قصة اختطاف الصحفيه جيل كارول و بتعليق بيتر كراير وهما الصحفيين في الكريستيان ساينس مونيترز نشرت هذه الجزء من المذكرات بعدد الكريستيان ساينس مونيتر في 18 اب 2006.
الاخوين المجاهدين
حراس جيل الاثنين كانا يشاهدان افلام الكارتون وقناة القران الكريم ولكن الضغط النفسي ازداد لان جيل ازدادت قلقا.
ابو كرار كان شابا يافعا وسمينا والظاهر انه كان حديثا على طريقة معيشة المجاهدين. لانه لم يكن حافظا للكثير من سور القرأن الكريم كرفيقه الاكبر عمرا. كان يسترق النظر على النساء اللتي يظهرن في القنوات الفضائيه في الاغاني المصوره عندما يعتقد انه لوحده ولايراه احد.
للتباهي كان يركض في المكان رافعا رجله اليمنى في الهواء ومحركا يديه بشكل غريب كاستعراض لحركات الكونك فو.
ابو حسن كان اكبر سنا ورياضيا ومكرسا حياته للجهاد كهدف اسمى. الظاهر انه كان من المحاربين القدماء بالرغم من كونه مثل ابو كرار يحب افلام الكارتون وبالاخص القط والفار توم وجيري. عندما يكون ضجرا وهو الغالب – كان يمسك تلفونه النقال كمكرفون ويسجل واقفا على الدرج وهو يعطي خطبة ناريه مزيفه وكأنه على منبر الجامع. ثم يستمع الى خطبته المسجله وكأنه كان خطيبا واماما معروفا.
هذان الرجلان كانا هما تقريبا الحارسان الثابتان على مراقبتي. كانا مسؤولان من قبل ابو احمد الذي هو احد ضباط القائد ابو نور. ابو احمد كان عالما اسلاميا وكان قد انتهى للتو من الترجمة الى العربيه كتاب سيرة حياة هنري كيسنجر ( وزير الخارجيه الامريكيه السابق) وكان يقرا كتاب ( كيف تكسب صديقا وتؤثر على الناس) للكاتب ديل كارنج.
هذان الحارسان لم يكونا موجودين في كل بيت تواجدت فيه ولكن حراس اخرين جاءؤا وذهبوا حتى عند تواجدهما. ولكن خلال فتره اختطافي قضيت معظم الوقت تحت حراستهما اكثر من اي شخص اخر. كانا المثالين القريبين مني اللذين اعطاني الصوره الحيه والحقيقيه عن حياة المجاهدين العراقيين.
ابو كرار وابو حسن كانا ناسا متصلبين ومختلفين بالرغم من ان كل واحد منهما ينادي الاخر بالاخ. في هذا كان المثالان على التغاير والتباين الذي شاهدته في المجموعه الاكبر من المجاهدين. بعض الاعضاء كانوا اذكياء والاخرين ليسو بهذا القدر والقليل كانوا مثقفين. على الاقل واحده كانت تشعر بالاسى من حياتها وطريقة معيشتها. على ما اعرف الجميع كانوا من المواطنيين العراقيين الاصليين.
بتحول الاسابيع من احتجازي الى اشهر كل من ابو كرار وابو حسن بدأ يزدادوا تعاسه وتوترا.كانوا ضجرين من واجب الحراسه وتعبيين من عدم المشاركه بفعاليات القتال. فقد ازدادوا حقارتا وسيطرتا علي. بنفس الوقت كانت حالتي تزداد ياسا وخوفا وغضبا حتى انني شعرت انني بدات افقد السيطره على نفسي.
النتيجه كانت اصطداما بيني وبين الاخويين المجاهدين ان لم يكن بالمحتوى فقد كان كاصطدام المراهقين بحيث لم نسمح لاي شارده او وارده ان تمر. كنا كالحيوانات السجينه في قفص مقفول عليها.
ادعى ابو كرار انه كان من ضمن الفريق الذي اختطفني وان كان صادقا الا انني لم اره. اتذكر انه كان الحارس الذي جلس عند باب غرفة نومي في اول ليله اختطفت فيها. على كل حال انه من الصعب نسيانه او تجاهله مع محيط البطن الذي يمتلكه والدال على طبيعه عادة الاكل لديه والوشم بالعربيه المكتوب على الجهه الداخليه من ذراعه الايسر. فقد اخبرني عند بداية اختطافي ان عمره 26 عام وانه غير متزوج . ثم تركني لفتره من الوقت من اجل زفافه على بنت عمرها 13 عام بالطريقه التقليديه وبدون معرفة العروسه سابقا .
لم يكن ابو كرار يعلم ما هو الايميل ولم يرى في حياته الكومبيوتر. فقد كان يتعجب من طريقة عمل فتاحة الاغذيه المعلبه. كنا نتحمل بعضنا البعض في بعض الوقت. بشكل عام اعتقد انه كان يتصرف كالطفل المدلل الذي يستمتع بفرض سيطرته على انسان اخر الذي هو انا.
عرفت منذ البداية ومنذ اليوم الاول لاختطافي ان ابو كرار استمر بالنظر خلسة من خلال الباب. افترضت انه يعمل هذا من اجل التأكد انني لا احاول الهرب. سمعت انه الافضل للرهينه ان يحاول ان يجعل الخاطفين ينظرون اليه كانسان وذلك بانتزاع العاطفه لذلك حاولت ان اتكلم معه وطلبت منه مساعدتي لتحسين لغتي العربيه.
كنت اشير الى الاشياء وهو يخبرني باسمائها العربيه. كنت منفتحه وحميمه معه ولكن اتضح لي فيما بعد انه كان خطأ فادحا. لايمكن ان تكوني بهذه الطريقه مع رجال يعيشون في هذه البيئه المحافظه. انهم على الاغلب يفسرونها بالاتجاه الخاطيء. كان كثير الطلبات وبحزم في بعض الاحيان. في احدى المرات انفتح الدبوس الذي يربط حجابي فبدأت احاول تثبيته.
صاح طالبا " كلا بدون حجاب"
نظرت الى الاسقل وهمست " كلا"
أعاد واكمل " بدون حجاب " ناظرا لي بعيون مفتوحه وواسعه وبجدية النبره.
للغربيين ممكن ان يفهموا انه تبادل كلام بريء. لكن بالمحتوى في مجتمع الشرق الاوسط المحافظ كان هذا تحرشا غير لائق. احتجت ان اوقفه بالكامل وبسرعه . انزلت رأسي ووضعت يدي على ركبتي وانا جالسه ولم احرك عضله واحده. اخيرا غادر الغرفه واغلق الباب ثم قفلها بالمفتاح. كان يعود كل ساعه او اكثر للتاكد ولم اجروء على النظر اليه حتى وبقيت جالسه كما انا.
ابو حسن, الذي التقيته لاحقا, كان اكبر عمرا اعتقد 32 عام وكان متزوجا ولديه اطفال.
ابو حسن , ليس كابو كرار الذي كان غير رياضي, كان نحيفا وقويا. اخبرني انه كان مدرب لياقة والعاب رياضيه. لسبب ما تولد لدي انطباع انه كان من نخبة صدام حسين للحرس الجمهوري. في البداية وجدته اكثر تعاطفا من الاخوين المجاهدين. عمره جعله يبدو اكثر نضجا او على الاقل اكثر مسؤوليه. فيما بعد لاحظت انه بحراسته لي كان هو حبيسا ايضا معي. كان هو مستقتل للقتال وتعتلوه حمى القياده في دقائق ثم يهدأ ويقرا الفاتحه وسور من القرأن الكريم.
العلاقه بين الاخوين المجاهدين ليست قائمه على التكافؤ. في كثير من الاحيان كان ابو حسن يعامل ابو كرار كأنه مجاهد تحت التدريب. فقد درب الرجل الاكبر ارجل الاصغر كيف يفرغ بندقيته من الاطلاقات وكيف يفككها. هذا كان عمل رائع من اجل سلامتي لان ابو كرار كان دائما يصوب بندقيته نحوي متظاهرا انه يطلق النار علي للتسليه.
ابو حسن كان يذهب في بعض الاحيان ليلا لزرع العبوات الناسفه ومن ثم يذهب خلال اليوم لتفجيرها. في احد الايام وعندما كنت في بيت النادي كما اسميه, قرر انه عليه الانتظار قبل المغادره لتفجير عبوته الناسفه. قائلا " انه هناك الكثير من الجنود الامريكيين متواجدين في الجوار"
قرر ابو كرار ان يمثل دور بطل من ابطال المجاهدين فاخذ الكوفيه وهو غطاء الراس التقليدي العربي وغطاء الوجه المفضل لدى المتمردين. ارتدى الكوفيه وبانقضاض مفاجيء معلنا انه ذاهبا لقتال الامريكان الان مهما كلف الامر. مثل الاستاذ الواقف والمواجه لتلميذه المتمرد , امسك ابو حسن بابوكرار من الكتف منتزعا الكوفيه رغم اعتراضه اذ لم يكن بوسع الرجل اليافع ان يختار وقت منازلته للامريكان. ابو حسن كان عارفا بمعنى ارتداء الكوفيه فهي كانت عباره عن علامة ضوئيه ضخمه لاي جندي امريكي لتقول له " اقتلني فانني من المجاهدين" .
بمرور مرحله الشهرين الكاملين كانت معنوياتي واطئه وبدأت بالاضمحلال بشكل حاد. احدى اكبر مشاكلي انني سمحت لنفسي بالامل. في اكثر من وقت, قال قائد المتمردين ابو نور ان اطلاق سراحي مسالة وقت لتثبيت بعض التفاصيل. وكنتيجه محتومه كان مزاجي مستعر فاطلاق سراحي لم يتحقق بسبب مشاكل غير معروفه فشعرت بالاسوء مما لو لم يخبرونني باي تفاصيل.
كانت هناك افلام الفديو التي صوروها لي. لقد انذهلوا عندما تزامن الفيلم الاول الذي اجبرتوا فيه على التوسل لاطلاق سراح النساء من سجن ابو غريب مع اطلاق خمس نساء من قبل الامريكان. بعد ذلك كانوا في حالة هيجان ليروا ماذا يمكنهم ان يحصلوا مقابل اطلاق سراحي. استمروا بتصويري بفلام فيديو مختلفه مع طلبات مختلفه. في احدها توسلت بالشعب الامريكي للمساعده بشكل عام. في فيلم اخر طلبت من ملك الاردن اطلاق سراح ساجده مبارك عطروس الرشاوي وهي المرأة التي حاولت تفجير فندق في عمان في 9 تشرين الثاني 2005 والتي فشلت سترتها الانتحاريه من التفجير وتم الامساك بها. في فيلم اخر استجديت وتوسلت برئيس الامارات العربيه بالتبرع والمساعده ومن ثم صورت فيلم اخر شجبت فيه الرئيس نفسه.
بينما كانت اربعه فقط من الافلام التي صورتها قد وصلت الى اجهزة الاعلام وعرضت الا انني كنت قد صورت درزن من الافلام بما فيها اعادات التصوير للافلام التي لم ينل بكائي رضى وقبول منتجين الافلام من المجاهدين. وكنت افزع من تصوير الافلام ليس بسبب انه من المخيف ان تتوسل من اجل الابقاء على حياتك امام الكاميرا ولكن بسبب انني علمت ان كل فيلم كان يعني المزيد من الانتظار كرهينه.
بالطبع كان هناك الخيار الاسوء وهو ان التهديد بالقتل وتحديد الموعد النهائي كان ممكن ان يكون حقيقيا.
بنفس الوقت علاقتي بحراسي ابو حسن وابو كرار بدأت تسوء ايضا. الاحباط والممل بدا يعمل على تاكل والقضاء ببط على التعامل الايجابي والحميمي الذي كانا يكناه نحوي. ففي البدايه كانا يتظاهران انني ضيفه لديهم. الان بدأوا يلقون النكت والتعليقات علي بالعربيه ظانيين انني لا افهم ما يتكلمون. انقلبوا علي ومحددين حريتي القليله كالتعرض للشمس والهواء النقي وحتى الفسحه الداخليه لتواجدي.
كان منطقهم ملتوي لبقائهم بسببي ومملهم لحراستي فارادوا معاقبتي لذلك السبب. لقد التمسوا لي الاعذار للشجار معي بطرق حقيره. ففي احد الايام وبينما كنا نحتسي الشاي, اخذت قدحي وبدأت احرك الملعقه باتجاه معاكس لعقرب الساعه كالمعتاد .
" كلا هذا خطأ" قائلا ابو كرار وهو نصف ضاحك.
" حركي الملعقه باتجاه عقرب الساعه"
كنت تعبة من هذا النوع من التصرفات. عند انتقالي الى بيت ابو احمد غرب الفلوجه انتهزت الفرصه للثار منهما وذلك بالهروب منهما بالاختلاط بالنساء . فزوج المرأة كان خارج البيت خلال اليوم وكان من المعيب تواجد رجال ليسوا اقارب حول المرأه باي حال من الاحوال.
لذلك كانت هذه الايام هي احلى ايام اختطافي. انا والمرأه غسلنا وقطعنا الخضروات و طبخنا ومسحنا الارض وعملنا الشاي ولعبنا مع ابنتها الصغيره. احسست بومضه من التعاطف منها عندما امتدحت قدرتي على تقشير البطاطا وعندما سئلتني عما ياكل الشعب الامريكي عند الافطار بينما كنا نعد الوجبة الصباحيه.
اذا تظاهرت بشكل متصلب وجامد فانني ساستغفل نفسي بالتفكير انني كنت ضيفه واعيش مع عائله عراقيه متوسطه بالكتابه عن حياتهم اليوميه. لكنني لم اكن ضيفه وانما كنت سجينه . وكان الحرس مصممين على الفوز علي بحرب الارادات.
بعد عدت ايام عدنا الى البيت الثاني والذي لم يكن فيه اي امرأه ولكن كان فيه العديد من الملوك الصغار الذين يصدرون الاوامر لي. بعد وصولنا قاموا باقفال باب غرفتي علي. كل المكتسبات التي حصلت عليها بمشقه قد ذهبت ادراج الريح. لقد سمحوا لي بالخروج للاكل ولكنهم لم يأكلوا معي. في الشرق الاوسط كان يعتبر هذا اهانه كبرى ولم يتكلموا معي عدا الاوامر الجافه.
بعد العشاء وبعد عودتي الى غرفتي التفيت وصحت مشتكيه " هذا ظلم , هذا ظلم".
كانت استرايجيتي وخطتي منذ البدايه ان اوضح واشدد انني انسانه. اعتقدت ان الطريقه الوحيده للنجاة بجعلهم يروون انني شخص وليس رمز للكراهيه. بهذه الطريقه كان علي ان اماشي الكثير ممن لااهتم بهم وباسئلتهم العديده:
" لماذا لم تسلمي الى الان"
"لماذا انت لا تحبيين الزرقاوي"
لماذا لاتريدين ان تسوقي سياره مفخخه"
بالاضافه الى كوني مختطفه ومترجمي اللن قد قتل فكان كل هذا وضع سخيف ومقرف.
بعد ان اغلقوا باب غرفتي فكرت تلك الليله وبينما انا على الفراش " لا استطيع الاستمرار بهذا الوضع".
" ان لن انجح بالفوز بهذا الوضع ومن الغباء المحاوله".
في صباح اليوم الثاني لم اطرق الباب للخروج وانتظرتهم ليبحثوا عني. عندما فعلوا ذلك ابقيت رأسي مطاطا الى الارض وذهبت الى الحمام. كنت صامته وهادئه كما كنت عند بداية اختطافي. كان علي الاحتفاظ بالنظر الى الهدف الاكبر وهو النجاة على الاستسلام.
الاخوين المجاهدين قد فازا بالمعركه معي . ولكن هذا لايعني انهم قد فازوا علي بالحرب في الايام اللاحقه. بدا نوم ابو حسن يقل شيءا فشيئا فكان يسحب مسدسه ويلعب به :
" لن يرحل الجنود الامريكيين من العراق" قال في احد الايام " سوف تمضي ثلاثمائه عام قبل ان يرحلوا" .
كانت هذه المره الاولى والتي اسمع فيها من احد المجاهدين بلهجه خاليه من التفاؤل بالمستقبل كالمعهود سماعه منهم.
ساءت حالتي وبدأت افقد رباطة جاشي . كنت اتكور بالفراش وابكي بحرقه وبصمت لانه لم يكن بامكاني ان ارفع صوتي بالبكاء فكنت ابكي وانا داخل البطانيه.
خلال كل الاسابيع والشهور لم اصلي ابدا. لانني اعتقدت انه من النفاق ان اعمل ذلك الان. كل عائلتي واقاربي كانوا من الكاثوليك ولكني لم اذهب الى الكنيسه لفتره طويله. لم اتربى على التدين العميق في الحقيقه. لكنني احتجت ان اهدأ من روعي. كنت اعلم ان عائلتي واصدقائي يعملون ما بوسعهم ولكنه ليس كافيا لانتشالي. فهم كانوا بالخارج وانا هنا بالداخل. على كل حال فكرت ان اطلب من الله القوة والصبر :
" اللهي شكرا لك ان ساعدتني على التحمل والاستمرار كل الايام السابقه"
واضفت قائله:
" ارجوك يالهي اعطني القوة والعزيمه للاستمرار"
"يا الهي ابقى مع عائلتي في هذه اللحظه واعطهم القوه"
"انا اعلم انني لم اطلب منك قبل هذا وانه ليس صحيحا مني ان اتيك الان لانني محتاجة حقا اليك الان"
" ارجوك يالهي ابقى معي في هذه اللحظه ولاتتركني, ارجوك يالهي ابقى معي في هذه اللحظه ولاتتركني".
https://telegram.me/buratha