المقالات

الكتابة الدرامية التلفزيونية

1505 16:15:00 2008-10-19

( بقلم : الكاتب والمخرج التلفزيوني صباح رحيمة)

تختلف الكتابة من نوع الى نوع آخر من أ نواع الابداع الفكري والتعبير باختلاف الأغراض لاسيما والثقافي . حيث ان الكتابة في الشعر تختلف عنها في الرواية ، والمسرحية في الدراما التلفزيونية عنها في التلفزيون ، ولكنها تلتقي في أنها ثمرة موهبة ودراسة وقدرة ربانية تقدم نتاجا انسانيا يشترك بينها عامل الابداع والتميز . الا ان الكتابة في الدراما التلفزيونية على وجه الخصوص تختلف عن كل تلك الانواع اذا ما تميزت عنها جميعا لان الكلمة فيها ليست للقراءة بقدر ماهي لأعطاء المشاعر والاحاسيس وتأثيرها على الوجدان مجسدة من خلال استخدام مجسم في صورة وصوت وحياة متحركة . وبهذا فهي تكتب لكي تتحول الى عالم واقعي محسوس وان كان من خلال عالم متخيل غير واقعي .

وهذه الوسيلة تتكامل فيها الكلمات او العبارات لتكون صورة ذهنية وتأملات عاطفية تختلف في تكويناتها من قاريء لقاريء وتتفاوت تأثيراتها أيضا من فرد لاخر . بل انها تتكامل في بناء عالم مرئي مفترض بشخصيات وأحداث تدور في أجواء حياتية تثير العاطفة وتسحبنا للتفاعل معها مكأنها واقع نعيشه ونستجيب لما يحصل فيه وكاننا جزء منه . ولكن الانواع الاخرى من الكتابة يمكن ان تكون تحت اليد نستطيع ان نؤجل قراءة جزء أو ان نعيد قراءة جزء أو أن نتخيل الحوادث كل على حدة من خلال النص المكتوب . ولايمكن ذلك في نص العمل الدرامي خصوصا بعد أن يتحول الى عالم متحرك وناطق . ولهذا فان الكتابة الرصينة الواعية التي تحمل القدر الكافي من الجودة في هذا الفن ( فن الكتابة ) هي التي تبعث فينا التأمل ، وتحرك فينا المدركات للمتابعة والمناقشة واتخاذ المواقف . وكلما كانت الكتابة صادقة امينة كتبت بأيمان راسخ لقول رسالتها كلما حققت نجاحا أكبر. ولأن هذا النوع من الكتابة يتطلب مهارات اضافية ومعارف واسعة لحياة المجتمع والمتغيرات التي تحدث وكذلك الاطلاع على المستجدات من المعدات التقنية لكي تخضع لخدمتها والتحرك ضمن اطارها ، ولذلك فان للكلمة هنا وجه آخرفهي التي تكون مجسدة لحالة انسانية ما في ظروف ما من خلال مكان وزمان معينين . وهذه الحالة تساهم في تقديمها الكثير من الطاقات والامكانات ، وتستخدم فيها العديد من المهارات والاجهزة والتقنيات . وكل ذلك بفضل الكتابة التي لاتكتفي بتقديم شرح لتلك الحالة وتترك للقاريء حرية التخيل بل تجسد له الحالة وتقدمها اليه جاهزة بأكبر قدر من التأثير المقصود .وهنا تحولت الكتابة الى صورة واحدةوتأثيرات مختلف خاضعة لعوامل واسباب عديدة .فالكتابة في هذ المجال تكمن صعوبتها بل وتميزها في العديد من الامور منها :

1. تتطلب ثقافة موسوعية متواصلة لأنها تتعامل مع كافة شرائح المجتمع وتقلبات حياته ومعتقداته والتغيرات التي تحصل .

2. التحدث بعدة صيغ واساليب واختصاص وحسب رسم الشخصية ومواقفها .

3. الكلمة هنا مسموعة والصورة فيها مقروءة ولكل مفردة فيها ولكل جملة وقع يتناسب والحالة .

4. الكتابة المقروءة يمكنها ان تتناول أي موضوع واصفة احداثه بينما تتحدد كتابة الدراما بمواضيع معينة والتي يمكن ان تتحول الى عمل درامي بالوسائل والامكانات المتاحة .

5. الايقاع الزمكاني للاحداث والشخصيات وحسب الحالة وضرورة المحافظة عليها .

6. المعرفة الدقيقة للمفردات جميعا والتي تساهم في تجسيد العمل . ومع كل هذا فان الكتابة الناجحة هي التي تقدم المادة المناسبة في الوقت المناسبوالطريقةالمناسبة بحيث يكون هنالك انسجام ما بين الشخصيات وحوارها وعلاقاتها وحسب انتماءاتها بخلفياتها والبيئة التي تتحرك ضمنها والمشكلة التي هي جزء منها .

وكذلك فان الكتابة الناجحة هي التي تتضمن حكاية مبنية بناءا جيدا مقنعا توحي للقاريء بأنها ستفضي الى عمل درامي ناجح اذا ما توفرت لها اسباب هذا النجاح . ولذا فان الكتابة في هذا المجال شحيحة اذا ما قورنت بالكتابة في المجالات الاخرى من شعر وقصة ورواية وحتى المسرح ، لانها تتعامل مع فروع عديدة واختصاصات متنوعة لا تتعامل معها باقي انواع الكتابة لكي تتكامل في رسم الصورة والخروج بتقديم منظر واحد ولكي تتجسد تلك الكلمات التي خطت على الورق وتتحول الى كائنات تتحرك ومن ثم نتفاعل معها ونتأثر بها من خلال التصوير والمونتاج والخدمات الفنية والادارية التي لابد وان تخضع لخدمة النص وهو الذي يجب عليه ان يقدم لهذه الاختصاصات الرؤيا الواضحة التي تمكنهم بالتالي لاختبار مواهبهم وخبراتهم وتحفز فيهم عوامل الابداع ليبعثوا في هذا الورق الروح المطلوبة .

هذه الكتابة ليست بالعملية الابداعية السهلة أو العادية والتي يمكن ان تكتب مرة أو يعاد صياغتها مرة أخرى لتكون جاهزة على يد الاديب فقط حتى ترى طريقها الى المتلقي بل انها تمر بعدة عمليات منها عسيرة في التصحيح والحذف والاضافة في عمليات تجميلية منها ومنها موضوعية حتى تولد وتكون صالحة للانتاج زبعدها تدخل عوامل كثيرة منها السياسية او التحولات الاجتماعية او خضوعها للقيم والثقافة العامة فتدخل اذ ذاك في باب الممنوعات والمسموحات . ناهيك عن الجهة المنتجة وتوجهاتها وطريقة تعاملها الفكري والمادي ( المالي ) والامكانات البشرية والتقنية المتوفرة او التي ستتوفر والمستلزمات الاخرى .فكتابة نص يتطلب أزياء وموجودات من اكسسوارات وغيرها كبناء ديكورات خاصة او عمليات مكياج معقدة غير ذلك مما يتطلب ميزانية كبيرة لابد وان ترصد وبالتالي تحتاج الى جهة تمويل تقتنع بجدوى انتاج مثل هذا النص لانه بالنتيجة سيفكر بالربح المادي وان لم يكن كذلك فعلى الاقل ان لايخسر او يكتفي بالمردود الفكري والفني وحسب جهة الانتاج .

وان هنالك الكثير من المعوقات التي تقف بوجه تنفيذ النص وتحويله الى مادة مرئية كحاجته للتصوير في اماكن خطرة او ممنوعة ولعدة اسباب أو باهظة التكاليف او تحتاج الى اجهزة خاصة أو مهارات غير متوفرة ، فيجب ان يؤخذ كل هذا بالحسبان او يتفق عليه ويتم مناقشته قبل الشروع بالكتابة .وهنا تكمن الصعوبة التي نوهنا عنها وفي نفس الوقت فان ظهور نص درامي تلفزيوني ناجح يكون نادرا كندرة كتاب هذا اللون من الابداع الفكري .وكثيرا ما غادر هذه المهنة العديد من الذين حاولوا امتهانها أو من الذين كانت امنيتهم ان يكتبوا في هذا الحقل عندما اكتشفوا انها لاتأتي الا بعد مخاض عسير وموهبة خلاقة وجهد متواصل وصبر كبيرتحتاجه للقدرة على التواصل والمطاولة .

 وقد حاول كتاب قصة وروائيون وشعراء معروفين لخوض غمارها ولكن سرعان ما غادروها الى ميادينهم الابداعية لأنها صنعة تحتاج الى القدر الكافي من معارف اخرى مما ذكرنا ومما لم نذكر لمواكبة المستجدات والاستمرار بالنجاح في تنافس علني ومستمر يحتاج الى تجدد الافكار وتعدد الرؤى في التكيف محسب تغيير الزمان والمكان والتطورات العلمية المتسارعة والتقدم التكنولوجي للاجهزة والمعدات التي تعتبر عوامل اضافية لتحقيق النجاح او تسبب الفشل وتغير الاساليب في التعامل مع النصوص التي تخضع هي الاخرى الى المتغيرات وكما بينا .ونخلص الى القول بأن الكاتب لابد وان يتميز بقدرات ومؤهلات غير عادية ولا تختصر على ما يجود به قلمه ليسطره على الورق بل ابعد من ذلك لكي يقدم نصا يمكنه ان يحمل مواصفات النص الدرامي التلفزيوني الناجح يترك اثره الوجداني على المتلقي وتغور معانيه في اعماق النفس البشرية لأنه قد سبر تلك الأغوار واستخرج منها هما انسانيا وقدمه للعيان عبر مراحل التنفيذ يجبر العاملين طوعا وحبا بأن يقدموا لهذا النص كل ما لديهم لتحقيق اهدافه وايصال رسالته نصا نابضا بالحياة لايكتفي بالوصف والسرد الحكواتي وانما هو تجسيد حي بمكونات حياتية تضع المتلقي نفسه في وسط احداثه دون ان يشعر فيتعامل معها وكأنها حقيقة واقعة وليست مجرد وحي من خيال أو عرض من خلال شاشة جامدة هامدة واحساسه بانه واحد من هذا المجتمع الذي يشاهده او ان مشاعره تذهب وتعود في حزن او فرح او خوف او توجس أو توتر مع ما يعرض على هذه الشاشة .

وهذا هو الذي يعطي للكتابة قيمتها ويؤكد بأنها نتاج فكري انساني ثر وغير عادي خصوصا وانه يتعامل مع جميع افراد المجتمع كبيرهم وصغيرهم ، عالمهم وجاهلهم ، بدويهم وحضريهم على حد سواء وتضل التأثيرا النفسية ومدى الاستيعاب بحسب مواصفات كل شخصية . وكذلك فان النص يناقش كل الظواهر الحياتية بالمفردات اليومية ويقدمها وكأنها عالم مراقب (نقل مباشر ) في شخوص وبيئة مجتمع متكامل وافعال مبررة تبريرا منطقيا تنمو نموا طبيعيا مثل اي كائن حي لكي تعطي اثرها في القبول والاقناع وتصديقها على انها مجريات حقيقية ولذلك علينا ان نقوم بعملية تشريح لهذا النوع من النشاط الفكري الخلاق لكي نتعرف على مفرداته وكيفية التعامل مع هذه المفردات وطريقة بناءها حتى تصبح نصا دراميا تلفزيونيا .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
خريجة فنون
2008-10-19
سلمت يداك على مثل هذه المواضيع
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك