بقلم: المحامي طالب الوحيلي
قد لا يحلو الحديث في العالم العربي الا على لبنان ،تلك البقعة الصغيرة في كبد العالم ،صغر القلب من الجسد ،وما يحمله من رمزية المحبة والعشق ،او يحمله من ميزة التنوع الاثني الذي تنازعته لعنة الحرب الاهلية ردحا من الزمن حتى اخذت الكثير من اهله بالرغم من قلة عدد سكانه ،وما يتصفون به من رقة وعذوبة ،كعذوبة الشعر الذي ميز شعراءه وشاعرية النغم الفريد الذي اذابت به فيروزهم قساوة الحرب الدموية التي طالما استعرت على ارضه ،فكانت ازمنة اجتياح بيروت ومجازر صبرا وشاتيلا وصنين والشياح والمصنع وتل الزعتر،وصور وصيدا ،ٍوقانا حيث العصافير والشحارير تطير مستفزة وتسقط على اجساد الصبية المقطعي الاشلاء ،فيكونوا دمى معفرة بالدماء ، انه لبنان الذي نفض تراب الحروب وانبرى ابناءه في صنع الكثير من المآثر البطولية ،كما في جنوبه الذي وقف كالطود الشامخ بوجه العالم المصغر للاستبداد العالمي ،فاسرائيل ليست مجرد كيان بني على اديم الارض العربية فحسب ،بل هو خلاصة منظومة القيم التحكمية لهذا الكون الذي ازدوجت فيه الرؤى ،وانفصمت عنده الحقائق ،فلا ترى الا اشباه الاشياء ،انها الوجه المجسم للظلم الذي تتداخل فيه كل معاني هضم الحقوق منذ تاسيسه ولحد اليوم ،حيث حولته الانظمة العربية بحساباتها البليدة قبل غيرها الى دولة تتحكم بكل المصائر .اسرئيل بكل دهائها وكبريائها وكل قدراتها الاقتصادية والعسكرية وتاريخا الحربي الذي ابكى عبد الناصر ،ودعى الملوك والساسة يتهافتون لتقبيل ايادي كولدا مائير ،وتمرغت وتمددت احتى صارت سيدة المنح للحقوق المغتصبة ،ومسيسة للامم المتحدة ومتحكما بمجلس الامن الدولي ،لتكون فيما بعد القاعدة وغيرها الاستثناء ،انها اليوم ليست كما في الحروب السابقة فهي لم تفتح على نفسها عدة جبهات وتحطم الارض فيها وتحصد المدن حصدا لانها اختارت الزمان والمكان المناسبين والاعداء المناسبين الذين يقاتلون على انغام كوكب الشرق وشعر الجاهلية واحلام عودة المجد الآفل،ومؤتمرات الجامعة العربية وملوكها وأمرائها وزعمائها وامعاتها واعلامييها المأجورين واعلامها المسلوب الارادة ،وسياسة عربية معروفة بمبدأ لا اسمع ولا ارى ولا اتكلم او على راي هلنا (هاك عبيتي ولا تعتعتني)،وهم اهل البترول الذي طالما لوحوا باستخدامه كسلاح كحال صدام ،فسخروة باسعر بخسة للعدو التقليدي عبر السوق السوداء او البيضاء ،لافرق مادامت عروشهم محروسة !!اسرئيل في حربها الاخيرة امام معادلة اخرى ،وجبهة واحدة برغم صغرها الا ان المقاومة والشعب اللبناني صمدوا اكثر من ازمنة حروب اسرائيل مجتمعة ،وتحققت نتائج معاكسة اشد خطرا عليها من تلك الحروب،فما استطاعت تحييد حزب الله او اضعافه ،فيما شهد المحلل العسكري لـ"هآرتس"، زئيف شيف، أنه بعد انقضاء اسابيع على اندلاع الحرب "يمكن القول إن إسرائيل لم تحقق غاياتها الأساسية وهي بعيدة عن حسم الحرب".وأضاف أن "حزب الله يشن حرب استنزاف ضد إسرائيل ولا توجد أدلة على أن حدّة القتال قد خفّت لأن حزب الله يواصل إطلاق ما بين 80 إلى 100 صاروخ كاتيوشا باتجاه إسرائيل يوميا، كما أن حيفا وهي ثالث أكبر مدينة إسرائيلية تحولت إلى سديروت 2"، في إشارة إلى مدينة سديروت بجنوب إسرائيل التي تعرضت لهجمات مكثفة طوال عام مضى بصواريخ القسام الفلسطينية.وقال شيف إنه على الرغم من القصف الإسرائيلي الشديد في لبنان فإنه لم يكن هناك مس جوهري في قدرة حزب الله العسكرية ولم يفقد الرغبة في القتال ومقاتلوه "يحاربون ولا يهربون".وقال عاموس هارئيل في هآرتس ايضا إن "النتيجة السائدة (في أوساط قيادة الجيش الإسرائيلي) من هذه اخفاقات الجيش هي أن حزب الله لا يذل إسرائيل فحسب بل وينتصر".ومن جهته كتب يوئيل ماركوس في صحيفة هآرتس:" بعد أن خرجت إسرائيل لتدمير حزب الله، بدت انجازاتها العسكرية محدودة. هذه الدولة التي وقفت عدة مرات، قلة ضد كثرة، حيث وقفت ضد سبع دول عربية في حرب التحرير، وهي صاحبة الجيش الذي نجح في ستة أيام في هزيمة ثلاث دول عربية قاموا ضدها، هذه الدولة تقف الآن في وضع مربك بعكس تاريخها الحافل، وهي الآن كثرة ضد قلة".واضاف :"من كان يصدق أن تنظيما مكونا من مئات المقاتلين المنظمين، لواء ونصف لواء ربما، ينجح في شل نصف دولة بقصف يومي، عشرات ومئات الصواريخ في اليومحسب تقارير وزير الأمن . من كان يصدق أن مدنا كصفد وعكا ونهريا ونتسيرت وطبريا وحيفا عاصمة الشمال، تستيقظ كل يوم على صفارات الإنذار وعلى القصف القاتل، الذي جعل الآلاف كأنهم لاجئون، وشل الحياة في قسم كبير من الدولة. وكل هذا كله قبل أن يجرب حزب الله إطلاق الصواريخ الثقيلة إلى تل أبيب".وعاد المحلل العسكري زئيف شيف ليكتب تحت عنوان "هل تم تحقيق الأهداف" " أنه بعد بدء الحرب وضعت الحكومة والجيش سلسلة أهداف. وخلال أيام الحرب بدأت ترد تصريحات لقادة وضباط كبار والتي خلقت انطباعاً بأن أهداف إسرائيل من الحرب تتغير وأنها ليست واضحة بما فيه الكفاية. واليوم وبعد اسابيع من الحرب من الممكن القول بأن إسرائيل لا تزال بعيدة عن الحسم في المعركة، في حين لم يتم إنجاز الأهداف الرئيسية.ويخلص شيف إلى عدد من الإستنتاجات في هذه المرحلة من بينها أن حرب الاستنزاف التي يشنها حزب الله على إسرائيل تتواصل بدون توقف، ولا يوجد أي إشارة لحصول انخفاض في الهجمات الصاروخية على إسرائيل. وإذا واصل حزب الله إمطار إسرائيل بـ 80-100 صاروخ يومياً، فإن ذلك يعني أنه لم يحصل أي تراجع عن حرب الاستنزاف.وعلى الصعيد الإسرائيلي كذلك يتحول الجنوب اللبناني المشتعل إلى مستنقع حقيقي وكابوس مؤرق جداً، بحيث بات الإسرائيليون "يتمنون أن يستيقظوا ذات صباح ليروا البحر وقد ابتلع الجنوب" أو ليروا أن الأرض قد انشقت ليختفي الجنوب وحزب الله في اعماقها".فالمعنويات الإسرائيلية تترنح من يوم لآخر وقدرتهم الرادعة تتصدع ومستحيلاتهم ولاءاتهم تتحطم على صخرة الجنوب وتتمرغ أنوفهم في التراب اللبناني. وعلى ذلك فاننا سوف نشهد في الآتي من الايام المزيد والمزيد من المبادرات والمقترحات والالتفافات السياسية الاسرائيلية عبر الادارة الامريكية وغيرها … ننحني إجلالاً وتقديراً أمام صلابة ومثابرة وإصرار الشعب البناني على تحطيم المستحيلات واللاءات الإسرائيلية نيابة عن الامة والدول والانظمة العربية … آملين أن تنتقل هذه العدوى المشرفة إلى جبهات عربية إسرائيلية أخرى ملحة …فهل هذه هي اللحظة المناسبة للامة كما اعلنها حسن نصرالله…؟على حد تساؤل الكاتب الفلسطيني نواف الزرو؟؟وبذلك فان هذه الحرب لم تتمكن من عزل حزب الله عن عالمه السياسي والجهادي،كما خيل للبعض ،اذ استقطب اكثر الاتجاهات اصولية واختلافا ،وانمحت خطابات المذهبية الضيقة وتوحدت جبهة الحكومة معه ليقف فؤاد السنيورة مكفكفا دمعة على المأساة التي يعيشها شعبه وتجاهل الاشقاء لقضيته وانزواء بعضهم خلف فتاوى الحقد البليدة ،اولئك الذين لم يعباوا لسيول الدم العراقي الذي طالما اراقه صدام بجرائمه وحماقاته ،واستمرت اليوم عبر جيوش الظلام الذين زاعتهم سياسات تلك الانظمة وامدتهم بالمال الغزير خزائنهم التي ما كانوا يفتحونها يوما لاعمار ما تهدم في بلد يمكن ان يكون اعظم عمق لهم كحاضرة إنسانية تشيع في المنطقة الامن والسلام ،بدل ان تتنازع فيها مصالحهم الطائفية مع مظلومية الشعب الذي تحرر للتو من ابشع نظام استبدادي في العالم ،لتقف زمره الارهابية اليوم وهي تباري اسرائيل بالمجازر اليومية ضد المواطن العراقي ،وهي بذلك تثبت بما لايدع مجالا للشك بانها جبهة اسرائيلية تحارب نيابة عنها شعبا لايختلف عن ابناء جنوب لبنان ،وهي تتفوق على اسرائيل بالقتل اليومي اذ تكررت اشد جرائم التفخيخ ضراوة خلال المدة التي بدأ فيها اجتياح لبنان ،من ذلك الجرائم التي هزت بغداد في مرئاب النهضة وفي السوق العربي وقبله بيومين في ساحة الطيران وغير ذلك،حتى اصبح معد الخسائر اليومية اكثر من ستين شهيدا واضعاف هذا العدد من الجرحى الذين ينتهي معظمهم الى الوفات متأثرا بجراحه. وكالة أنباء براثا (واب)اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha