هاشم السهلاني
الحمد لله بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها . الحمد لله مالك الملك لا شريك له إليه المصير . والصلاة والسلام على اشرف الأنام أبي القاسم محمد وعلى اله الكرام وصحبه ذوي الفضل وبعد .فالمتحدث عن سيدة نساء العالمين { فاطمة الزهراء}عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها أفضل الصلاة والسلام يقف بين أمرين • أما يوجز فلا يعطي الموضوع حقه • وأنى للإيجاز إن يحيط باليسير.اليسير من هذا البحر اللجب وإما إن يفصل وكم عساه يحتاج من الوقت والزمان لكي يقول ما يجب إن يقال , فعنــــــــــد فاطمة (ع) كلمات الله عز وجل وهو القائل في كتابه المجيد :أعوذ بالله من الشيطان الرجيمبسم الله الرحمن الرحيم{ولو إن ما في الأرض من شجر أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله } فكيف الإحاطة بهذا الأمر الجسيم ولكن نقول : إن مالا يدرك كله لا يترك جله .في حياة الزهراء عبر ودروس لنا جميعا"نغترف منها ما يجعلنا نحيا هذه الحياة بما يرضي الله تعالى عنا.ولدت الصديقة البتول من أبوين عظيمين سيد البشر بل سيد الكون شفيعنا وعظيمة عصرها خديجة بنت خويلد وفي ظلهما ترعرعت . فكيف تكون النشأة وهل هناك ما هو أعظم.عاشت معهما سنوات الحصار والدعوة الأولى .وبعد فقدانها لامها الحنون عليها وعليها على أبيها . اضطلعت بأعظم مهمة في الكون وهي رعاية أبيها رسول الله حتى سماها { أم أبيها }أي لقب ٍ هذا وأية منزلة تلك وأي عظمة اختارها الله لهذا الدور .لا يمكن إن تصلح لهذا الدور إلا فاطمة ابنة أعظم نبي بعث رحمة للعلمين وزوجة أعظم وصي في الخلق أجمعين وأم أعظم إمامين سيدى شباب أهل الجنة .إننا مدعوون جميعا" لان تكون مولاتنا فاطمة قدوتنا وان تكون لنا أسوة" حسنة رجالا" ونساء" .. لماذا نتخذ من الزهراء قدوة" ؟سؤال وجيه والإجابة عليه تقودنا إلى منزلة الزهراء أولا" و إعمال الزهراء ثانيا" وهذا ما نحاول الاقتراب منه والتطلع إليه ففي منزلة الزهراء هناك محاور عده.ففي القرآن الكريم فاطمة هي الكوثر وقد روى المفسرون إن العاص بن وائل كان يقول لصناديد قريش { إن محمدا" أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده فإذا مات انقطع ذكره واسترحتم منه } وهذا قول ابن عباس وعامة أهل التفسير .وقد قال الفخر الرازي بهذا القول ضمن أقوال أخرى حيث قال مانصه { الكوثر أولاده فالمعنى إن يعطيه نسلا" يبقون على مر الزمن } ثم قال {فانظر كم قتل من أهل البيت ؟ ثم العالم ممتلئ منهم } وفي سورة الدهر فاطمة وبعلها وبنوها صاموا ثلاثة أيام بلا طعام في قصة معروفة حيث أعطوا إفطارهم للمسكين واليتيم والأسير فلما أصبحوا اخذ علي بيد الحسن والحسين واقبلوا إلى رسول الله فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع .قال { مااشد ما يسؤوني ما أرى بكم } وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءهُ ذلك فنزل جبريل ثم قال { خذها يا محمــــــــد هـــــــــــــــنأك الله في أهل بيتك }فأقرأه ألسوره وفيها (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء"و لا شكورا) و نخفي عليكم حديث الكساء و اية التطهير. ثم اية المباهلة حيث اخرجها رسول الله (ص) مع زوجها و ابنيها ليباهل بهم نصارى نجران حيث قال كبير النصارى لجماعته{لا تباهلوهم فاني أرى وجوها" لو دعت على جبل لأزاله الله من مكانه }.روى جابر إن إعرابيا" جاء إلى النبي فقال يامحمد أعرض علي الإسلام قال تشهد إن لا اله إلا الله وحد لا شريك له وان محمدا" عبده ورسوله . قال: تسألني عليه أجرا" ؟ قال لا إلا المودة في القربى . قال قرباي أو قرباك ؟ قال قرباي قال : هات أبايعك فعلى من لا يحبك ولا يحب قرباك لعنه الله .قال آمين .انتهت الرواية . وذكر الزمخشري : إن هذه الآية { قل لا أسألكم عليه أجرا" إلا المودة في القربى } لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم .قال { علي وفاطمة وابناهما } .تلك منزلة الزهراءفي القرآن الكريم .وليس لمنكر إن ينكر ذلك .إما في السنة النبوية والأحاديث الشريفة فهناك ما لا يحصى من المتواتر الذي لا يدع لقائل قولا".قال : {فاطم بضعة مني من إذاها فقد إذاني ومن أحبها فقد أحبني }قال : {إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها } قال : {فاطمة سيدة نساء العالمين }وقد تواترت هذه الأحاديث الواضحة الصريحة في كتب الحديث والسير ة. إن هذه النصوص النبوية شاهد أكيد على عصمة مولاتنا . إذ كيف يغضب الله لغضب فاطمة إن لم يكن غضبها لله وحده . يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: { وأكرم رسول الله فاطمة إكراما" عظيما"أكثر مما كان الناس يظنونه حتى خرج بها عن حب الإباء للأولاد . فقال لمحضر الخاص والعام مرارا" لا مرة واحدة وفي مقامات مختلفة لا مقام واحد { أنها سيدة نساء العالمين } وإنها عديلة مريم بنت عمران . وإنها إذا مرت في الموقف نادى مناد من جهة العرش : يا أهل الموقف غضوا إبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد . وهذا من الأحاديث الصحيحة وليس من الإخبار المستضعفة . انتهى قول ابن أبي الحديد .هذا عن منزلتها عليها السلام وهو غيض من فيض . أذلا يمكن للباحث إن يستوفي جوانب تلك المنزلة العظيمة . وفي المحور الثاني للبحث اعمالها التي تصلح لنا كقدوة ومنهاج وفي حياتها المفعمة بالعطاء كانت تمثل اشرف ما في المرأةِ من كرامة وإنسانية وقداسة وحازت على كمال العقل وجمال الروح وكرم المحتد . فقد عاشت في كنف رسول الله تشاركه حياته بكل دقائقها من البعثة إلى الوفاة ولم تعش بعده طويلا" .عن عائشة قالت { ما رأيت أحدا" من خلق الله أشبه حديثا" وكلاما" برسول الله من فاطمة . وكانت إذا دخلت عليه اخذ بيدها فقبلها ورحب بها وأجلسها في مجلسه } انتهت رواية عائشة .وعرفت عليها السلام بصبرها على البلاء وشكرها عند الرخاء ورضاها بواقع القضاء .وكانت تروي عن أبيها : {إن الله إذا أحب عبدا" ابتلاه فإذا صبر اجتباه وان رضي اصطفاه }وجاء في الخبر إذ شيخا" من مهاجرة العرب اقبل على رسول الله وهو جالس مع أصحابه في المسجد في أسمال خَلِقه فقال {يانبي الله إني جائع الكبد فأطعمني وعاري الجسد فاكسني } فارشده رسول الله إلى بيت فاطمة وكانت هي ورسول الله وعليا" صلوات ربي عليهم لهم ثلاثة أيام طعموا فيها طعاما" فسألها ماسأل رسول الله فعمدت إلى عقد في عنقها أهدته لها عمتها فاطمة بنت حمزة بنت عبد المطلب فقطعته وأعطته للسائل وقالت {خذ وبعه } . فأخذ الإعرابي العقد فاشتراه منه عمار بن ياسر بعشرين دينارا" ومئتي درهم وبردة يمانية وأشبعه خبزا" ولحما" على راحلته تبلغه أهله . وعمد عمار إلى العقد فطيبه بالمسك ولفه في بردة يمانية ودفعه إلى مملوكه {سهم } وقال له : { خذه وادفعه إلى رسول الله وأنت له } فأخذه المملوك العقد وذهب إلى رسول الله فأخبره الخبر فقال رسول الله : { انطلق إلى فاطمة بالعقد واخبرها بقبول رسول الله فأخذت العقد وأعتقت المملوك .فضحك الغلام قالت { ما يضحكك } قال { عظم بركة هذا العقد . اشبع جائعا" . وكسى عريانا" . واغنى فقيرا" . واعتق عبدا" ورجع إلى ربه }يقصد صاحبته . وعند ما ابتاع لهامولانا أمير المؤمنين فضة خادمة" بعد إن تقرحت يداها من طحن الحبوب . وثقلت عليها أعباء المنزل والأولاد وكانت تجعل الإعمال مناصفة" بينها وبين فضه . ولا تتركها تعمل لوحدها فكانت تقاسمها يوما" بيوم .وفي عبادتها . عن الإمام الحسين { رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشئ فقلت لها يا أماه لما لاتدعين لنفسك كما تدعين لغيرك . فقالــــــت { يا بني الجار قبل الدار } وقال الحسن البصري :{ما كان في هذه الأمة اعبد من فاطمة }. كانت تقوم حتى تورمت قدماها . وقد كانت حياتها عبادة متواصلة . تعبد الله في حسن التبعل . وفي تربية أولادها وفي قيامها بالخدمات العامة . كانت تطيع الله وتعبده أيضا" . كما أنها في مواساتها للفقراء كانت تقوم بعبادة الله بنفسها وبأهل بيتها مؤثرة" على نفسها . وماذا بعد كل ما قلناه : ؟ هل بلغنا من قولنا إن نفي بعض حق فاطمة أو إن نسلط الضوء على جوانب حياتها الربانية المقدسة . أبدا" وليس لمدعٍ إن يدعي مثل ذلك . لكننا حاولنا إن نقترب من عظمة سيدتنا ومولاتنا لنقتبس من نورها شعاعا"ينير قلوبنا ويشرح صدورنا ويطلق ألسنتنا بمدد منها ومن أبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها فينعكس ذلك على سلوكنا اقتداء ً بسيدة النساء وبضعة الرسول . رزقنا الله وإياكم شفاعة سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء البتول وجعلنا وإياكم ممن تلتقطه يوم المحشر فتدخله الجنة واستغفر الله لي ولكم . {وآخر دعوانـــــــــــــــــــــــــــــــــــا إن الحمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد لله رب العالمين}
https://telegram.me/buratha