المقالات

جذع النخلة يعزف "أنشودة المطر"

1411 2023-01-12

حمزة مصطفى ||

 

على وقع أقدام لاعبي المنتخبين العراقي والسعودي وهي تتقاذف برشاقة كرة المطر في مستطيل ملعب "جذع النخلة" الأخضر بالبصرة  "خليجي 25" كان الجميع, اللاعبون والجمهور وطواقم التحكيم والتدريب وجينين بلاسخارت يعزفون "أنشودة المطر" لشاعر الحياة والمطر بدر شاكر السياب. لم يعلم السياب الذي مات بعيدا عن بلاده, غريبا على الخليج, في شتاء بارد ممطر من عام 1964 أن ملعبا سيبنى بعد نحو ستين عاما على وفاته لتتحول مباراة لكرة القدم الى مباراة لكرة المطر الذي أحبه أبا غيلان وكتب عنه واحدة من عيون الشعر العربي في العصر الحديث. فعلى مدى شوطي المباراة كان المطر يهطل وصدى الصوت الآتي من الماضي القريب حيث "ينشج" المطر السيابي مثلما "تنشج المزاريب إذا إنهمر" ليمتزج الحزن الذي "يبعث المطر"  مع كركرة الأطفال في عرائش الكروم. تلك الصورة التي لم تفارق مخيلتنا حين قرأنا لأول مرة قصيدة أنشودة المطر في مقررات الدراسة الإعدادية .

 وحيث تستمر المباراة ويواصل المطر إنهماره "مطر, مطر, مطر" يمتزج صوت السياب بأمواج الخليج عازفة لحنا أخر قوامه حفيف اقدام اللاعبين وهي تلامس بالكاد عبر بركات الماء التي ملأت حشائش الملعب الكرة المتمردة وبين صوت الشاعر وصدى البحر  (وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ,سواحلَ العراق بالنجوم والمحارْ،كأنها تهمّ بالشروقْ,فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ.أصيح بالخليج: (يا خليجْ  ياواهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى فيرجعٍ الصّدى كأنه النشيجْ يا خليج ياواهب المحار والردى). 

 في قصيدة "غريب على الخليج" وهي مثلها مثل قصائد "أنشودة المطر, النهر والموت, بويب," من عيون الشعر العربي الحديث الذي يقف السياب على رأس رواده العراقيين "عبد الوهاب البياتي, نازك الملائكة" تحسر لأنه لن يعود الى العراق "واحسرتاه ... فلن أعود الى العراق". ولأن الـ "لن" النافية قطعت كل أمل للعودة فإنه لم يخجل في أن يحدد أسبابها أو سببها الرئيس الذي كان يحول وقد حال فعلا دون عودته حتى ميتته القاسية وذلك بعدم إمتلاكه أجرة العودة من الكويت حيث يقيم الى البصرة حيث ينبغي أن يدفن بالقرب من "منزل الأقنان" قائلا بكامل مافي اللغة من لوعة "وهل يعود؟ من كان تعوزه النقود"؟. بهذه الـ "هل" وقبلها الـ "لن" النافية أسدل الشاعر الحزين الستار على تلك الرحلة القصيرة في الشعر والحياة (مات عن 39 عاما) في يوم ممطر (المطر لايفارق السياب حيا وميتا)  دون أن يعلم أن ملعبا لكرة القدم سيبنى بعد  نصف قرن على وفاته في مدينته البصرة سيتحول هذا الملعب الى دار أوبرا تعزف الحان المطر على وقع هدير صوت السياب الآتي من أعماق الخلود " كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ. وقطرة فقطرةً تذوب في المطرْ. وكركر الأطفالُ في عرائش المكرومْ،ودغدغت صمت العصافير على الشجرْ,أنشودةُ المطرْ...

مطرْ...

مطرْ...

مطرْ..".

 

ــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
مهدي اليستري : السلام عليك ايها السيد الزكي الطاهر الوالي الداعي الحفي اشهد انك قلت حقا ونطقت صدقا ودعوة إلى ...
الموضوع :
قصة السيد ابراهيم المجاب … ” إقرأوها “
ابو محمد : كلنا مع حرق سفارة امريكا الارهابية المجرمة قاتلة اطفال غزة والعراق وسوريا واليمن وليس فقط حرق مطاعم ...
الموضوع :
الخارجية العراقية ترد على واشنطن وتبرأ الحشد الشعبي من هجمات المطاعم
جبارعبدالزهرة العبودي : هذا التمثال يدل على خباثة النحات الذي قام بنحته ويدل ايضا على انه فاقد للحياء ومكارم الأخلاق ...
الموضوع :
استغراب نيابي وشعبي من تمثال الإصبع في بغداد: يعطي ايحاءات وليس فيه ذوق
سميرة مراد : بوركت الانامل التي سطرت هذه الكلمات ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية : الف الف مبروك للمنتخب العراقي ...
الموضوع :
المندلاوي يبارك فوز منتخب العراق على نظيره الفيتنامي ضمن منافسات بطولة كأس اسيا تحت ٢٣ سنة
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
غريب : والله انها البكاء والعجز امام روح الكلمات يا ابا عبد الله 💔 ...
الموضوع :
قصيدة الشيخ صالح ابن العرندس في الحسين ع
أبو رغيف : بارك الله فيكم أولاد سلمان ألمحمدي وبارك بفقيه خراسان ألسيد علي ألسيستاني دام ظله وأطال الله عزوجل ...
الموضوع :
الحرس الثوري الإيراني: جميع أهداف هجومنا على إسرائيل كانت عسكرية وتم ضربها بنجاح
احمد إبراهيم : خلع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني لم يكن الاول من نوعه في الخليج العربي فقد تم ...
الموضوع :
كيف قبلت الشيخة موزة الزواج من امير قطر حمد ال ثاني؟
فيسبوك