المقالات

من يقيم الدولة الحضارية الحديثة؟!


محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

بصدد البحث عن جواب السؤال عمّن يقيم الدولة الحضارية الحديثة، يمكن استخلاص الجواب من التجارب الماضية التي اسفرت عن قيام دول حضارية حديثة، مثل انكلترا (الثورة الانگليزية في ١٦٨٨) او حرب الاستقلال الاميركية  (1775–1783) او الثورة الفرنسية (١٧٨٩). ودراسة هذه الثورات، والثورات المشابهة لها، تعطينا الجواب العام بان هناك  ثلاثة اطراف تسهم في نقل المجتمع من حالة الدولة التقليدية السلطانية الى حالة الدولة الحديثة وهي: النخبة الواعية، الجمهور الثوري، السلطة الثورية. هذا بعد توفر جملة من العوامل الاقتصادية والسياسية والمؤثرات الخارجية.

النخبة الواعية تقوم بطرح نموذج الدولة الحضارية الحديثة، من خلال عمليات التثقيف والتوعية، ثم يتحرك المجتمع وفق هذه الرؤية ويضغط باتجاه حصول تغيرات في السلطة، واخيرا تولي السلطة من قبل فئة تتبنى النموذج الحضاري الجديد. حصل هذا بالضبط في الولايات المتحدة قبل استقلالها، وكان للاوراق الفيدرالية دور كبير في التحول السياسي للولايات الاميركية انذاك. وهي مجموعة مقالات كتبها ثلاثة أعلام من أعلام الفكر السياسي الأمريكي وهم جيمس مادسون، والكسندر هاملتون، وجان جي. وقد نشرت هذه الأوراق التي بلغ عددها 85 ورقة في الصحف المحلية في ولاية نيويورك منذ النصف الثاني من عام 1787 وحتى منتصف 1788 تقريباً. وبعد انتصار الثورة تولى السلطة رجال امنوا بالنموذج الذي طرحته "الاوراق الفيدرالية" واطلق عليهم المؤرخون عنوان "الاباء المؤسسون". وحصل مثل هذا في فرنسا وفي انكلترا.

نستطيع ان نسجل هنا ان مثل هذا لم يحصل في العراق منذ خروجه من حكم الدولة العثمانية الى اليوم. نعم قامت أحزاب عقائدية او شبه عقائدية (الحزب الشيوعي، حزب البعث، حزب الدعوة) لكنها لم تقدم نموذجا للدولة الحضارية الحديثة. ثم غرق العراق في مسلسل الانقلابات العسكرية لمدة عقد كامل (١٩٥٨-١٩٦٨)، اعقبته ثلاثة عقود ونصف من الحكم الدكتاتوري المتخلف (١٩٦٨-٢٠٠٣). وبعد سقوط النظام الصدامي تولت الحكم احزاب سلطانية وتقليدية  لا تملك تصورا للدولة الحضارية الحديثة الى ان تولى الحكم  اقل الناس كفاءة وثقافة وقدرة، مثله مثل الخلفاء العباسيين في عصور الانحطاط والتخلف.

كل هذا اوصل العراق كدولة ومجتمع الى حالته الراهنة مما لا ضرورة الى تفصيل مجملها لانه معروفة لدى الناس، واصبح من الاهم البحث عن حل ومخرج، بدل الاستغراق في وصف الحال والبكاء على الاطلال. والحل والمخرج كما تدل كل التجارب التاريخية المماثلة من الثورة الانكليزية الى تجربة رواندا مرورا بتجارب سنغافورة وغيرها من الدول هو السير في الطريق الطويل المؤدي الى الدولة الحضارية الحديثة. وهي في ابسط تعاريفها الدولة التي توفر حياة سعيدة ميسرة  حرة لمواطنيها على اساس القانون و عن طريق الادارة الجيدة (الحوكمة الرشيدة) لمواردها بما في ذلك الاستفادة من الامكانيات التي يوفرها العلم الحديث والتكنولوجيا المتقدمة.

ومع عدم اغفال الدور الكبير الذي يجب ان تقوم به النخبة الواعية والجمهور الواعي في هذا الطريق، فان على الحكومة ان تؤدي دورها على احسن وجه في هذا المجال. واذا كان للحكومة وظائف متعددة فان من وظائفها المهمة التي تتطلبها عملية اقامة الدولة الحضارية الحديثة هي تنفيذ المشروع الوطني للتربية الحضارية الحديثة. وينطلق قولي هذا من الايمان بان المجتمع يمثل القاعدة البشرية للدولة الحضارية الحديثة. وان اصلاح المجتمع على اساس النموذج الحضاري الحديث هو الشرط الضامن لقيام هذا الدولة واستقرارها ودوامها. وان بناء القاعدة المجتمعية الصالحة انما يتم في المدرسة. فالمدرسة في حاضنة بذور الدولة الحضارية الحديثة. ولا يمكن للمدرسة ان تكون كذلك دون تكون مصممة على اساس النظام التربوي الحديث الذي يزرع قيم الحضارة والحداثة والمعرفة في نفوس الاطفال وهذا هو ما يتم بيانه وتفصيله في المشروع الوطني للتربية الحضارية الحديثة. ولهذا يتعين على اية حكومة تتولى السلطة في العراق ان تتبنى هذا المشروع الذي يستوعب كل سنوات المراحل الدراسية ال ١٢ سنة.

 

ـــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
سامي : السلام عليكم وعلى العراق السلام في عام 1987عندما تعرضد عملات جنوب شرق آسيا إلى هجمه شرسه قام ...
الموضوع :
السياسات الأمريكية اللئيمة
سلمان راشد كاظم : منطقة الطالبية حي البيضاء محلة323 زقاق 64 نعاني منذ اكثر من خمسة اشهر بقيام صيانة حي البنوك ...
الموضوع :
قسم الشكاوى في كهرباء الرصافة يدعو المواطنين للاسهام في القضاء على الفساد الاداري
ابراهيم الاعرجي : ولماذا اساسا نربط مصيرنا بايران وامريكا .. لماذا تم انشاء محطات وقود غازية .. وكان بالامكان انشاء ...
الموضوع :
أمريكا تعرقل ارسال ديون إيران.. وصيف لاهب ينتظر العراق
احمد : كتاب جيد بارك الله في المؤلف ...
الموضوع :
حين يظمأ الماء كتاب يحمل قصائد الى الامام الحسين عليه السلام
ابن النجف الاشرف : نداء استغاثة الى السيد رئيس الوزراء محمد السوداني نرجو زيارة مدينة النجف الاشرف والاطلاع على المعتقلين مؤخرا ...
الموضوع :
السوداني يترأس اجتماعاً خاصاً بتطوير مطار بغداد الدولي
ابو رغيف : لم أجد في أي مكان ان السيد محمد شياع السوداني يحمل أي جنسية أخرى سوى ألعراقية لهذا ...
الموضوع :
السوداني والعامري يبحثان مسارات عمل الأجهزة التنفيذية وفق البرنامج الحكومي
حسن مجتبى بزّي : السلام عليكم ورحمة الله.. تحية لجناب الدكتور العزيز.. أرجو من جنابكم تأكيد المعلومة التي ذكرتموها حول وكالة ...
الموضوع :
وطنية السيد موسى الصدر
باسم السلمي : نعم ... رحم الله الشهيد السعيد المهندس الذي ضرب أروع الأمثال في البطولة والتضحية والفداء فكان ليثا ...
الموضوع :
تيار الشهيد أبو مهدي المهندس..!
ابو حسنين : وضع العرب مزري من حيث وجدوا في الارض في الجاهليه كانوا قبائل متناحره ومتشرذمه وحضارتهم السلب والنهب ...
الموضوع :
لماذا أوضاع العرب مزرية؟!
ر. ح. ن : مع شديد الاسف من يمثل المكون الشيعي من قادة وسياسيين لم يرتقوا الى مستوى يؤهلهم ليكونوا خداما ...
الموضوع :
الاطار اطارنا 
فيسبوك