المقالات

في ظلال المولد العلوي: يتجدد التشيع ليجاهد المستكبرين

1889 20:05:00 2006-08-11

( بقلم: المهندس غريبي مراد عبد الملك )

تمر هذه الأيام ذكرى مولد إمام المتقين، أسد الله الغالب، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام، وصي النبي و أخوه و نفسه و زوج الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام و أبو سيدي شباب أهل الجنة عليهما السلام، هازم قريش يوم بدر و قاصم شعث الأحزاب و حامي و فادي رسول الله ليلة الهجرة و يوم أحد و قاهر اليهود يوم خيبر و القاسطين يوم الجمل و صفين و النهروان، إنه علي ولي الله ، الذي عاش حياته كما عاشها النبي الأكرم (ص) من أجل الله و دين الله و حمل عباد الله على الحق و العدل و الإسلام دين الله ، فاستطاع أن يملأ الدنيا تقى و ورعا و علما و إيمانا كما ملأها جهادا في سبيل الله و لأجل وعي المسلمين للمواقف و المواقع و المسؤوليات العظيمة و في سبيل مواجهة الظلم كله (الكفر ، الشرك، الضلال و الاستكبار) الذي يعمل لأجل انحراف المسلم عن خط الرسالة المحمدية الأصيلة.

هذه الأيام هي أيام الإكبار و الإجلال و السمو و الصفاء الروحي و التعمق العقلي في سيرة الطهر الإمامي و الشعور الإنساني باللطف الإلهي. يوم علي عليه السلام هو يوم التطلع إلى الإسلام الأصيل الذي يملأ عقل الإنسان كله و حياته كلها بما يرضي الله، لان حياة أمير المؤمنين عليه السلام ليس فيها شيء لغير الله، و حتى نفسه فقد كانت (نفسه) الزكية الطاهرة بكلها لله تعالى و عقله للحق و قلبه للخير و حياته اتسعت لتحتضن الإنسان كله...

"و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله و الله رؤوف بالعباد" (البقرة/207)، هذه الآية الكريمة و غيرها من آيات الذكر الحكيم كآية الولاية (التصديق: المائدة/55) تذكر الروايات عن طريق السنة و الشيعة،أنها نزلت بحق علي بن أبي طالب عليه السلام. و أغلب الآيات النازلة بحق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام تتحدث عن علاقته عليه السلام بالله تبارك و تعالى، و بعبارة أدق و أهدى تحدثت هذه الآية و أخواتها عن سر الولاية و جوهرها و أبعادها من خلال الإيحاء للتجربة الإيمانية و آفاقها الرسالية العظيمة في شخصية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، و التي رسمت الحقيقة الإسلامية و العظمة المحمدية و التقوى الإسلامية في كل جزئيات سيرة أمير المؤمنين و سيد الوصيين عليه الصلاة و السلام.

و من خلال هذا الحديث القرآني الخاص عن شخصية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، نستوحي تلك الحقائق و المنبهات الحديثية لموقع هذه الشخصية العظيمة في منظومة الحركة الإسلامية عبر الزمن كله."أنا مدينة العلم و علي بابها"، "من كنت مولاه فهذا علي مولاه..."، "علي مع الحق و الحق مع علي ..."" برز الإيمان كله للشرك كله" و ما هنالك مما تعجز عن حصره و ذكره الأسفار و تكل عن شرحه العقول و الألسن و تنكسر الأعداء لو حاولت طمسه...

إنه علي وليد الكعبة، أخ سيد الخلق كلهم، زوج أم أبيها و أبو إمامي الهدى عليهم الصلاة و السلام أجمعين...علي بكله: الإيمان و اليقين و الإخلاص و الإسلام و الإنسانية و...و، التي تختزن كلها حقائق الحق و إنسان الجنة و ولي الله و تجلي حقائق النبوة في الناس .

كان علي عليه السلام المؤمن المسؤول عن الوحدة و الحق و العدل و السلم و الرسالة كلها، و هذا ما نلمسه في كلماته الرحبة التي قالها عليه السلام :" فو الله ما دفعت الحرب يوما إلا و أنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي و تعشوا إلى ضوئي ، احب إلي من أن أقاتلها على ضلالها و إن كانت تبوء بآثامها" "لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين و لم يكن بها جور إلا علي خاصة"

" فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام و أهله و أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون به المصيبة علي أعظم من فوت ولايتكم هذه التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها مازال كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب"لنحدق جيدا ليقين علي و حب علي و إسلام علي، حيث يقول عليه السلام:"لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا" و بهذا يبقى بجنب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في بحار العرفان الإلهي و المعرفة القدسية و القرب الإلهي.

و نكتشف أيضا من قول النبي صلى الله عليه و آله " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله " ماذا يحب علي عليه السلام. و لذلك قال علي عليه السلام للناس: " ليس أمري و أمركم واحد، أريدكم لله و تريدونني لأنفسكم"فشخص علي عليه السلام هو أعظم نموذج للعبودية الخالصة لله بأسمى معانيها، لا يتقدمه أحد في ذلك إلا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. و لهذا أشغال علي و علاقاته و حساباته و حركاته كلها مرتبطة بالله تعالى و برسوله القدوة و الخلق العظيم الذي إستمد منه علي عليه السلام العلم و تربع على عرش القرب من حبيب الله و بالتالي إكتسابه وسام الحب الإلهي عن جدارة و إستحقاق ، فكان من رسول الله صلى الله عليه و آله بمنزلة هارون من موسى دون النبوة، لأن علي عاش رسول الله (ص) كله منذ أن كان طفلا إلى أن كبر، لقد إحتضنه المصطفى (ص) فأعطاه عقله و روحانيته و قلبه...."كان يلقي إلي في كل يوم علما أو خلقا من أخلاقه"

إننا أيها الإخوة ، لا يمكننا معرفة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم كله دون أن نعرف علي أمير المؤمنين عليه السلام ، لذلك لا يمكن لعلي عليه السلام أن يغيب عنا حتى نبقى في رحاب الإسلام المحمدي ...و تجربتي الشخصية من قبل ركوب سفينة النجاة (التي أعتقد أنني ركبتها بالفطرة لكنني نزلت منها عند تقليدي الأعمى لوسطي الاجتماعي) كنت أشعر أن علي عليه السلام حاضرا في حياتي كلها أميل لعلي عليه السلام أكثر من أي شخصية أخرى من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله و سلم، رغم تسنني الضاغط آنذاك على قيمة علي العظيمة في وجداني... كانت تجربة مريرة و عظيمة في آن واحد لانها تختزن الميلاد الجديد للإسلام كله بداخلي و كانت سرا أصلح ما فسد مني ، فعلي عليه السلام نور من نور المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم يضيء بقوة و لطف إلهيين ...قد يحمله كل مسلم لكن كل حسب وعيه و إهتمامه بمصيره الأخروي...لكنني الحمد لله ذات يوم قلت لبيك يا علي بعد لبيك يا محمد التي كنت أظلمها من حيث جهلي بكنهها، حينها أدركت أن حياة النبي صلى الله عليه و آله و علي و أهل البيت عليهم السلام هي حياة أعظم و أكبر و أتقى و أنقى و أطهر من حياة الكثير ممن روج لهم التاريخ الإسلامي.

و إلتقيت بإمام المتقين عليه السلام من خلال سيرته العطرة التي استقرت بداخلي لتعينني على أن يكون إيماني مستقرا لا مستودعا و نهلت من كلماته العرفانية العقلانية الواقعية الهادفة التي لا يحدها زمان و لا مكان ، فكان حديثي عن علي عليه السلام مع الموالين و العامة و غير المسلمين حديثا طبيعيا ليس فيه من التكلف شيء، لأن حديث علي عذب فرات و حديث ورع و إجتهاد و عفة و سداد، يفضي بسامعه لولوج رحاب علي عليه السلام برحابة ولطافة، فكان و الحق يقال علي من شيعني ، كما كتبتها في مقدمة مذكراتي (إرادة التشيع، قيد التحرير).

أيها الأحبة، من أراد معرفة علي عليه السلام فليقرأ أدعيته التي كان يدعو الله بها ليعرف لماذا علي عليه السلام و ليس غيره ؟؟ علي عليه السلام و ليس غيره لأنه يقول: "اللهم إنك أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، و إغفر لي ما لا يعلمون" و يقول أيضا: " اللهم إني أعوذ بك من أن تحسن في لامعة العيون علانيتي و تقبح فيما أبطن لك سريرتي محافظا على رئاء الناس من نفسي بجميع ما أنت مطلع عليه مني فأبدي للناس حسن مظهري و أفضي إليك بسوء عملي تقربا إلى عبادك و تباعدا عن مرضاتك"

إنه علي الإمام و الولي و العالم و الوصي و الوزير، يتحدث عن الإنسان التائه من خلاله ليرشد هذا الإنسان إلى الهدى و ترك الضلال و الهوى....لابد أن يسترشد كل منا بعلي الإمام و علي الولي و علي المعصوم، لينطلق في مدارج الكمال و الطهر و الصفاء و الأمن و الحق. علي هو نور من أنوار الله للمستوحشين في الظلمعلي هو عالم علمه الله علم رسوله فلم يعلمه أحد غير الله من خلال نبيه"علمني رسول الله ألف باب من العلم فتح لي من كل باب ألف باب " و كما قال الفراهيدي:(احتياج الكل إليه و استغناؤه عن الكل دليل أنه إمام الكل)"إن هاهنا لعلما جما ما أصبت له حملة"و يبقى علي عليه السلام بسموه كله و يسمو معه كل من والاه بحق و صدق و عدل و هو القائل سلام الله عليه :"لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني و لو صبت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني و ذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن و لا يحبك منافق"

أيها الأحبة: علي مصباح الهدى و الإيمان فبقدر حبه الحب الرسالي لا العاطفي فقط، يرتقي المسلم في مدارج الصالحين و العارفين و المؤمنين الصادقين المتقين... و يبقى رحاب علي عليه السلام يعطينا الدروس تلو الدروس مهما سعى الإرهاب لإبعاد زائريه بتفجيراته و إجرامه و حقده ... لأنه في رحاب أمير المؤمنين عليه السلام نحيا الحياة الكريمة و نموت الموت الشاهدة على الحق و نلقى الله بقلب سليم .

و شيعة علي لن يموتوا و لن يمح ذكر علي و أهل بيته عليهم الصلاة و السلام و شيعته أحبتي علي عليه السلام علمنا كيف نصمد و نثبت و نبتهل و نجاهد و نحيا و نعتز بالإسلام، علي يريدنا لله و للرسول و للإسلام الأصيل  و مع علي نعرف قدر النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم  و قدر القرآن و قدر العبودية لله  أما أنتم أيها المجرمون الحاقدون الظالمون المستكبرون القاتلون النفس التي حرم الله حتى جرحها ليس علي عليه السلام ذلك البطل الأسطوري إنه الولاية كلها لله  علي عليه السلام وصي النبي الأعظم عليه السلام و النبأ العظيم  علي عليه السلام، كما قال الشاعر المسيحي بولس سلامة: يا سماء اشهدي و يا أرض قريو اخشعي إنني ذكرت عليا و من هذا كله نعرف أن التشيع أعظم و أشد و أنقى و أصفى و أطهر من كل دعوى من دعاوى المغضوب عليهم و الضالين، لأنه ليس كلمة،و ليس عاطفة و ليس مجرد خلجات يمكن ترهيبها ، و إن كان لذلك كله حضور و دور في التشيع ، لكن التشيع هو الحق كله و الحق مع علي عليه السلام فهل يقدر أحد أن يصبح مع الحق؟ سوف نبقى مع علي عليه السلام و نزوره، لأننا صدقا و عدلا نحبه و نواليه...

هكذا نبقى نحتفل و نفرح و نبتهج بذكرى أسد الله الغالب علي بن أبي طالب عليه السلام و هكذا يكون الحق و الصدق و العدل جوهر حياتنا حتى يبقى التشيع إماميا و الإسلام محمديا...فلنستحضر عليا عليه السلام في كل تفاصيل حياتنا، استحضارا ولائيا عميقا دقيقا يبعد الشياطين و يخزيهم عن لبنان و العراق و فلسطين و كل بلاد المسلمين...

ألسنا نقول: يا علي، ليس المهم أن نقولها و نبكي على شهداء النجف الأشرف هذه السنة و من قبل و كفى...و لكن الأهم أن نقولها بشرطها و شروطها ليفهم الظالمون و المجرمون أننا أبناء علي الكرار علي أسد الله الغالب... إنه يوم علي المسلم، علي الرسالي، علي الكرم و الشجاعة و الفداء و التواضع و المعجزة و الولاية و الشهادة، علي القرآني، علي أسد الله الغالب، علي الصديق الأكبر، علي الفاروق الأصلي، علي وزير النبي و وصيه و صهره و نفسه، علي ولي الله....

أحبتي المؤمنون:ولاية علي تقربنا من الله و تقودنا إلى سعادة المصير، فلنحيا محمد يون علو يون حسينيون إماميون مهدو يون ونقول ختاما السلام عليك يا أمير المؤمنين يوم ولدت و يوم استشهدت و يوم نراك عند خروج أرواحنا لبارئها و يوم نلقاك مع أخيك المصطفى صلى الله عليه و آله و أهل بيتك الأطهار عليهم الصلاة و السلام فتشفعوا لنا بإذن الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

(*) كاتب و باحث إسلامي جزائري

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك