د.مسعود ناجي إدريس ||
جواب: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَ يُزَكِّيكُمْ وَ يُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ
قوله { كما أرسلنا } التشبيه فيه على القول الأول معناه أن النعمة في أمر القبلة كالنعمة بالرسالة لأن الله تعالى لطف لعباده بها على ما يعلم من المصلحة ومحمود العاقبة وأما على القول الثاني فمعناه أن في بعثة الرسول منكم إليكم نعمة عليكم لأنه يحصل لكم به عز الرسالة فكما أنعمت عليكم بهذه النعمة العظيمة فاذكروني واشكروا لي واعبدوني أنعم عليكم بالجزاء والثواب والخطاب للعرب على قول جميع المفسرين وقوله { رسولا } يعني محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) { منكم } بالنسب لأنه من العرب ووجه النعمة عليهم بكونه من العرب ما حصل لهم به من الشرف والذكر وأن العرب لم تكن لتتبع رسولا يبعث إليهم من غيرهم مع نخوتهم وعزتهم في نفوسهم فكون الرسول منهم يكون أدعى لهم إلى الإيمان به واتباعه وقوله { يتلو عليكم آياتنا } أراد بها القرآن { ويزكيكم } ويعرضكم لما تكونون به أزكياء من الأمر بطاعة الله واتباع مرضاته ويحتمل أن يكون معناه ينسبكم إلى أنكم أزكياء بشهادته لكم بذلك ليعرفكم الناس به { ويعلمكم الكتاب والحكمة } الكتاب القرآن والحكمة هي القرآن أيضا جمع بين الصفتين لاختلاف فائدتهما كما يقال الله العالم بالأمور كلها القادر عليها وقيل أراد بالكتاب القرآن وبالحكمة الوحي من السنة وما لا يعلم إلا من جهته من الأحكام وقوله { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } أي ما لا سبيل لكم إلى عمله إلا من جهة السمع فذكرهم الله بالنعمة فيه ويكون التعليم لما عليه دليل من جهة العقل تابعا للنعمة فيه ولا سيما إذا وقع موقع اللطف .
{ فاذكروني أذكركم } قيل معناه اذكروني بطاعتي أذكركم برحمتي عن سعيد بن جبير بيانه قوله سبحانه وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون وقيل اذكروني بطاعتي أذكركم بمعونتي عن ابن عباس وبيانه قوله والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقيل اذكروني بالشكر أذكركم بالزيادة عن ابن كيسان بيانه لئن شكرتم لأزيدنكم وقيل اذكروني على ظهر الأرض أذكركم في بطنها وقد جاء في الدعاء اذكروني عند البلاء إذا نسيني الناسون من الورى وقيل اذكروني في الدنيا أذكركم في العقبي وقيل اذكروني في النعمة والرخاء أذكركم في الشدة والبلاء وبيانه قوله سبحانه فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون وفي الخبر تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وقيل اذكروني بالدعاء أذكركم بالإجابة بيانه قوله { ادعوني أستجب لكم } .
وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الملك ينزل الصحيفة من أول النهار وأول الليل يكتب فيها عمل ابن آدم فأملوا (2) في أولها خيرا وفي آخرها خيرا فإن الله يغفر لكم ما بين ذلك إن شاء الله فإن الله يقول { اذكروني أذكركم } وقال الربيع في هذه الآية إن الله عز وجل ذاكر من ذكره وزائد من شكره ومعذب من كفره وقوله { واشكروا لي } أي اشكروا نعمتي وأظهروها واعترفوا بها { ولا تكفرون } ولا تستروا نعمتي بالجحود يعني بالنعمة قوله { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } الآية .
بعد ذكر هذه النعمة يشير القرآن إلى أربع نِعَم عادت على المسلمين ببركة هذه النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم):
1 ـ { يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا } ، ويتلومن التلاوة، أي من إتيان الشيء متوالياً، والإتيان بالعبارات المتوالية (وبنظام صحيح) هي التلاوة.
النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إذن يقرأ عليكم آيات الله متتالية، لتنفذ إلى قلوبكم، ولإعداد أنفسكم إلى التعليم والتربية.
2 ـ (وَيُزَكِّيكُمْ).
و «التّزكية» هو الزيادة والإنماء، أي إنّ النّبي بفضل آيات الله يزيدكم كمالا مادياً ومعنوياً، وينمّي أرواحكم، ويربّي في أنفسكم الطهر والفضيلة، ويزيل ألوان الرذائل التي كانت تغمر مجتمعكم في الجاهلية.
3 ـ { وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ والْحِكْمَةَ } .
التعليم طبعاً مقدم بشكل طبيعي على التربية، ولكن القرآن ـ كما ذكرنا ـ يقدم التربية في مواضع تأكيداً على أنها هي الهدف النهائي.
الفرق بين «الكتاب» و«الحكمة» قد يكون بلحاظ أن الكتاب إشارة إلى آيات القرآن والوحي الإِلهي النازل على النّبي بشكل إعجازي، والحكمة حديث النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتعاليمه المسمّاة بالسنة.
وقد يكون الكتاب إشارة إلى أصل التعاليم الإِسلامية، والحكمة إشارة إلى أسرارها وعللها ونتائجها.
ومن المفسرين من احتمل أن «الحكمة» إشارة إلى الحالة والملكة الحاصلة من تعاليم الكتاب. وبامتلاكها يستطيع الفرد أن يضع الأُمور في نصابها(2).
صاحب «المنار» يرفض أن يكون معنى الحكمة «السنة»، ويستدل على رفضه بالآية الكريمة {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ } [الإسراء: 39] .
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha