع راية الجهاد عبر الكفاح المسلح من خارج البلاد ..فانتقل الى سوريا ثم تركيا قبل ان يستقر به المقام في ايران التي كانت قد تحررت حديثا من قبضة الشاه وتحولت الى الحكم الاسلامي ..وعلى الرغم من سنوات الحرب الطاحنة وصعوبة التاسيس للعمل الجهادي كانت حاضرة في مسيرة السيد عبد العزيز الحكيم وضاغطة في الوقت نفسه على جميع شرايينه التي تتنفس حب العراق .. فقد انبرى الراحل يبحث عن فرصة تنقذ الانسان العراقي مما حل به من ويلات ولهذا السبب فقد تبنى في اواسط الثمانينات العمل في مجال حقوق الانسان في العراق بعد ان لاحظ فراغ العراق تماما من هذا الجانب والحاجة الملحة لتطوير الرؤية الانسانية خدمة للقضية العراقية وانسانها الذي يعتبر لبنة البناء الرئيسة والهدف الاسمى والانبل ..فأسس مايسمى بالمركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق الذي خصص لجمع وتوثيق انتهاكات حقوق النظام البعثي الظالم للانسان العراقي ..وكانت المهمة شاقة وخاصة في البداية لندرة الوثائق والادلة ولعدم وجود بداية يستند عليها في هذا الاطار ومع ذلك فقد نجح نجاحا مذهلا في تحقيق مهمته التي كان يصبو اليها ..فاصبح المركز بعد فترة بسيطة مصدراً رئيسياً لمعلومات لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة والمقررّ الخاص لحقوق الانسان في العراق والمنظمات الوطنية والدولية الحكومية وغير الحكومية..وشارك هذا المركز في توثيق وعولمة قضايا الانسان العراقي وانتهاكات حقوقه واطلع العالم عليها فنجح في كسب تاييد المجتمع الدولي وتحريكه باتجاه مناصرة الشعب وقضاياه ..انصب عمل المركز على توثيق حالات الابعاد والاخفاء القسري والاعدام والتعذيب والاعتقالات الطويلة بدون محاكمات ..وطالب المركز بالافراج عن المعتقلين السياسيين وسجناء العقيدة والرأي والمحجوزين من ابناء المهجرين العراقيين.عمل المركز بمد يد العون والمساعدة للعراقيين والعون وخاصة لابناء المخيمات العراقية في ايران وكان السيد الراحل يشرف عن قرب على جهود الاغاثة ومد يد العون لعوائل الشهداء العراقيين في داخل العراق ونجح في ايصال هذه المساعدات الى داخل العراق رغم قبضة النظام الحديدية ..وظل هذا ديدن السيد الراحل رحمة الله عليه حتى ساعاته الاخيرة ..فقد اعتبر المصالحة مع قتلة الشعب العراقي خط احمر لا يمكن تجاوزه واعتبر العدالة الحقيقية تكمن في انصاف الضحايا وعوائلهم ووقف بوجه جميع محاولات اعادة البعثيين الى السلطة ...رغم ما سببه هذا الموقف من عداء خارجي وداخلي ..
https://telegram.me/buratha