المقالات

في ضوء الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاده ما الذي ميز شهيد المحراب عن غيره من رجالات العراق؟

1175 14:56:00 2008-07-05

( بقلم : علاء الموسوي )

لا يمكن لاحد ان ينكر عظمة الرحم العراقي الذي اولد الالاف من رجالات العلم والفضيلة والحكمة، حتى اخذ يوصف ببلد الانبياء والاولياء والعلماء، ولعل تعاظم البلاء والمحن على العراق وشعبه، كان وراء تلك النعم الوفيرة التي اراد الله سبحانه وتعالى ان يختبر بها عباده الصالحين، ويمتحن صبرهم واخلاصهم لرجالاتهم، ومدى استعدادهم للمضي قدما في نشر ما حملوه من مبادئ وافكار سامية. منذ بزوغ الفكر السياسي في العراق ونضوجه في اوائل القرن العشرين كانت للحركة الاسلامية الدور الفاعل في بلورة هذا الفكر وفق رؤى وتطورات المنهج الاسلامي الرصين، مع احترام كل الثوابت الوطنية التي اجتمعت عليها الاحزاب السياسية ذات التوجهات المختلفة في الطرح والاسلوب. فقد قام الغرب في اعقاب الحرب العالمية الاولى، وبعد سقوط الدولة الاسلامية بتنفيذ خطة واسعة الابعاد، هدفها التأكيد على نقطة مركزية مهمة وهي (زرع اليأس والقنوط من امكانية تطبيق الاسلام وقدرته على معالجة المشكلات المختلفة التي يواجهها الانسان في عالمنا اليوم، مستغلين الى ابعد الحدود حالة الانحطاط التي شهدتها الدولة الاسلامية في اواخر حياتها من ناحية، والامة الاسلامية من ناحية اخرى).وبذلك يتحقق هدفهم بابقاء المسلمين تحت سيطرة القوى الكبرى في مجال الحضارة الانسانية والفكر والثقافة، فضلا عن الهيمنة السياسية والعسكرية. ونتج عن ذلك مجموعة التحديات الاسلامية التي تواجهها الحركة الاسلامية، مدعين ان الاسلام يقف عاجزا امام هذه التحديات، لاسباب مختلفة ترتبط بالنظرية الاسلامية، او بالوضع الاجتماعي الذي يعيشه المسلمون او بالاوضاع والعلاقات الدولية، او بالامكانات والقدرات التي تملكها قوى الكفر والضلالة.

من هنا نلمس ميل شهيد المحراب(رض) الى اعطاء الاهمية، بل الاولية لمصلحة الاسلام، ففي كل مقطع ومشروع تحرك فيه (رض) كانت مصلحة الاسلام هي العنوان الرئيس الاول الذي يتحرك من اجله. ويظهر تأكيد شهيد المحراب(رض) على مصلحة الاسلام جليا عند تناوله معطيات الحركة الاسلامية، وادراكه لضرورة صب الجهود كلها من اجل تحكيم الاسلام في الحياة الاجتماعية للامة. ولم يقتصر اهتمام شهيد المحراب على ذلك قط ، وانما شمل اهتمامه ترسيخ وتجذير الفكر الاسلامي السياسي على الواقع الحياتي للامة الاسلامية، مع سعيه ايجاد لرفع المغالطات التي وقعت فيها الكثير من الحركات الاسلامية، نتيجة الفهم الخاطئ للحراك السياسي الاسلامي في العراق، ولعل ما يميز شهيد المحراب عن غيره من زعماء الحركات الاسلامية والسياسية في العراق، هو فصله للخطاب العقائدي عن الخطاب السياسي والتمييز بينهما. وذلك لادراكه (رض) ان من اهم المشكلات الرئيسة التي وقعت فيها تلك الحركات، هي انها عاشت فترة من الزمن- بما يسميه البعض- بالمرحة الثقافية الفكرية، التي تعمقت في وجود الحركة الاسلامية واشخاصها.

فعندما ارادات الانتقال الى المرحلة السياسية وقعت في خطأ كبير، اذ بقيت اثار الخطاب في المرحلة الثقافية واضحة في خطاب المرحلة السياسية، بحيث لم يتمكن ابناء الحركة الاسلامية ان ينتقلوا بخطابهم الى المرحلة السياسية بكل معالمها، فبدلا من ان يتحرروا من قيود المرحلة الثقافية، ظل خطابهم السياسي هو نفس ذلك الخطاب الثقافي الاثري.

المشروع السياسي الذي كان يحمله شهيد المحراب(رض)، والذي بقيت اثاره ورؤاه الى يومنا هذا، هو بحد ذاته الخصوصية التي تميز شهيد المحراب(رض) عن غيره، فالسؤال الذي يطرح نفسه، ولعله في خواطر الجميع منا، لماذا لم ينته مشروع الحكيم باستشهاده، مثلما انتهت وتلاشت الكثير من المشاريع السياسية بانتهاء رموزها ومنظري حراكها السياسي؟؟. المشروع الذي حمله شهيد المحراب(رض) لم يكن مشروعا فرديا امتزج باهواء سياسية حزبية لفترة معينة من الزمن، وانما كان هذا المشروع هو مشروع الامة باختلاف اطيافها وتنوعاتها الفكرية. كما ان الخصوصية العراقية التي رسمها (رض) في لب مشروعه السياسي هي التي كانت الرافد الروحي الذي يدب الحياة فيها على مر السنين، وسيبقى مشروعا كاملا لامة عانت من الضيم والقهر نتيجة غياب رجالات الفكر والسياسة عن رسم مشروعها وتطلعاتها نحو المستقبل. لا نريد الخوض في ادبيات المرحلة التأريخية للحراك السياسي في العراق، بقدر الاشارة الى المقطع الاخير من المنعطف التأريخي الذي حصل في العراق بعد التاسع من نيسان، والتي كانت الساحة فيها واضحة للمتتبع الحصيف من معرفة الرجل الحقيقي الذي استطاع ان يرسم المشروع العراقي الجديد، بعد هيمنة نظام فاشستي لاكثر من ثلاثة عقود من الزمن، سبقتها مراحل زمنية اشتد فيها الصراع السياسي بين الاسلام الحقيقي والفكر الاستعماري في المنطقة. طروحات شهيد المحراب(رض) في خطبة الاربع عشر، كانت المرآة الحقيقية لما كان يهدف اليه تياره المبارك في مرحلتنا الحالية، فالشراكة السياسية، والكفاءة الوطنية، والسيادة والاستقلال، وبناء البلد واعماره والدعوة الى بناء دولة القانون والمؤسسات و......، كانت من مصاديق مشروع الحكيم الذي رسم الخارطة السياسية لعراق تعددي فيدرالي يشترك فيه الجميع تحت خيمة المحبة والاخلاص العراقي الواحد.

لقد طرح (رض) كل الاشكالات والعواقب التي ستواجه الحراك السياسي الجديد في العراق، فضلا عن طرحه لعلاج تلك الاشكالات، وتفادي الوقوع اسيرا في شباك تلك العواقب والمنغصات. ومن الممكن لاي باحث سياسي او متتبع لذلك ان يلاحظ بوضوح ما طرحه شهيد المحراب في خطبة السياسية التي كان الارهاب فاصلا عن اكمالها الى يومنا هذا. ولو كان رجالات الحكومة العراقية اليوم، الالتزام بكل ما طرحه (شهيد المحراب) في تلك الخطب والمحافل الثقافية والسياسية، لما وصلنا الى حالة الشد والجذب بين رؤى الديمقراطية التوافقية، وآلياتها السلبية، التي جعلها البعض بديلا عن الدستور الذي كتبته الاصابع النقسجية في يوم تحديها للارهاب العالمي بشتى انواعه وجحافله. اذ بين (رض) اليات الشراكة الحقيقية في بناء دولة القانون والمؤسسات، واوصي باتباع نهج الولاء للدولة وجعله فوق كل الاثنيات الحزبية والعرقية، داعيا الى اعتبار الكفاءة والنزاهة في المنصب الحكومي، هو السبيل الوحيد لاختيار شخصية المسؤول في توليه زمام الرعية، كما ان الاسراع في بناء المؤسسات الحكومية والخدمية، كما دعا اليه (رض) هي المدعاة الحقيقية والسبيل الانجع لتحقيق السيادة الوطنية، واخراج قوات الاحتلال من ارض العراق. وهذا بحد ذاته، كان الرؤية الحقيقية التي اعترفت بها امريكا والقوات البريطانية منذ دخولها العراق والى يومنا هذا، وهي من الاسس التي بنيت عليها الادارة الامريكية في خطابها السياسي ومشروعها القاضي باستعمار الدول الضعيفة التي تفتقر الى المؤسسات القوية، والبنية التحتية لمشروع دولة القانون والدستور. ما كان يطرحه (شهيد المحراب) لم تكن مجرد خطاب اراد ان يلقيه(رض) في مكان معين، او استثمار حالة زمنية معينة، وانما شهيد المحراب كان مصداقا حقيقيا لمشروع اسلامي وطني متكامل، يتطور يوما بعد اخر وفق تطورات المرحلة الحراكية للعالم اجمع، وهذا بحق ذاته ما جعلنا نقول جازمين بان العراق لم يخسر شخص الحكيم وفكره فقط. وانما العالم الاسلامي حرم من ذلك الفكر المعطاء والشخص النخبوي الاصيل، الذي رسم بطروحاته ومشاريعه، رؤى وتطورات الحراك الاسلامي في بناء النظام السياسي الذي لا يختلف عن اهدافه وتطلعاته بقية النظم السياسية التي حكمت العالم لقرون عديدة ،وفق احترام الانسان وتطلعاته في بناء مستقبل زاهر ينعم فيه الجميع بلا استثناء لمكون او شريحة من الناس.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك