( بقلم مصطفى القرة داغي )
قليلون هم من لم يسمعوا بحرب البسوس.. تلك الحرب التي إندلعت بسبب مشؤومة ودامت لما يقارب الأربعين سنة بين الأخوة وأبناء العمومة ولم تنتهي إلا بعد أن قضت على الآلاف من الرجال والشباب والأطفال الذين لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم إستضافوا قريبة لهم وناقتها ولم يعلموا بأنها ستكون وبالاً عليهم وعلى عوائلهم ووجودهم. اليوم تعيد حرب البسوس نفسها في العراق بأحداث مشابهة بل وأشد سوءاً ولكن في زمان مختلف وبأشخاص مختلفين.. فبالأمس كانت هنالك بسوس واحدة أشعلت فتيل تلك الحرب أما اليوم فالبسوس بالعشرات وهي التي أوجدت وأشعلت فتيل الحرب التي تدور رحاها اليوم في العراق بين الأخ وأخيه والأب وإبنه والرجل وأبناء عمومته أو خؤولته والأم وأبنائها والزوج وزوجته لا لشيء سوى لأن أحدهم قد يختلف عن الآخر في إنتمائه الطائفي أو العرقي الذي أصبح اليوم كناقة البسوس فوتر الإنتماء الطائفي والعرقي الذي عزفت عليه بعض الشخصيات السياسية وبعض الأحزاب التي تعتاش من هذا العزف النشاز هو اليوم الناقة التي بسببها إشتعلت هذه الحرب العبثية بين أبناء الوطن والمحلة الواحدة والبيت الواحد. وكما بدأت بسوس الجاهلية تحيك الدسائس وتثير مشاعر العداء بين الأخوة وأبناء العمومة والخؤولة منذ اليوم الأول الذي وطئت فيه أقدامها مضارب قبيلة أخيها ( بنو بكر ) التي كانت في حِمى وتحت نفوذ ملكها كليب وقبيلته ( بنو تغلب ).. فقد بدأ البعض يعد العدة ويشحذ الهمم لحرب البسوس العراقية التي إندلعت منذ فترة ونعيش اليوم أحداثها الدامية في كل لحظة وفي كل شبر من أرض عراقنا الحبيب مذ وطئت أقدامه أرض العراق قبل 3 سنوات محملاً بأجندة سِرّية غامضة ومخططات خطيرة وثأر يغلي في عروقه تجاه العراق كياناً وأرضاً وشعباً.. ضد العراق وجوداً وتأريخاً وحضارة وبالتحديد منذ أن إبتدع هذا البعض بُدعة مجلس الحكم الباطلة التي قسّمت مسؤولية إدارة العراق هذا البلد العظيم العملاق الى حصص ونسب وزِّعت على أشخاص إدعى كل منهم تفويضاً يُخوله تمثيل طائفته الدينية أو إثنيته العرقية.. فالخطاب الطائفي التحريضي الذي إنتهجته جميع الأطراف الطائفية ومن كلا الجانبين للعزف على الأوتار الطائفية وللتلاعب بمشاعر الناس وإثارة عاطفتهم الدينية كان له الأثر الكبير في بث الفرقة وبالتالي إثارة مشاعر العداء بين أبناء الشعب الواحد الذين تربطهم وتجمعهم صلات نسب وجيرة وصداقة ومصير مشترك منذ عشرات السنين. إن بسوس اليوم هي التي كانت وراء الجريمة التي حدثت قبل أشهر في مدينة سامراء وهي التي تقف وراء ما يحدث يومياً من مآسي إنسانية وكوارث إجتماعية ومجازر طائفية ومنذ زمن في بغداد والبصرة وديالى.. فلو تتبعنا خيوط مسلسل الفضائع التي يمر بها العراق منذ أشهر عديدة لوصلنا في نهاية المطاف الى أن في العراق اليوم أكثر من بسوس هي التي حاكت ودبرت وخططت لكل ما حدث وصولاً لتحقيق أهدافها المشؤومة الشبيهة بناقة البسوس المشؤومة وهي أن يتقاتل الأخوة وأبناء العمومة والخؤولة والجيران والأقارب فيما بينهم.. ومصداق لقولي هذا ودليل على أن ما أتحدث به هنا هو ليس من نسج الخيال بل هو واقع يعيشه العراق الآن إعلان تبثه اليوم بعض الفضائيات العراقية والعربية تظهر فيه مجموعة من المسلحين يقودهم شاب يقوم بإطلاق النار على شاب آخر يسير في أمان الله ويحمل في يديه حقيبة ديبلوماسية ويرديه قتيلاً ولكن ما إن يقترب قائد هذه المجموعة من القتيل المغدور الذي فارق الحياة حتى يكتشف ويفاجأ ويصدم بأنه أخوه وينتهي الإعلان بلقطة تظهر فيها حقيبة المغدور وقد هوت على الأرض وتناثرت محتوياتها التي كان من ضمنها صورة تذكارية قديمة جمعت الأخوين وهم في حالة عناق ويرافق هذه اللقطة تعليق يقول " حتى لا يقتل الأخ أخيه ".. إن من أعد وأنتج ومثّل هذا الإعلان هم عراقيون والتي تبثه اليوم قنوات وفضائيات تلفزيونية عراقية من ضمنها فضائيات تابعة للدولة وأحزابها وهو ما يشكل إعتراف ضمني بان هذا هو ما يحدث اليوم فعلاً في العراق أو على الأقل ما يمكن أن يحدث إذا لم يقم أحد بايقاف البسوسات العراقية عند حدها ومنعها من الإستمرار في دفع العراق الى الهاوية التي هو سائر إليها لامحالة في حال إستمرت في إنتهاج نفس الخطاب الحالي وإتباع نفس الممارسات الحالية.. وبمعنى أوضح وأصح إذا لم تصمت هذه البسوسات وتكفينا شرها وتبتعد.. وهذا في إعتقدي هو ما سيحدث إن عاجلاً أو آجلاً ولكن بعد فوات الأوان إذ يبدوا بأن هذه الشخصيات البسوسية وأحزابها سترحل في يوم من الأيام تاركة الأهل يتقاتلون فيما بينهم الى ماشاء الله بعد أن يتحقق لها مرادها وتحصل على ماتريد من مكاسب مادية ومعنوية لم تكن تحلم بها كما رحلت بسوس الماضي في ليلة ظلماء ليس بها قمر تاركة الأخوة وأبناء العمومة يتقاتلون فيما بينهم جيل بعد جيل لأربعين سنة. قد يعترض البعض على رؤيتي هذه بالقول.. كيف تقارن بين ماحدث قبل 2000 عام وما يحدث اليوم !.. بين مجتمع جاهلي غير متعلم كان من السهل تأثره بكلام البسوس ومجتمع اليوم في القرن الواحد والعشرين الذي يضم متعلمين وخريجين ومثقفين! وجوابي هو لا فرق.. فصحيح إن البعض يعيش اليوم في القرن الواحد والعشرين.. يرتدي الجينز ويركب السيارة ويستخدم الإنترنت ويتحدث بعدة لغات ويقرأ الكتب إلا أن ما في داخل عقله هو فكر جاهلي يُسيّر حياته ويرسم له تحركاته وهذا هو السبب في أننا الآن من أكثر أمم العالم تخلفاً وتراجعاً في جميع نواحي الحياة وسنبقى الى مشاء الله إن لم يتخلص البعض من هذا الفكر وهذه العقلية خصوصاً وأن البعض منهم ليسوا افراداً عاديين في المجتمع بل قادة وزعماء تسير الملايين في ركابهم ووفق فكرهم هذا.. ثم أنسيتم بأن من فجروا برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك كانوا يرتدون الجينز ويقودون ليس فقط السيارات بل الطائرات ومن خريجي الجامعات وحملة الشهادات ومستخدمين بارعين للإنترنت ؟ لقد تخلصنا قبل أيام والحمد لله من أخطر بسوس كانت موجودة على أرض العراق وهي الإرهابي المجرم أبو مصهب الزرقاوي الذي عمد منذ تدنيسه لأرض العراق الطاهرة على إثارة نار الفتنة والفرقة والعداء بين أبناء الوطن الواحد عبر بيناته الطائفية التي كان يذيعها عبر الفضائيات ومواقع الإنترنت والتي كانت تقطر سماً على العراقيين وكذلك قتله للعراقيين الأبرياء العزل من هذه الطائفة أو تلك بالجملة في محاولة منه لتحريض هذه الطائفة على تلك.. إلا أن هنالك مسألة هامة يجب الإنتباه إليها بشأن البسوس وهي أن البسوسات التي نقصدها هنا هي ليست من طائفة أو قومية بعينها.. فالبسوس ليس لها قومية ثابتة أو طائفة ثابتة وهي من الممكن أن تكون من أي طائفة أو أي قومية أو أي دين أو أي مذهب على العكس مما يراد تصويره اليوم.. فالبسوس الزرقاوية كانت من طائفة معينة ومن قومية معينة ولكن البسوسات الأخريات قد تكون من نفس الطائفة والقومية وقد تكون من غيرها وهذا هو فعلاً ما يحدث على أرض الواقع في عراقنا الجريح.. لذا فالحذر الحذر أيها العراقيين من البسوسات التي نتتشر بينكم اليوم في أرض العراق. مصطفى القرة داغياشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha