المقالات

فاطمة الزهراء قدوة الإنسان المعاصر ..


د.مسعود ناجي إدريس ||

 

• سؤال: قالوا: «فاطمة الزهراء احدى الاسوات الحسنة» وأنا أرفض ذلك بسبب:

هي ابنة الرسول ولدت معصومة من الصغر ولم تكن عصمة اختيارية. رغم أننا لسنا كذلك نحن انحدرنا من أب وأم ومحيط مليء بالذنوب غير ان الناس من حولنا معتقداتهم مختلفة، ولم يكن من المقدور لي أن يكون 12 إمامًا من نسلي!! العالم اليوم مختلف كثيرًا عما كان عليه قبل 1400 عام، والانطباع الوحيد الذي لدي عنهم هو أنهم كانوا في المنزل 24 ساعة في اليوم، يقومون بالأعمال المنزلية وكونهم زوجات صالحين. هل يمكن للمرأة أن تكون دائمًا في المنزل في عصرنا هذا؟ بالتأكيد ستصاب بالاكتئاب. كما أن كل البنات لم يتزوجوا شخصا مثل الإمام علي (ع)!!!

• جواب: في أسئلتك هذه بعض المعتقدات الخاطئة، والتي بالطبع ليست خطأك وتتعلق بالطريقة الخاطئة في تدريس التعاليم الدينية في نظامنا التعليمي:

١. تم اكتساب جزء كبير من عصمة أولياء الله وليس الأمر كما لو أنها هبة من عند الله لهم دون أي جهد.

٢. لم تكن فاطمة الزهراء ربة منزل بالمعنى الذي وصلنا. هذه السيدة لديها خبرة في الأنشطة الاجتماعية والتعليم والمشاركة في الحرب والتمريض والنضال السياسي وأشياء كثيرة نبحث عنها اليوم في شعار المرأة والحياة والحرية.

٣. في البداية كانت فاطمة هي فاطمة، وبعد ذلك أصبحت كفوءة لتكون زوجة علي وليس العكس...

في هذه المرحلة، دعنا نتحدث أكثر عن العصمة.

السؤال المهم هنا، من أين حصل المعصومين على هذه الميزة المتمثلة في رؤية حقيقة المعصية والسعي وراء كسب رضا الله لدرجة أنهم لا يخطئون؟

الشرط الأساسي لهذا المنصب هو التحسين الذاتي العميق، وعليه يجب ان تعلموا بأن الاستعدادات ممكنة لنا جميعًا. هذا يعني أن كل واحد منا يمكنه الوصول إلى اهدافه الروحية المرجوة.

إن الله تعالى بعلمه الأزلي علم بأن مجموعة من عباده بحسن اختيارهم سينتفعون من الوجود وسينالون الكمال البشري، ولأن علم الله أزلي من أول خلق العالم علم بأن البعض بحسن اختيارهم سيوفون بعهودهم الإلهية ولن يزلزلهم الامتحانات الدنيوية عن هذه العهود وسيعيشون بعصمة لذلك أجتباهم لنفسه وتفضل عليهم بعطائه لعلم الغيب الإلهي وانتخب منهم أنبياءه وأولياءه .

عصمة الملكة النفسانية تمنع الإنسان من الخطأ والذنب. لذلك فإن العصمة من جهة تقوم على الإرادة الحرة للإنسان، وهي موجودة في الأشخاص الذين يكتسبونها بإرادتهم الحرة، ويمكن لجميع الناس تحقيقها، ومن جهة أخرى، فهي هدية، وإن الله تعالى، بحكمته، يعطي هذه الصفة لمن نالوا الهداية البشرية.

لذلك فإن العصمة هي مكانة مكتسبة وهدية يكتسبها الإنسان بإرادته الحرة، لكن يحتاج التوفيق الإلهي أيضًا.

يعتمد فهم هذه النقطة على معرفة عدة نقاط:

أولاً. الأنبياء والأئمة عليهم السلام يمتلكون الإرادة البشرية وحياتهم ومعيشتهم لا تختلف عن الآخرين. يسعى المسؤولون الروحيون إلى التعلم بكل ما اعطاهم الله من سعة وهم أهل الصبر والجهاد والزهد والتقوى.

ثانيا. يعلم الله تعالى قدرة الأنبياء والأئمة الخاصة وكفاءتهم لتولي مسؤولية قيادة المجتمع. في الواقع قدرتهم وكفاءتهم يرجع معظمها إلى أفعالهم الاختيارية المعروفة عند الله كونه تعالى عالم الغيب والشهادة، وهذه القدرة القائمة على التقدير هي سبب اختيارهم. تشهد العديد من الآيات والسنن على هاتين حقيقتين:«وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ کانُوا بِآیاتِنا یُوقِنُونَ»؛ السجدة (٢٤)، و «اللَّهُ أَعْلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسالَتَهُ»؛ الانعام (١٢٤).

ثالثًا ، إن تكليف أي مسؤولية يقترن بتوفير التسهيلات اللازمة. إمامة المجتمع ليست استثناء من هذه القاعدة. لذلك ، يزودهم الله بالمعرفة اللازمة لتحمل مسؤولية الإمامة. هذه الميزة ملحوظة عندما تكون مسؤولاً مثل الأئمة (عليهم السلام). يذكر في بداية دعاء الندبة مجموع هذه الحقائق الثلاث:«وَ لا اضْمِحْلالَ بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَیْهِمُ الزُّهْدَ فِى دَرَجَاتِ هَذِهِ الدُّنْیَا الدَّنِیَّةِ وَ زُخْرُفِهَا وَ زِبْرِجِهَا فَشَرَطُوا لَکَ ذَلِکَ وَ عَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفَاءَ بِهِ فَقَبِلْتَهُمْ وَ قَرَّبْتَهُمْ وَ قَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّکْرَ الْعَلِیَّ وَ الثَّنَاءَ الْجَلِیَّ وَ أَهْبَطْتَ عَلَیْهِمْ مَلائِکَتَکَ وَ کَرَّمْتَهُمْ بِوَحْیِکَ وَ رَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِکَ»

وبالطبع فإن هذا الامتياز (العصمة الموهوبة) هو الشرط الأساسي للإمامة ، يبلغ المعصومين مناصب أعلى من المعرفة والعصمة من خلال إرادتهم وجهدهم وعبادتهم. كما نقرأ في القرآن الكريم من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:«وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً»؛ طه (١١٤)

هذه العبادات والصبر والجهاد - التي تتم بإرادة حرة - تؤدي إلى تفوق بعض الأنبياء على الآخرين:«تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ»؛ البقرة (٢٥٣)

رابعاً ، الوصول إلى منزلة "العصمة" وإيجاد الطريق الذي يؤدي إلى المرجعيات "العلمية والروحية" ليس حكراً على الأنبياء والأئمة ، بل هو متاح للجميع وكل شخص يضع هذا الهدف امام عينه ويسعى ويجتهد للوصول اليه سيكتسب هذه المنزلة العظيمة بكل تأكيد. 

نرى ذلك عندما ذهبت  السيدة زينب (عليها السلام) إلى حد العصمة ووصل أبي الفضل العباس (عليه السلام) إلى مناصب روحية عالية حيث يمكن ان نضع مسير حياتهما درس ومنهج في حياتنا للوصول الى هذه المنزلة العظيمة.

يُطلق على العديد من العلماء اسم "تالي تلو المعصوم" (أولئك القريبون من حدود العصمة). وكون موضوع العصمة يثار دائما وبشكل رئيسي على الأنبياء والأئمة ، يرجع إلى وجوب العصمة فيهم. بمعنى أن الإمامة والنبوة تكمن في البراءة ، والله سبحانه وتعالى لا يختار من يفتقر إلى هذه الصفة لهاتين المنصبين.

لذلك ، لا يمكن لأحد غير المعصوم من الخطأ أن يصل إلى النبوة والإمامة ، لكن هذا لا يعني أن أي شخص ليس إمامًا أو نبيًا لن ينتفع بأي درجة من العصمة. وعليه يمكن ان نقول لا نبوة ولا امامة دون عصمة لكن لا يمكن القول لا عصمة دون نبوة و امامة فهذين الامرين مختلفين تماما ولا يجب الخلط بينهما.

هنا يجب الانتباه إلى نقطة غاية في الأهمية وهي: بين منصب الرسالة والإمامة ومنصب العصمة فرق كبير جدا وان منصب الرسالة والإمامة ليس منصب يمكن اكتسابه بل يعطيه الله لم يشاء «الله اعلم حیث یجعل رسالته» خصه باولئك الذين بفضل التوفيق الإلهي وصلوا إلى أعلى المراتب واستحقوا الولاية الإلهية الكبرى. لذا مقام النبوة والإمامة لا يمكن اكتسابه بالجهد والسعي. لكن منصب العصمة يمكن للجميع الوصول إليها بالجهاد الأكبر.

خامسًا ، عندما تستوفي شروط احسان الباري تعالى ستتلقى التوفيق منه  بمعنى آخر للوصول الى هذه المنزلة العظيمة يتطلب تزويد كل من لديه القدرة والموهبة على الكمال بجميع الشروط اللازمة لتحقيق هذا الكمال.

لتوضيح هذه النقطة يجب أن نقول لا حدود في عطاء الله فهو أكرم الأكرمين وليشملنا كرمه وعطاؤه يجب أن نكون قادرين على تلقي نعمه لذلك إذا كانت إمكانيتنا تسمح بتلقي المعرفة الدنيوية فلن يمنع الله عطاءه عنا وسيرزقنا بهذه المعرفة بكل تأكيد. لكن إذا انتبهنا على أنفسنا قليلاً سنصل إلى يقين بأن ادعاءنا بأنه إذا امتلكنا معرفة المعصومين سنكون مثلهم، ونعصم أنفسنا عن الذنوب ليس أكثر من مجرد ادعاء. والسبب في ذلك هو أننا، في كثير من الحالات، نتصرف ضد معرفتنا ووعينا. كما جاء في إحدى الروايات: «من عمل بما علم علّمه اللَّه علم مالا یعلم»

لذلك نستنتج من هذه المقالة أن العصمة مع كونها هبة ، ترتبط بالمزايا المكتسبة والأعمال الإختيارية للإنسان ، وعطاء العصمة للأنبياء والأئمة يقوم على قوانين ومبادئ عامة ولم يخضع لتوزيعات عشوائية دون وجود حكمة وعلم وراء هذا العطاء. لذلك  من لديه الجدارة والمزايا اللازمتين ، سيتم تقديم هذه الهبة له بما يتناسب مع استحقاقه.

بالإضافة إلى الطبيعة النقية ، يستفيد الأنبياء أيضًا من الوحي والمعرفة غير المرئية دون وسيط. ولكن من أجل الاستفادة من الهداية ، يجب أن يلتزموا بأوامر الله وأن يستجيبوا بشكل إيجابي لمكانتهم خلاف لذلك ، سيسلب هذه العصمة منهم. كما حدث مع النبي يونس عليه السلام «ولو تقول علینا بعض الاقأویل، لاخذنا منه بالیمین، ثم لقطعنا منه الوتین» (الحاقة ٤٦)...

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك