( بقلم المحامي طالب الوحيلي )
وسط محاولات القوى الوطنية الجادة لتجنيب البلاد من خطر الانزلاق في منحدر الحرب الاهلية التي روجت لها القوى المعادية لتطلعات الشعب العراقي في بناء مجتمعه الجديد عبر تصريحات متلفة تلوح باحتمال وقوع مثل هذا الخطر فيما لو انسحبت القوات المتعددة الجنسيات من العراق ،وكأن ذلك رهان على قدرة هذا الشعب على تجاوز المعضلة التي وضعته فيها تلك القوات بسبب المعالجات الخاطئة للكثير من الملفات الهامة التي لو مكنتها للحكومات العراقية المتتالية لما وصل الحال الى ما نحن عليه الآن من عدم استقرار،ووسط اللغط الاعلامي لكبار الساسة الدوليين من (قلقهم) من التصعيد العنفي في بغداد ،تبرز دعوات جادة من كتلة الائتلاف ومن قبل المرجعية الدينية لرئب التصدعات في بنية المجتمع العراقي ومد يد المصالحة مع الفرقاء السياسيين الذين لم يثبت تورطهم باراقة الدم العراقي وزعزعة وحدته الوطنية ،وقد كان وما زال هذا ديدن القوى الوطنية ومرجعياتها الدينية والسياسية منذ الايام الاولى لسقوط رمز الطائفية والدمار في العراق ،بعد ان استشرف الجميع ان اخطر اوجه الخلاف التي سوف تصاحب العملية السياسية الجديدة هو اللعب على حبال الطائفية المقيتة التي استفزها كثيرا ايتام النظام البائد والقوى المتحالفة معه من التكفيريين المحليين والوافدين ،
وقد شخص ذلك السيد شهيد المحراب منذ الايام الاولى لسقوط الطاغية حيث اشار،الى ان( هناك تحدٍ مطروح في أوساط العراقيين وبصورة أوسع يراد منه الضغط على العراقيين في الوسط الإقليمي وهو التحدي الطائفي).وكان توجسه ينطلق من المنهج الاعلامي والثقافي الذي تبنته القوى المضادة للتغيير الجذري الذي يمكن ان يتحقق في العراق على صعيد النمط السياسي السائد في المنطقة برمتها والذي يلقي بظلال كثيفة على الواقع العربي برمته لذا فان السيد الحكيم (قدس)قد شخص الدور الخطير للإذاعات والفضائيات في المنطقة والسياسات التي وراءها والتي ( تحاول أن تقول أن الشيعة باعتبارهم الأكثرية يحاولون اضطهاد السنّة وعاداتهم ويقلصون الفرص أمامهم.
هذه القضية من القضايا الحساسة جداً التي يجب أن نعرفها بصورة دقيقة ونوضح ونؤكد وقد أكدناه منذ اليوم الأول وقدمنا الدماء من اجله، هو أننا لا نريد دولة طائفية شيعية نحن نريد أن يكون شيعة أهل البيت في العراق يعاملون معاملة عادلة تكون لهم حقوقهم وندافع عن تلك الحقوق. هذا هو المطلوب، لا نريد أن نظلم أحداً حقه أو نأخذ حق أحد من الناس أو نضطهد أحداً من الناس بل اكثر من ذلك نحن مسؤولون أمام الله أن ندافع عن حقوق الآخرين)هذا الموقف الانساني ،قد تصدى له بالمقابل موقف متشنج تسبب في اراقة الدماء العراقية بعد ان وجدت القاعدة ومن سار على خطاها ضالتهم ،حين جاهروا باعلان الحرب الضروس على اتباع اهل البيت تحت عناوين طائفية غريبة على طبيعة المجتمع العراقي لكنها وجدت لها اصداء واسعة في المحيط القبلي بل وحتى في المحيط الحضري وعلى مستوى الساسة والتكنوقراط على الرغم من المناخ الديمقراطي وما افرزته اللعبة الانتخاية وحديث الكراسي والاستحقاقات ..الخ
وصول الحال الى ماهو عليه الآن من موقفين متناقضين احدهما باتجاه التصعيد نحو حافة الخطر والآخر باتجاه الجذب نحو مثابة الامان ،ولكل يعلم مستوى الخطر الذي سوف يطبق على انفاس الشعب ،سواء كان إشعال حرب أهلية لا قدر الله او استخدام مفرط لسلطة القانون ومسوغات العقاب القاسي المقترنة بفقرة الحرب الأهلية كما تشير اليها مواد قانون العقوبات العراقي وبالذات المادة (195) التي تنص على(يعاقب بالسجن المؤبد كل من أستهدف أثارة حرب أهلية أو أقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين أو حملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الآخر أو بالحث على القتال وتكون العقوبة الإعدام أذا تحقق ما أستهدفه الجاني)او كما يذهب قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 في مادته الثانية بفقرتها الرابعة حيث عدت الافعال الارهابية ومنها ((4- العمل والتهديد على أثارة فتنة طائفية أو حرب أهلية أو اقتتال طائفي وذلك بتسليح بعضهم بعضا وبالتحريض أو التمويل )) وقد عاقبت على هذه الافعال بالإعدام كما في المادة الرابعة فقرة واحد ،وهذه الجريمة تستهدف وحدة الشعب العراقي وأثارة الفرقة بين أبنائه وهتك القوانين و الانظمة الاجتماعية وزعزعة الامن الداخلي للبلد ناهيك عن تفتيت وحدته الوطنية والاقليمية وهدم بناه الفوقية و التحتية وهدر ثرواته البشرية والمادية وتعطيل مسيرته في البناء وأعادة ألاعمار وزرع بذور الشر والثأر التي لا تنمحي آثارها الا بعد عهود طويلة .
لذا فان من حق المجتمع العراقي على حكومته والقائمين بالامر ان يفعلوا هذه المواد وغيرها مادام الأمر يسير باتجاه الخطر الفادح ،بالرغم من إصرار المراجع العظام على محاولة لم الشمل ودعم الحكومة باتجاه تحقيق الامن وقد اكد ذلك بيان الإمام السيستاني الذي نص على (إنني أكرّر اليوم ندائي إلى جميع أبناء العراق الغيارى من مختلف الطوائف والقوميات بأن يعوا حجم الخطر الذي يهدّد مستقبل بلدهم, ويتكاتفوا في مواجهته بنبذ الكراهية والعنف واستبدالهما بالمحبّة والحوار السلمي لحلّ كافّة المشاكل والخلافات.
كما أناشد كل المخلصين الحريصين على وحدة هذا البلد ومستقبل أبنائه من أصحاب الرأي والفكر والقادة الدينيين والسياسيين وزعماء العشائر وغيرهم بأن يبذلوا قصارى جهودهم في سبيل وقف هذا المسلسل الدامي الذي لو استمر ـ كما يريده الأعداء ـ فلسوف يلحق أبلغ الضرر بوحدة هذا الشعب ويعيق لأمد بعيد تحقق آماله في التحرّر والإستقرار والتقدم. واذكّر الذين يستبيحون دماء المسلمين ويسترخصون نفوس الأبرياء لانتماءاتهم الطائفية بقول النبي الأعظم صلى الله عليه وآله في حجّة الوداع : ( ألا وان دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا, ألا ليبلغ الشاهد الغائب) وقد تضمن البيان العديد من اقوال رسول الله (ص) التي تؤكد حرمة الدم وقدسيته ،مشير الى قول الامام الحسين عليه السلام الذي ذكر به جيش ابن سعد في عرصة كربلاء (إن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد فكونوا أحراراً فى دنياكم وارجعوا إلى احسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون..)) وقد تأكد وللاسف هذا القول بالنسبة لهيئة (علماء المسلمين) حيث نشر موقع ارض السواد توجيها صادرا من هذه الهيئة ينص على(نظرا لكثرة العوائل النازحة من المناطق التي يسكنها الرافضة واللجوء الى مناطقنا ولعدم وجود مساكن تأويهم وتحفظهم من حر الصيف وبرد الشتاء وانطلاقا من حصرنا على على توفير العيش الكريم لهم ..عليه نوصي الاخوة المؤمنون من الذين يسكنون المناطق الآمنة (مناطقنا) بضرورة اسكانهم في بيوت الرافضة الذين هاجروا منها على ان يكون هذا الإجراء تحت إشراف إمام الجامع في المنطقة.ويشمل توجيهنا هذا الاخوة المقاتلين المجاهدين العرب.والسلام عليكم ورحمة الله…توقيع قسم الثقافة والاعلام ومؤرخ 2/8/2006)
فاي تعليق يناسب هذا الموقف المشبع بالطائفية والتكفير والتحالف المعلن مع الإرهابيين الوافدين الذين اضطلعوا بابشع جرائم التفخيخ التي راح ضحيتها مئات الآلاف من ابناء(الرافضة)واي خطاب مصالحة مع هذا التيار الذي اثبت الاعلام الغربي صلته بايتام النظام الصدامي وبغيره من أعداء الاسلام ؟!
ولكن يشرفنا ان نترافع على ما انحدر اليه اعداء الشعب العراقي وان نتمسك براي الإمام السيستاني وما أمرنا به حيث قال( إنّ الخروج من المأزق الذي يمرّ به العراق في الظروف الراهنة يتطلّب قراراً من كلّ الفرقاء برعاية حرمة دم العراقي أيّاً كان ووقف العنف المتقابل بكافّة أشكاله, لتغيب بذلك ـ وإلى الأبد إن شاء الله تعالى ـ مشاهد السيّارات المفخّخة والإعدامات العشوائية في الشوارع وحملات التهجير القسري ونحوها من الصور المأساوية, وتستبدل ـ بالتعاون مع الحكومة الوطنية المنتخبة ـ بمشاهد الحوار البنّاء لحلّ الأزمات والخلافات العالقة على أساس القسط والعدل, والمساواة بين جميع أبناء هذا الوطن في الحقوق والواجبات , بعيداً عن النزعات التسلطيّة والتحكّم الطائفي والعرقي, على أمل أن يكون ذلك مدخلاً لإستعادة العراقيين السيادة الكاملة على بلدهم ويمهّد لغدٍ أفضل ينعمون فيه بالأمن والإستقرار والرقي والتقدّم بعون الله تبارك وتعالى).
https://telegram.me/buratha