( بقلم: طالب الوحيلي )
ما آل اليه الوضع في العراق منذ سقوط الطاغية ولحد الآن ،يعكس عدد من المواقف المختلفة لعدة اتجاهات متباينة تحت معيار علاقتها بالمصلحة الوطنية للشعب العراقي ايجابيا او سلبيا ،وقد شخص لنا الواقع هذه الاتجاهات وابرزها القوى الدولية المتمثلة اليوم بالقوات المتعددة الجنسيات التي شرعنت وجودها في العراق المنظمة الدولية ومجلس عبر سلسلة القرارات المعروفة وآخرها القرار1546 الذي انهى صفة الاحتلال للعراق واعاد بموجب ذلك السيادة الوطنية ،فيما تغيرت صفة القوات المحتلة الى قوات متعددة الجنسيات تعمل بمعية الحكومة العراقية وحسب احتياجها لردع الارهاب ودعمها في بناء وتطوير قواتها المسلحة من شرطة وحرس وطني ،لخلق جو طبيعي لبناء قواعد الحكم الديمقراطي الدستوري ،فيما ترك القرار للحكومة العراقية الحق في انهاء دور تلك القوات وكما في الفقرتين 7 و10 من القرار المذكور،وقد تحققت انجازات تأريخية لانظير لها بشأن اجراء الانتخابات وتشريع الدستور العراقي الدائم وتأسيس القوات المسلحة بالرغم من افتقارها لعوامل التطور الفعلية من مكننة وتسليح وتكنولوجيا معلومات تنسجم مع واقع التزاحم المحموم لقوى الارهاب التي استهدفت الامن المواطن وسلامته متخذة منه عدوها الاول ،مما يؤكد ارتباطها النهائي بالنظام البائد مهما كانت المسميات التي تعمل من خلالها وتح ظلالها،مما وضع القوات المتعددة الجنسيات امام اخفاقات لايمكن ان تعزى الى اخطاء تكتيكية بقدر ماهي تداعيات عزاها احد القادة العراقيين بالقول (يبدو أن قوات الاحتلال التي تحولت لاحقاً الى قوات متعددة الجنسية ما زالت تفكر بالعقلية السابقة).فيما وصلت الحالة الامنية الى حد راح يلوح خلاله اقطاب السياسة الدولية والبنتاكون على وجه التحديد بخطر الحرب الاهلية وكأنهم مجرد متفرجون وليسوا محكومين بذلك القرار،
فقد جاء في خبر نشرته (رويترز) - قالت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) في تقرير الجمعة الماضي ان الصراع الرئيسي في العراق تحول من حرب ضد المسلحين الى قتال دموي متزايد بين الشيعة والسنة مما هيأ مناخا يمكن ان يؤدي الى نشوب حرب أهلية.وتضمن تقرير البنتاجون الذي طلب الكونجرس اعداده تقييما واقعيا للوضع في العراق خلال الاشهر الثلاثة الماضية وذكر أن العدد الاجمالي للهجمات ارتفع بنسبة 24 في المئة الى 792 هجوما في الاسبوع كما قفز عدد القتلى والجرحى العراقيين بنسبة 51 في المئة الى زهاء 120 عراقيا يوميا.واستبعد مسؤولون اخرون خطر الحرب الأهلية معللين ذلك بكونه اقتتال طائفي لايرقى الى مستوى الحرب الاهلية ، وذكر التقرير ان بعض العراقيين اصبحوا حاليا يطلبون الحماية من متطرفين من الطائفة التي ينتمون اليها الامر الذي يقوض نفوذ الحكومة التي يرأسها نوري المالكي وذلك بعد ان اصبحت النسبة العظمى من اعمال العنف تستهدف المدنيين.
مايثير الاهتمام في هذا التقرير هو ان لدى القوات المتعددة الجنسيات الكثير من الخيارات التكتيكية والاستراتيجية في معالجة الحالة الامنية الا انه وكما يلمسه الشارع العراقي ،ان تلك القوات على جانب بعيد من الخطر المحيق بالمواطن العراقي وتزايد المجازر اليومية ،بالرغم من تدخلها بالخطط الامنية التي لم ترتقي الى مستوى الحدث اليومي .
أمام هذا الواقع تتجهم الوجوه كثيرا في محيط الخدمات العامة وتصاعد الازمات الخانقة التي تساهم فيها بعض الاعتلالات التي رافقت جوانب الإدارة الحكومية ،بسبب اختراقات القوى الغير موالية للعملية السياسية وهي تشكل الزخم الأكبر في الفساد الإداري اليد الأخرى للإرهاب في العراق ،ان لم نقل قاعدته ،فقد تعددت الولاءات وتجاذبت أطراف الصراع الخفي بالرغم من الدعوات الوطنية الصادقة لاكبر كتلة برلمانية وشعبية ،وقد شخصت وبكل دقة كل نقاط الخطر المحيط بالعملية السياسية وبالمصير العراقي ،فوضعت نصب عينها الجدوى الحقيقية من استيعاب القاعدة الشعبية دون تمييز ،بعد ان انعزلت قوى الارهاب الحقيقية وانحصرت بالبعث الصدامي وبمؤامراته الدموية وبالموجة التكفيرية المستمدة من المؤسسة الصدامية ،فتحولت الى وبال اصاب ابناء المذاهب والأديان جميعا دون تمييز ،وتلك الحصيلة النهائية لعقيدة البعث التي أكدت خسرانها المبين بالرغم من الدعوات القبلية للبعض في إلغاء قانون اجتثاث البعث وؤلئك هم وللأسف امتداد سياسي للإرهاب .ما يدعم السياسة الايجابية للحكومة العراقية وقوى الشعب العراقي ،موقف المرجعية الدينية المتمثلة بسماحة الامام السيستاني عبر توصياته الأخيرة لرئيس الوزراء وما تعنيه هذه التوصيات من تكليف شرعي ملزم للجميع ان كانوا فعلا يمتلكون الشعور بالولاء للعراق وشعبه ، قال بيان صادر من مكتب بانه قد ركز في حديثه مع رئيس الوزراء على الجوانب المهمة للمواطن بصورة مباشرة لاسيما في مجالي الامن والخدمات ، ففيما يتعلق بالوضع الامني فقد اشار سماحته الى بعض مكامن الخلل والقصور في الخطط الامنية السابقة مؤكدا على بناء القوى العسكرية والامنية العراقي على اسس وطنية سليمة , ومن العناصر الكفوءة والصالحة وتزويدها بما تحتاج اليه من اجهزة ومعدات , الى جانب وضع خطة مدروسة لجمع الاسلحة الغير مرخص فيها . وقال سماحته ان عدم قيام الحكومة بما هو واجبها في تامين الامن والنظام وحماية ارواح المواطنين يفسح المجال لتصدي قوى غيرها للقيام بهذه المهمة وهذا امر في غاية الخطورة،اما فيما يتعلق بالخدمات العامة فابدى سماحته تالمه البالغ لما يعانيه المواطنون من نقص شديد في جملة من الخدمات الاساسية التي يفترض ان تجعل الحكومة توفيرها من اهم اولوياتها ولاسيما الكهرباء والوقود طالبا ببذل اقصى الجهود في سبيل تخفيف معاناة المواطنين في هذا الجانب ،كما وتحدث سماحته عن الفساد الاداري وسوء استغلال السلطة فاكد على مكافحة هذا الداء العضال الذي يتسبب في ضياع جملة من موارد الدولة العراقية , وشدد على لزوم تمكين القضاء من ممارسة دوره في محاسبة الفاسدين ومعاقبتهم في اسرع وقت .
وقال سماحته في معرض حديثه عما ينبغي ان ينتهجه من هم في مواقع المسؤولية : ان المواطنين يتوقعون وهم على حق في ذلك ان يروا اعضاء مجلس النواب وكبار المسؤولين في الحكومة يشاطرونهم في معاناتهم ويشاركونهم في مصاعب الحياة ويستشهدون في ذلك بالامام علي عليه السلام الذي كان يقول ( أأقنع من نفسي بان يقال امير المؤمنين ولا اشاركهم في مكاره الدهر او اكون اسوة لهم في خشونة العيش .( مشيرا الى الاختلاف الفاحش في سلم الرواتب , حيث ينعم البعض برواتب كبيرة في الوقت الذي لا يحصل فيه المعظم على ما يفي بمتطلبات العيش الكريم مؤكدا على ضرورة علاج هذا المشكل بما يضمن العدالة الاجتماعية . وفيما يتعلق بالشان السياسي اشاد سماحته بمبادرة السيد رئيس الوزراء للمصالحة الوطنية مشددا على ضرورة تفعيلها على اساس القسط والعدل ونبذ العنف الذي يقصد من ورائه الحصول على مكاسب سياسية واحترام ارادة الشعب المتمثلة بالدستور الدائم للبلاد ونتائج الانتخابات التي انبثقت عنها الحكومة الوطنية الحالية .
الخلاصة هي ان بيان الامام السيستاني قد لخص ومن منطلق وطني الموقف من الحكومة ومن الدستور واعلن موقفه الايجابي من مسار العملية السياسية مشخصا عناصر الضعف والخلل في سلم الاولويات والاستحقاقات ،مباركا الحكومة على مبادرتها لاجراء المصالحة الوطنية وبذلك يتحقق العزل التام للارهاب عن مكونات الشعب بعد ان تبرءت منه فعلا..
https://telegram.me/buratha