( بقلم المحامي طالب الوحيلي )
بالرغم من ان الحديث عن الواقع العراقي بكافة منعطفاته ومساحاته وإحداثه اليومية قد يستغرق كل حديث عن ما يجري في العالم من احداث وإرهاصات الا فيما يتصل بمجريات الأمور ،فان احداث لبنان قد فرضت نفسها بالتزاحم والتزامن مع المفردات اليومية للكوارث التي يعيشها المواطن العراقي عبر سلسلة الجرائم الإرهابية التي يرتكبها اعداء الشعب العراقي الذين توحدوا مع العدو الإسرائيلي في استباحة الدم العربي والإسلامي على وجه التخصيص،فبالرغم من انصراف مشاعر جميع العرب الذين تجيش بهم مشاعر الانعتاق من وطء الهزيمة التي عششت في داخلهم عبر المعارك العربية الإسرائيلية التي انتهت بالنكسات والنكبات والتنازلات والاحتلال ،حتى خيل للجميع استحالة منازلة ذلك العدو الخرافي بالرغم من ضآلته وصغره أما القدرات العربية الهائلة التي لم تستثمر مطلقا في التصدي لها ،بالرغم من ذلك الشعور كله ،انفرد أعداء الشعب العراقي بتصعيد جرائمهم الإرهابية طيلة الأسابيع التي شهدت صمود المقاومة اللبناني ضد الهجمة الإسرائيلية الشرسة ،فتناغمت الفعاليات الجرمية التي وقعت في قانا وغيرها من مدن لبنان ،مع المجازر التي وقعت في بغداد والمدن الأخرى،وعلى وفق محاكاة بشعة للعدوان الإسرائيلي ،وفيما دعت كل المرجعيات الدينية وحتى المتطرفة منها الى نبذ الفرقة المذهبية والنظر الى المقاومة اللبنانية من منطلق إسلامي صرف ،وقفت على الضد قوى الإرهاب الطائفي في العراق مركزة على تصعيد وتيرة القتل والتدمير على الهوية .
انتصار المقاومة اللبنانية على العدوان الإسرائيلي ،اسقط الكثير من الأوهام العربية والعالمية ،ووضع المؤسسة الدولية الداعمة لإسرائيل أمام إعادة النظر الجدي بإستراتيجيتها السابقة ،وذلك يعني الشيء الكثير ،وكان ذلك اختبار جديد لصراعها مع الشعوب المستضعفة التي لامتلك سوى عقيدتها وإيمانها بحقها في العيش بسلام في عالم استحوذت عليه القوة الغاشمة للعولمة الرأسمالية التي حلت بديلا معدلا للاستعمار او للهيمنة الامبريالية التقليدية لاسيما بعد انهيار المعسكر الاشتراكي في العالم ،وتبلور معسكر الشعوب الباحثة عن الحرية والسلام والتمتع بوجودها كعضو في المجتمع الإنساني .
اللعبة الإسرائيلية لم تكن وليدة فعل آني حدث خلال اسر جنديين من قبل المقاومة اللبنانية ،فالمعروف عن التكتيكات الإسرائيلية هي قدرتها على انتقاء الزمان والمكان لاعلان حرب كهذه ،قد تفتح عليها الكثير من الجبهات ،وعليه فانها لابد ان تكون مستعدة باكمل قدراتها وقد تعبأت عسكريا ولوجستيا واعلاميا لسحق القوة الوحيدة التي مازالت في تماس مستمر معها ،واستثمار ما يمكن ان تكتسحه من ارضي تكفيها من خطر صواريخ حزب الله،وما الى ذلك من استثمارات عسكرية وسياسية تتعدى المصالح الإسرائيلية الى مصلحة الدولة الراعية التي استنفرت كل إمكاناتها السياسية في تحييد المجتمع الدولي ومجلس الامن والامم المتحدة .الا ان النتائج الباهرة التي خرجت بها المقاومة اللبنانية قد أسقطت جميع التوقعات ،وفتحت أبوابا للتكهن والاستنتاج للمستقبل وما يمكن ان يحققه هذا الانتصار الذي تضافرت به الجهود اللبنانية بالرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بالبنى التحتية فضلا عن الدماء الطاهرة التي قدمها الشعب طيلة خمسة وثلاثين يوما ،وما أعلنوه من توحد مع قيادة المقاومة لاسيما الموقف الحكومي الذي اقر بان العدوان هو مبيت للبنان وليس لفئة او لشخص ما ،وهو موقف مغاير للقوى السياسية التي مازالت لم تغادر مواقفها الانهزامية والبحث عن مثالب الآخرين ،وقد راحوا يتباكون ويكيلون الاتهامات الى سوريا وايران وصراعها الخفي والمعلن مع اسرائيل ،بل انصرفوا مجافين الانتصار الوحيد للعرب على على عدوهم التقليدي ،الى تصعيد ينم عن الخيبة والحسد للقوى المنتصرة ،ويكفي لبنان فخر ان توافق اسرائيل على شروط وقف اطلاق النار بتحفظ على بعض بنوده ،وهي سابقة في السياسة الاسرائيلية التي لم تجبر يوما على التحفظ على امر يكون طرفه عربي .
ولعل الاستراتيجيين العسكريين المصريين خير شهود على الحسم العسكري للمقاومة اللبنانية،فقد اجمع هؤلاء على ان الحرب التي خاضها حزب الله ضد قوات الكيان الصهيوني احدثت انقلابا استراتيجيا في الدراسات العسكرية والإستراتيجية خاصة فيما يتعلق بحسابات موازين القوي والتسليح بين الأطراف المتنازعة او المتحاربة، فمن جانبه قال اللواء اركان حرب جمال مظلوم خبير التسليح ومدير مركز الدراسات ألإستراتيجية بالقوات المسلحة المصرية ووكيل "مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية" ان الحرب التي جرت بين حزب الله واسرائيل توكد مجددا ان العدو الرئيسي لنا وهو إسرائيل يمكن التغلب عليه بسهولة شديدة حتى بحسابات موازين القوي التقليدية والعادية وذلك اذا توافرت الارادة السياسية الحقيقية لدي الانظمه العربيه.. وما فعله حزب الله الآن مثل إحراجا شديدا لكل تلك الانظمة التي وصفته في البداية بالمغامر والمتسرع وخلافه. واضاف اللواء مظلوم، لو ان اسرائيل تمتلك من ثلاثه آلاف الي اربعه آلاف دبابه فان الدول العربيه تمتلك اكثر من خمسة عشر الف دبابه وان كان هناك بعض الاختلافات في النوعيات.. واسرائيل لا تمتلك اكثر من خمسمائة طائره مقاتله في حين ان الدول العربيه تمتلك من الفين الي ثلاثه آلاف مع ملاحظه ان مصر والسعودية والبحرين تمتلك طائرات اف 16الامريكية الحديثة.
ويؤكد خبير التسليح المصري انه لو ان الدول العربية اتفقت سياسيا فسوف تقضي علي اسرائيل حتما. وعبر اللواء مظلوم عن استيائه من أوضاع العرب قائلا: ان الدول العربية تنفق ما بين خمسين الى ستين مليار دولار على الدفاع باستثناء السودان وجيبوتي والصومال ولا يوجد لدى جميع الدول العربيه مصنع سيارات واحد، في حين ان اسرائيل لديها احدث دبابه على مستوي العالم (ميركافا) ولديها احدث صواريخ (اريحا) ونحن نجلس نتفرج عليهم وان دولا اخري مثل تركيا قامت جميعا بصنع صواريخ متطوره ولا توجد دوله عربيه واحده ارادت ان تشارك في زحام تصنيع الاسلحة او التصنيع عموما.
تقول الدكتورة سعاد خيري في مقال لها تشيد بالانتصار الكبير للمقاومة اللبنانية (اكدت جميع تجارب البشرية عبر التاريخ ان صيانة النصر أصعب من إحرازه . وهذه حقيقة تاريخية كبدت البشرية ملايين التضحيات من اجل ادراكها . فكل نصر استراتيجي هو ذروة الصراع بين قوتين متناقضتين رئيسيتين تضم كل منهما حولها العديد من القوى والأدوات)وبغض النظر عن تحليلها لحركة التأريخ ،فان ماذهبت اليه يصيب كبد الحقيقة ،لكون العبرة لما بعد تحقيق النصر وما سوف يقع من تداعيات او مزايدات بين الطرف الغالب الذي لابد ان ينغمر بنشوة الانتصار كثيرا حتى يهيم في تصورات تفوق قدراته الواقعية ،وتضعه امام حسابات الطرف المغلوب الذي لا يمكن ان تمر خسارته دو ان تجبره باعادة النظر بحساباته السابقة وتدعوه الى تغيير الكثير منها بصورة جذرية،فيما تضعه أمام أعداء جدد هالتهم القوة التي حسم بها انتصاره ، (فالركائز الاجتماعية للامبريالية والصهيونية في لبنان التي اخرستها بطولات المقاومة ووحدة الشعب ستجد في كل ثغرة منفذا لانقاذ اسيادها من الهزيمة وتحويله الى نصر والانظمة العربية وقواعدها ستنبري بمختلف المشاريع والادعاءات لتفتيت صفوف الشعب اللبناني السند الرئيس لحماية الانتصار وتطويره. فضلا عن السياسيين المحرفيين الذين يستخدمون كل وسائل التضليل الفكري لحرف نضالات الشعب ووحدته )..
ولعل تجارب الانتصار في الواقع العراقي دليل جيد لهذا الراي ،فقد تحقق النصر بسقوط النظام البائد ،وتحقق نصر آخر باستلام القوى الوطنية زمام الامر عبر حكومات مختلفة ،وعبر انتصارات شعبية كبيرة في حساباتها ومقاييسها ،ولكن للاسف يشعر المواطن العراقي بعدم ادامة تلك الانتصارات ممن خلال استفحال الكثير من المشاكل التي وضعت لاستهداف ما حققه الشعب ،فضلا عن عدم استثماره بشكل دقيق في التحول الى مواقع اخرى اكثر تبلورا في اتمام الاهداف التي طالما حلم بها العراقيون جميعا في بناء النظام السياسي النموذجي .
https://telegram.me/buratha