( بقلم المحامي طارق حرب )
نصت المادة (79) من الدستور على ما يلي (رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بادارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته وله الحق باقالة الوزراء بموافقة مجلس النواب ومن ذلك نلاحظ ان صلاحية رئيس مجلس الوزراءوردت مطلقة عامة شاملة من وجه ومقيدة من وجه اخر، اما انها سلطة مطلقة عامة شاملة فان له ان يقيل ويعزل جميع الوزراء وليس بعض الوزراء فقط وان صلاحيته هذه يستعملها دون حاجة لسبب او علة او تبرير او تسويغ فهو في غير حاجة الى ذلك ولكن الوجه الثاني لهذه العملية هو ان قراره باقالة جميع الوزراء او بعضهم او واحد منهم مقيد بقيد دستوري وهذا القيد هو موافقة مجلس النواب فقرار رئيس مجلس الوزراء باقالة وزير واحد او عدة وزراء يبقى موقوفا على ارادة مجلس النواب ومعلقا على موافقة هذا المجلس فصلاحيته باقالة الوزراء وعزلهم وانهاء خدمتهم حبيسة ثقة مجلس النواب بقراره وما لم يوافق هذا المجلس على قراره فان قراره هذا يكون بلا اثر ولا يقود الى نتيجة ومن هنا كان من اللازم لاجل استحصال رئيس مجلس الوزراء موافقة مجلس النواب على قراره باقالة احد الوزراء او عدد من الوزراء تقديم العلل والاسباب الكامنة وراء قراره هذا،
اذ ان تقديم هذه الاسباب كفيل بموافقة مجلس النواب اوفي الاقل، زيادة عدد أعضاء المجلس الذين يوافقون على وجهة نظره على الاقالة والعزل وبالتالي يضمن الاكثرية المطلوبة لاجازة طلبه وعدم رفضه عند التصويت على قراره هذا في المجلس، اي عند قول مجلس النواب لرئيس مجلس الوزراء في طلبة للموافقة على اقالة الوزراء وعزلهم نعم، بدل ان يكون قول مجلس النواب لاقتراحه لا، فبين نعم من المجلس ولا منه فارق كبير، اذ كم مرة حصلت في دول الديمقراطية وأوطان الحرية ان رفض اقتراح رئيس مجلس الوزراء في اقالة الوزراء وعدم قبوله من البرلمان ان يترتب عليه استقالة رئيس مجلس الوزراء، ذلك ان رفض البرلمان لتوصية رئيس مجلس الوزراء في اقالة الوزراء يعني عدم ثقة من مجلس النواب في رئيس مجلس الوزراء من الناحية الواقعية على الاقل وان لم تكن من الناحية الدستورية لان الناحية الدستورية توجب التصويت على الثقة في رئيس مجلس الوزراء.. لا سيما اذا علمنا ان طلب رئيس مجلس الوزراء في اقالة الوزراء يعني عدم رغبته في بقائهم معه في مجلس واحد وعدم رضاه عن ادائهم وعدم اقتناعه بهم، ورفض مجلس النواب لمقترحه في اقالتهم وعزلهم يعني الزامه بالعمل مع وزراء وجد ان لا فائدة ترتجى من عملهم وبالتالي فان ذلك يعني اجباره على ما لا يريده وارغامه على ما لا يرضاه.
موافقة مجلس النوابتشترط المادة (78) من الدستور موافقة مجلس النواب اي ان قرار رئيس مجلس الوزراء لا بد ان يحصل على الغطاء البرلماني باجابة مجلس النواب لطلبه في اقالة الوزراء وعزلهم عن التشكيلة الوزراية، ولكن ما هي النسبة المطلوبة لموافقة مجلس النواب؟ علينا في هذه الحالة الرجوع الى الاحكام الدستورية التي تحدد النصاب المطلوب، اي لابد من الرجوع الى احكام المادة (59/ ثانيا) من الدستور التي قالت (تتخذ القرارات في جلسة مجلس النواب بالاغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب ...) وتحقق نصاب مجلس النواب يتحقق بحضور الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه وبما ان عدد اعضائه (275) عضواً فان النصاب يتحقق بحضور (138) عضواً على الاقل في جلسة، واذا كان الامر كذلك فان حضور هذا العدد يعني ان موافقة (69) عضواً من الاعضاء الحاضرين على طلب رئيس مجلس الوزراء هذا يعني اجابة لطلب مجلس الوزراء والاذعان له، وبما ان الظروف التي تمر بالبلاد معروفة ونحن في غير حاجة لذكرها وايرادها فاننا نتوسم في مجلس النواب الاجابة الى طلبه وعدم الاشاحة عنه والصدود بوجهه او التأخر في تنفيذه ذلك ان رئيس مجلس الوزراء مسؤول عن اداء الوزراء امام مجلس النواب طبقا لسلطة الرقابة التي يملكها والتي تصل الى حد اقالته مع وزرائه اجمعين، ومن باب المصادرة على المطلوب ان نتوقع موافقة مجلس النواب طالما انه يمثل كتلة الائتلاف العراقي الموحد في مجلس النواب والتي حصلت على (48%) من مقاعد مجلس النواب وبالتالي فاننا يمكننا القول ان قراره هذا محسوم برلمانيا ابتداء.
اقالة الوزراء مسألة مقبولة دستوريا وبرلمانياقد يقول البعض ان قرار مجلس الوزراء هذا كان عاجلا، ولكن التجارب والوثائق الدستورية علمتنا ان الوزير وحتى مجلس الوزراء قد يحصل احيانا اقالته بعد مدة قصيرة جدا، فالنظام الدستوري الاميركي أطلق يد الرئيس الاميركي بالنسبة للوزراء (وهذه تسمية غير دقيقة من الناحية القانونية ذلك ان الوزير ليس الا سكرتيرا لرئيس الجمهورية) حيث بامكانه اقالة اي وزير دونما حاجة لموافقة الكونغرس الاميركي. والنظام الدستوري البريطاني هو الاخر اطلق يد رئيس الوزراء في اقالة الوزراء دونما حاجة لموافقة البرلمان الانكليزي، لا بل ان هنالك وزارات (مجلس وزراء) في ايطاليا مثلا في القرن الماضي يتم اقالتها من البرلمان بعد ايام من تشكيل الوزرارة بأجمعها ولنا في تاريخنا الدستوري امثلة كثيرة حول ذلك فوزارة 17 تموز1968 تمت اقالتها وعزلها يوم 30 تموز 1968 اذ لم تستمر سوى عدة ايام فلا عجيب دستوري ولا غريب برلماني في انهاء خدمة الوزراء بعد ايام من استيزارهم او في انهاء خدمة مجلس الوزراء بأجمعه، وتبقى الانظمة الدكتاتورية والشمولية استثناء من هذه الاحكام فمثلا ان طارق عزيز تولى وزارة الخارجية لعقود وان (اندريه غروميكو) اشغل منصب وزير الخارجية لعقود امتدت من خمسينيات القرن الماضي. ولكن هذا استثناء والاستثناء قانونا لا يقاس عليه، فالمرأة التي ولدت المذكورين لابد ان امراة اخرى تلد افضل منهم وكم بلغ الصواب الدستور العراقي عندما حرم رئيس الجمهورية من الرتشيح لدورة ثالثة اذ ان ولاية رئيس الجمهورية اربع سنوات ويجوز اعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب كما قررت ذلك المادة (72/ اولا) من الدستور.
اجازة المجلسابتدأت عطلة مجلس النواب واجازته في نهاية تموز 2006 وتستمر طيلة شهر اب، فهل يمكن القول ان اقالة رئيس مجلس الوزراء لبعض الوزراء سيتم الانتظار بها حتى شهر ايلول وهو الشهر الذي تبدأ به جلسات مجلس النواب الجديدة وقد يكون الموضوع ملحا وسريعا لا يحتمل التأخير وهنا لا بد ان يمارس رئيس مجلس الوزراء صلاحيته الواردة في المادة (58) من الدستور ذلك ان هذه المادة خولته سلطة دعوة مجلس النواب الى جلسة استثنائية وفي ذلك تنص المادة (58/ اولا) من الدستور على ما يلي: (لرئيس الجمهورية او لرئيس مجلس الوزراء او لرئيس مجلس النواب او لخمسين عضوا من اعضاء مجلس النواب دعوة المجلس الى جلسة استثنائية ويكون الاجتماع مقتصرا على الموضوعات التي اوجبت الدعوة اليه) واي منصف دستوري ومقسط قانوني لا بد من ان يخرج بنتيجة ان طلب رئيس مجلس الوزراء دعوة مجلس النواب للنظر في عزل بعض الوزراء واقالتهم يحقق الاسباب الاستثنائية للدعوة الى الجلسة، ومتى تتحقق استثنائية الجلسة اذا لم تتحقق في طلب رئيس مجلس الوزراء باقالة عدد من الوزراء ولا سيما ان الظروف الحالية التي تحيط بالبلد واعتقاد رئيس مجلس الوزراء في الوصول الى واقع اجتماعي افضل وحاصل عراقي امثل وايمانه بذلك وعمله على بلوغ هذا المأرب والوصول الى هذا المرام ما يبرر ويسوغ طلبه بحيث يلقى قبولا وان كانت سلطته في دعوة مجلس النواب الى جلسة استثنائية لا يحدها حد ولا يقيدها قيد وفي جميع ذلك لا بد ان نلاحظ ان مقصد كل دعوة وطلب يكون للعراق الوطن والعراقي المواطن وسلاما على من جعل ذلك هدفا وغاية ووسيلة واداة فسواها من الهراء والعبث والعدم، اما مسألة الموافقة على وزراء جدد بدلا من الوزراء الذين تتم اقالتهم فهي مسالة سنتناولها في مقالة اخرى ان اذنت الصباح الجريدة والصباح العراق في ايرادها، وسلاما على من قال: دوام الحال من المحال وسبحان الذي لا يزول ولا يحول.
المقالة مقتبسة من جريدة الصباح
https://telegram.me/buratha