علاء الموسوي
في خضم دعوات التغيير للهيكلية السياسية المقبلة في العراق، يأتي الحديث عن طبيعة تلك الدعوات ومدى مصداقيتها على أرض الواقع ، محل جدل لدى كثير من المراقبين والمطلعين على واقعنا السياسي، وما يعانيه من أزمة ثقة مستفحلة بين أطرافه، فمن دعوات تغيير الدستور وإنهاء الاصطفافات الطائفية للكتل والسماح للبعثيين من ممارسة عملهم السياسي مجددا، إلى الدعوة الأخيرة التي اطلقها رئيس الوزراء نوري المالكي من الدعوة الى اعتماد النظام الرئاسي بدلا من البرلماني، وإنهاء ملف التحاصص الطائفي، وإلغاء كل الامتيازات التوافقية في هرم السلطة الحاكمة، لتشمل المقاييس العامة التي انطلقت منها اللبنة الأولى للتجربة العراقية الجديدة.دعوات التغيير جاءت لتكشف عما هو مخبوء داخل جميع الأحزاب السياسية التي بدأت تدرك جيدا مدى النفور الشعبي لآلياتها المتبعة من خلال المدة الماضية، وهذا ما شجع المالكي للإعلان عن تلك النوايا التي منع الخجل والتردد عند بقية الأحزاب من الافصاح بها. وعلى الرغم من ان تلك الدعوات تمثل منحى تطوريا في العقلية السياسية التي تحكم العراق اليوم، إلا انها لم تكشف عن الأسباب التي قادتها إلى الجنوح نحو التغيير في مدة قياسية لا تتجاوز عامين من عمر أول حكومة منتخبة .. وهل يا ترى هذا الدعوات جاءت نتيجة نضج سياسي يحاكي دعوات التغيير، أو انها نتيجة حتمية للعوق السياسي المبتلى فيه الواقع العراقي اثر التحاصص الطائفي وطغيان الطائفية السياسية على مصالح الشعب والامة؟.ما ينسجه لنا الواقع من شواهد النزاع والتخاصم بين الاطراف السياسية، يدفعنا إلى الشك نحو أي دعوة تريد إيجاد واقع مغاير لما نلمسه اليوم، إذ وصل الحال إلى ان تدرج ممارسة مجلس النواب لدوره الرقابي في محاسبة المسؤولين، في خانة المزايدات والضغوط السياسية على بعض المكونات الأخرى، بغية تحقيق مآرب ذاتية لا علاقة لها بدعوات الإصلاح والمراقبة!.الحكومة تطالب اليوم على لسان ممثلها بإجراء تعديل وزاري، مطالبة الكتل السياسية في ذلك، في حين لم يتبق لشرعية هذه الولاية إلا اشهر معدودة. الأمر الذي يجعلها في موضع الشك والريبة، هل يا ترى هذه الدعوات غايتها انتخابية أو اصلاحية، وإن كانت كذلك فلماذا تأخرت ولم تستبق العامل الزمني في إعادة وبناء هيكلية جديدة لحكومتها.لا يختلف اثنان حول ما حققته حكومة المالكي من انجازات كبيرة في مجال الأمن وتعزيز التجربة الديمقراطية في البلاد، وهذا ما يجعلنا نشد على أيدي رئيس الوزراء في أن يسعى لإزالة الغموض الذي يعتلي مشروعه السياسي المقبل، والذي لا نعلم إلى اليوم هل هو مشروع حزب أو شخص يحاول التجرد من اردية الولاء والطاعة لمذهبه وقوميته والحزب المنتمي إليه.
من اليسير أن يشهد العراق شخصا متمردا على جميع الاملاءات الأخرى في ظل الديمقراطية المتاحة للجميع، لكن من الصعب ان نتخيل حكومة مستفردة بقرارات الحزب والشخص الواحد، فالسعي إلى الغاء مفهوم التوافقية في العراق يحتاج بحد ذاته إلى توافقية سياسية محلية وإقليمية في ذلك، وهذا ما يجعل توقع حصول تغيير حقيقي في العراقي أمرا شبه مستحيل في ظل وجود تخندقات واسعة داخل منظومة العمل السياسي المشترك في العراق.المفروض أن يستبق أي عملية تغييرية في طبيعة العمل السياسي ، مجموعة مقدمات في سبيل انضاج ذلك التغيير وإبعاده عن التسييس الفئوي. لعل أهم تلك المقدمات هي الابتعاد عن التفكير بأفق ضيق، وإلغاء حواجز الخوف والتهميش من الآخر، فضلا عن طي صفحة الماضي وإزالة عقده الملغومة بين الفرقاء، وبين ثنايا مشاركتهم السياسية، حين ذلك سندرك ان موضوعة التغيير جاءت لتبرمج تلك المظاهر الحسنة إلى واقع فعلي يرسخ مفهوم التجدد والحيوية السياسية.
https://telegram.me/buratha