المقالات

أَثــرُ فــراشــةْ..!


سلمــى الزيدي ||

 

وصَلَت إلـى بقعتها الصغيرة من الأرض الزراعية، مساحتها الوحيدة التي تشـعر بها بالحـريـة!

عكس باقي وطنها المُحــتلْ، تبتًـسم كلمــا وقَعَــت عَيــنها بِعَيــنيه، فيَــبتَـسم لَــها بعينيــنٍ لامِعــة، أَثَر ضوء شَمــس الصَـباح الَتــي أَطفـأَ أَيلول شَيئــاً من شِدَّة تَوَهُـجَـها، فكَـانت دافِئَةٌ مُحَبـَبَـة، بِكُـلِ فَخـرٍ يَـنضُـر لَهــا  والِدَهــا..

بِنت الخمسة عشر عامَــاً بِرِداءُهـا الأَســوَد الـذي لم تَتَـخلى عَنـهُ حَتى عنـد إنتِهــاء ذكــرى إستــشهاد وَأَربَــعيـن إمــامَهـا، حَيـثُ طَلَبــت (مُرادها) مِنــهُ بِشِــدةٍ لنَجاحــها وَتفَـوقها وشَــق طَريق مُستقــبلـها.

بِمهـارَةٍ فَلاحيـــة تَلتـَقف الأَعشــاب الخـضراء من الأرض، فَتَحوي ما تُـريـد من كُـل نوع لِتَـجمَعــها وَوالِــدها فيَـستَـرزقون مِن بَـيـعها، حتى وَصَلَت إلى الريـحان فَقلَعــتهُ من جذورهِ بِخِــلافِ عــادَتَــها! إستَـغرَبَت من نَفسَــها!

 بَعـد ذلِــكَ قامَ المنجَــلُ بِتـقبيل (بنصُـرها) الذي لا خـاتَمَ إرتباطَ فيـه كَونَها صَبيَةُ تُحبُ الحُريــة، تَوَقَــفت بُرهــةً أَحَســتْ بِنَذيــرِ شـؤمٍ يَحــومُ حَــولَها، مَسَحت الدمــاءُ من إصبَـعِهــا، نَضَـرت إلَيه فَلَـم يَنضُـر لَها، ما رَأَت وَجــهَهُ هذهِ المَــرَة، خانَتهم الصِدفَة وتَمَــرَدَتْ المَــسافات بينَها وبَيــنه، إعتَصَــرَ قَلـبَها أَكثَــر، وَقَفَت بطولَــها، غَريب هذا الأمر مع إنَّ الوقت كان صَباحــاً رَأت في السَماءِ نَجمَةً لامِــعة! كانَت تَقتــرب مِنها تَحملُ وَجهــاً مُضيء وَنَـوايـا خَبيــثَة، تَمامَـاً كَــما اليَـد التي أَطلَــقَتها، كانت تَشُق طَريقَــها مُسرِعَــةً نحـوَ أَحشـائِهــا، لِتَستَقر بدفء جَسَدِهــا، مَـا أوقَفها دُعاءَ أُمٍ تَنتَـظـر إبنتَــها، ولا بَــراءة مَلامِحٍ الوجهَ الطفولي، ولا نُعــومَة أظــفار.

هُنـا شَـعَرت إن إحتِلال الأوطان يَكون بإغتــيال الطفولة، بَرَدَتْ أطرافَــها فَجَثت على ركبَتَيــها، لِتَـرى المنجَل الذي حَذرَها وَهو يَحتَضن الأَرض لِيــُواسِيــها، َمن كل حَرَكــةٍ هَـدَأتْ أَجـزاءَها، صارَ فـي آذانِــها وَقـراً عَن كـل صَـوتٍ كَمـا صُمَّـتْ أَفـواه الآخرين (ثُلَة الضالين) عن أفعَالِ شَيطانٍ ظاهــرٍ قَـد إحتــلَ الأَرض والخَيـرات واغتـالَ الطفـولَة.

أفلَتَـت من بين يَديها مُستَقبلاً كان قَيد الإنتظار، حين اقتربت نقطة النهـايَة من ميزان الحَيــاة فَأثقلت كَفَـة اليَـأس عَن كَفَة الأَمل، وَقَطــعَ سَيفُ اليَقيــن حِبال الشَك..

ما علمت كم من الوقت لَبَثت، حينَ استَيقضت من غيبوبتها، سارت الى منزلها شوقاً لرؤيَة أُسرَتَها، تعجبت من أمر اقدامها التي ما كنت تَطأ الأرض وكأنها تَسير في الهواء، قَطَفت بعضاً من أوراق الأَزهار كَعادتها، لتضعها في دورَقٍ زجاجي كانَ بغرفتها، تبَدَّل رِداءها الأسود بأَلوانٍ نادِرَة الوجود شيئاً من الجمال وأشياءً من الحــب.

غريبٌ هذا الأمر!! قالت بنفسها عندما وجدت باب منزلها مفتوحاً، فوقفت في شرفَة غرفتها أمام النافذة، لترى الحزن والسواد والدمعات تحتضن سريرها  وأوراقهـا وصورها.

لم يَشعر أَحداً بوجودها، ما خرجَت الكَلمــات بصـوتٍ من ثَغرها، كانت بضع حَركاتٍ كَفيلَــة بأن تُلفت إنتباه والدتها، التي غرقت بحفرة من السواد عيونها بعد يومين من الفراق الأَليـم وإنتهاء العــزاء، تقَدمت نحوها وفتحت النافَذة  فحملَتها بإصبعٍ واحد احتَضَنتـهُ هي بدورها شوقاً وتشبثت بهِ بيديها وأرجلها.

فقالت الأم للحاضرين أنضروا هذه ابنتي (زينب) الشَهــيدَة زارتنا روحهــا بِهَيــئة فراشة..!!

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك