د.مسعود ناجي إدريس ||
سؤال: هل قبل النبي ادم (ع) وجد مخلوقات تشبه الانسان ؟ واذا لم يكن هناك مخلوق اذا في الاية 30 من سورة البقرة كيف عرفت الملائكة ان الانسان مسفك للدماء ؟
جواب: قيل إن الله سبحانه أوضح للملائكة من قبل على وجه الإِجمال مستقبل الإِنسان، وقيل إن الملائكة فهموا ذلك من خلال عبارة «في الأرض»، لأنهم علموا أن هذا الإِنسان يخلق من التراب، والمادة لمحدوديتها هي حتماً مركز للتنافس والنزاع. وهذا العالم المحدود المادي لا يستطيع أن يشبع طبيعة الحرص في الإنسان. وهذه الدنيا لو وضعت بأجمعها في فم الإنسان فقد لا تشبعه. وهذا الوضع ـ إن لم يقترن بالالتزام والشعور بالمسؤولية ـ يؤدي إلى الفساد وسفك الدماء.
بعض المفسرين ذهب إلى أنّ تنبؤ الملائكة يعود إلى تجربتهم السابقة مع مخلوقات سبقت آدم، وهذه المخلوقات تنازعت وسفكت الدماء وخلفت في الملائكة انطباعاً مرّاً عن موجودات الارض.
هذه التفاسير الثلاثة لا تتعارض مع بعضها. وقد يكون موقف الملائكة من استخلاف آدم ناشئاً عن هذه الأسباب الثلاثة معاً.
الملائكة بيّنوا حقيقة من الحقائق. ولذلك لم ينكر الله عليهم قولهم، بل أشار إلى أن ثمة حقائق اُخرى إلى جانب هذه الحقيقة، حقائق ترتبط بمكانة الإنسان في الوجود; وهذا ما لم تعرفه الملائكة.
الملائكة يعلمون أن الهدف من الخلقة هو العبودية والطاعة، وكانوا يرون في أنفسهم مصداقاً كاملا لذلك، فهم في العبادة غارقون. ولذلك فهم ـ أكثر من غيرهم ـ للخلافة لائقون، غير عالمين أن بين عبادة الإنسان المليء بألوان الشهوات، والمحاط بأشكال الوساوس الشيطانية والمغريات الدنيوية وبين عبادتهم، ـ وهم خالون من كل هذه المؤثرات ـ بون شاسع. فأين عبادة هذا الموجود الغارق وسط الأمواج العاتية، من عبادة تلك الموجودات التي تعيش على ساحل آمن؟!
ماذا تعرف الملائكة من ابناء آدم أمثال محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وابراهيم ونوح وموسى وعيسى والأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام)وعباد الله الصالحين والشهداء والمضحّون من الرجال والنساء الذين قدّموا وجودهم على مذبح العشق الإلهي، والذين تساوي ساعة من تفكّرهم سنوات متمادية من عبادة الملائكة.
الجدير بالذكر، إن الملائكة ركنوا في بيان فضلهم إلى ثلاثة اُمور: التسبيح والحمد، والتقديس، أمّا التسبيح والحمد فمعناهما واضح. وهو تنزيه الله عزّ وجلّ من كل نقص والاعتراف له بكل كمال وجمال. أمّا ما هو معنى التقديس؟ البعض يرى أنه عبارة عن تنزيه الله عزّوجلّ عن كل نقص. وهو معنى التسبيح المتقدم. ولكن آخرين ذهبوا إلى ان التقديس من مادة «قدس» أي تطهير الارض من الفاسدين والمفسدين. او تطهير النفس من كل رذيلة. أو تطهير الجسم والروح للّه. والشاهد على ذلك كلمة «لك»، في جملة «نقدس لك» لأن الملائكة لم يقولوا «نقدسك» بل «نقدس لك»، أي تطهر المجتمع والارض لك.
وفي الحقيقة أن مرادهم هو القول بأن الهدف اذا كان هو الطاعة والعبودية فنحن على أتمّ الاستعداد. ولو كان هو العبادة فنحن في هذه الحالة دائماً، واذا كان المقصود هو تطهير النفس أو تطهير الارض فسوف ننفذ هذا الامر. في حين أن الانسان المادي مضافاً إلى فساده. فانه يفسد الارض.
ومن أجل أن تتضح الحقيقة للملائكة أقدم الله سبحانه على هذه التجربة ليعلموا الفرق الشاسع بينهم وبين آدم(عليه السلام)...
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha