المقالات

الدراما التركية التاريخية وتحسين صورة المستعمر العثماني

1641 2022-04-20

د. علي المؤمن ||       العثمانيون قبيلة بدوية وثنية من منطقة تركستان الصينية، هربوا من موطنهم الأصلي، إثر الهجوم المغولي بقيادة جنكيزخان على الصين خلال القرن الثالث عشر الميلادي، واتجهوا الى آسيا الوسطى ثم الى الأناضول، والتي حوّلوها الى منطقة تركية بالسيف، أي أن العثمانيين هم من العرق الأصفر، المتميز بشكله الصيني والمنغولي والكوري، حالهم حال السلاجقة، الذين سبقوا العثمانيين في الوصول الى الأناضول، أما نصف سكان تركيا الحالية تقريباً ذوي السحنة البيضاء والشكل الأوروبي؛ فهم ليسوا أتراكاً، بل من أصول قفقازية وأوروبية، وتحديداً رومانية وإيطالية وألبانية وبلغارية ويونانية، وهم سكان تركيا الأصليون الذين أجبرهم الاحتلال السلجوقي ثم العثماني على أن يتتركوا، بينما ينتمي كثير من سكان جنوب أوروبا، أي مايقرب من 30% من سكان تركيا، فهم آشوريون وأرمن وكرد وعرب وسوريون، وبالتالي؛ فإن نسبة الأتراك الأصليين في تركيا الحالية لايزيد عن 20% من سكان تركيا. وقد تم تسمية تركيا الحالية بهذا الإسم بعد انهيار الدولة العثمانية في العام 1923.       وبعد أن استعمر العثمانيون جزءاً من الأناضول، أعلن جدهم ارطغرل (والد عثمان) إسلامه، ليبدأ رحلة الاستيلاء على كامل الأناضول بالتدريج، باسم الجهاد من أجل نشر الإسلام، وبدعم قبيلته التركستانية الوثنية التي أسلمت هي الأخرى. واستخدم العثمانيون شتى الوسائل الوحشية لتنفيذ خطتهم، بدءاً بالغزو واحتلال الأراضي وتشريد السكان الأصليين وتغيير التركيبة الديمغرافية للمناطق التي يحتلونها، وانتهاء بالقتل وتهديم البيوت على ساكنيها وحرق المزارع والمدن ومصادرة الأموال والممتلكات واختطاف النساء وسبيهن واغتصابهن.     وكانت ممارسات العثمانيين في المناطق التي احتلوها، ولا سيما البلدان العربية وبلدان شرق أوربا، في غاية البشاعة والاستهتار بأبسط حقوق الإنسان، وتحوّلت قلاع العثمانيين وقصورهم الى منبت للجريمة الشاملة المنظمة، بما فيها الجرائم الوحشية بين أبناء الأسرة الواحدة؛ فكان السلطان الأب يقتل أبناءه وإخوانه أو يسمل عيونهم، دون أدنى رحمة وعاطفة إنسانية فطرية، لكي لا ينافسوه على الحكم. كما كانت الجواري الأوروبيات هن الحاكمات في القصور غالباً. أما شيوخ الدين في الدولة العثمانية؛ فلم يكونوا سوى هياكل آدمية معممة ملتحية، تتحرك وتتكلم وتفتي كما يشاء السلطان أو صاحب القدرة، بل كما تشاء الجارية الأوروبية النصرانية، إن كانت صاحب القدرة.     والأبشع من كل ذلك على الإطلاق، هو أن كل تلك الموبقات كانت تحدث بشعارات دينية وتحت راية الإسلام؛ فكان كل أشكال الإحتلال العنصري الهمجي الذي يهدف الى الاستيلاء على أراضي الغير وثرواتهم، وسبي النساء وقتل الرجال وخطف الاطفال، يسمى فتحاً إسلامياً، وكان السلطان الغازي يسمى الخليفة الفاتح، بينما هو ليس أكثر من سفاح وجزار يركض وراء شهواته من "المال" و"النساء" و"السلطة"، وهي الدعائم الثلاث للسلطنة العثمانية البدوية.      ولذلك؛ فإن ما ارتكبه تنظيم داعش في العراق وسوريا، هو صورة نمطية من الممارسات العثمانية في الغزو والاستيلاء وانتهاك الحرمات، إن لم تكن ممارسات العثمانيين أسوء بكثير؛ لأن تنظيم داعش ظل يحفظ الظاهر الديني وهو يمارس جرائمه، بينما كان السلاطين والأمراء العثمانيون لايحفظون حتى الظاهر الديني في سلوكهم العام والخاص، بل يتجاهرون في ممارسة المحرمات، شأنهم شأن السلاطين الأمويين والعباسيين والأيوبيين.     ولم تكن هذه الروح العدوانية الشريرة سلوكاً فردياً لسلطان بذاته أو أمير بعينه، بل هو سلوك نمطي ثابت للدولة العثمانية على مدى تاريخها الدموي، سواء كان ذلك في عهد عثمان نفسه أو أبيه الوثني ارطغرل أو أحفاده سليم الأول ومحمد الثاني ومراد الرابع وغيرهم، وسوف لن نأت هنا بجديد لو كتبنا آلاف الصفحات عن سلوكياتهم.     ولكن الجديد هو موجة المسلسلات التركية التاريخية التي أخذت تغزو القنوات العربية منذ حوالي خمس عشرة سنة، بهدف تحسين الصورة البشعة للعثماني وأصوله وممارساته، والترويج لغزواته وتوسعاته، وإظهاره بمظهر البطل الفاتح المؤمن.     إن الرسالة العامة لهذه المسلسلات، والمبنية على تزييف الحقائق التاريخية، والعبث بمضامين العثمانيين وأشكالهم، تدخل في إطار الدعاية الناعمة للدولة التركية الجديدة في حنينها الى الماضي العثماني الطامع، وهي رسالة سياسية قبل أن تكون فنية أو تعنى بتوثيق التاريخ.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك