المقالات

المعارك الخطأ


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

عمري الان ٧١ سنة، امضيت ٥٥ عاما في العمل السياسي، والحزبي، والاعلامي، وعاصرت عن وعي كل التطورات التي شهدها العراق منذ عام ١٩٥٨. وكنت منذ ذلك التاريخ الى اليوم قارئا نهما للصحف والمجلات الدورية ومئات الكتب باللغتين العربية والانگليزية، بوضع يسمح لي بابداء اراء في الشؤون العامة لبلدي العراق.

ومن خلال متابعتي الشخصية لهذه الشؤون منذ قيام الجمهورية في ١٤ تموز ١٩٥٨ الى اليوم، شخصتُ ظاهرة اراها بالغة الاهمية، وهي ان المجتمع العراقي ممثلا في احزابه السياسية خاض معارك اقل اهمية من المعركة الام التي كان عليه ان يخوضها اولا، وتحقيق الانتصار فيها، ثم الانتقال الى المعارك الاخرى.

وفي تقديري، ان المعركة الاكثر اهمية التي لم يخضها المجتمع العراقي هي: المعركة ضد التخلف الحضاري. فليس سرا، وليس موضوع خلاف، ان المجتمع العراقي الراهن (اي منذ قيام الدولة الحالية في عام ١٩٢١ الى اليوم) مجتمع متخلف بالمقاييس الحضارية، التي منها الامية، وحالة المرأة، والانتاجية، والالتزام بالقانون، والاداء الحكومي، وغير ذلك الكثير من الشواهد والمعايير. وقد عبرت في مقالاتي السابقة عن التخلف الحضاري بانه "خلل حاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة به". والمعلوم ان كل الظواهر السلبية في البلد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا الخ، هي افرازات ونتائج فوقية لهذا الخلل الحاد. وانه لا يمكن معالجة هذه الظواهر بقرارات ترقيعية، انما لابد من تسبق ذلك او ترافقه عملية جذرية شاملة لمعالجة الخلل الحاد في المركب الحضاري، اي التخلف.

وهذه هي المعركة التي لم تخضها الاحزاب العراقية التي ظهرت منذ بداية تشكيل الدولة العراقية الراهنة الى اليوم. بل على العكس من ذلك انشغلت هذه الاحزاب بالعمل من اجل اهداف ايديولوجية او عقائدية او سياسية اقل اهمية من المعركة ضد التخلف الحضاري. ولست اريد ان اسمي هذه الاهداف في هذه المقالة خشية اثارة تحفظ وزعل اصحابها مما يشتت الاهتمام عن المسألة الاساسية التي تتحدث عنها المقالة. لكني اقول وبدون تردد ان المجتمع العراقي دفع اكلافا عالية جدا جراء انشغال قواه السياسية باهداف بعيدة عن المعركة ضد التخلف، دون ان تؤدي المعارك الجانبية التي تم زجها بها الى تحقيق نتائج ايجابية لا على صعيد الاهداف الضيقة التي اعلنتها الاحزاب، ولا على صعيد القضية الاساسية، اي المعركة ضد التخلف.

والمؤلم انه بعد ١٠٠ عام من انحراف وانجراف المجتمع الى هذه المعارك الجانبية، فان قواه السياسية مازالت بعيدة عن المعركة الاساسية، بل ربما ازدادت بعدا عنها، وازدادت انغماسا بمعارك اخرى تكاد تكون وهمية الى اليوم، في الوقت الذي تتعاظم فيه الاشكال المتعددة لمعاناة وعذابات العراقيين، الذين ليس لهم ناقة ولا جمل في هذه المعارك غير الاساسية.

انني ومنذ سنوات انبه الى هذه المسالة. وربما كان اول تعرض لي لهذا الموضوع هو مقالي الذي نشرته في صحيفة "البديل الاسلامي" التي كنا نصدرها في بيروت بتاريخ ١٠ اذار عام ١٩٨٨ بعنوان "التقدم ام التدين: اين يكم جوهر المسألة؟". ولا ازعم لنفسي فضلا او سبقا في هذا المجال، فقد سبقني الى ذلك المرجع الشهيد الامام محمد باقر الصدر الذي دعا منذ اواخر خمسينيات القرن الماضي الى اطلاق المعركة ضد التخلف في اطار مركب حضاري قادر على تفجير طاقات الامة في هذا المجال. ومصطلح "المركَّب الحضاري" الذي استخدمه كثيرا في كتاباتي انما يعود له، وهو غير مصطلح "المركِّب الحضاري" الذي اطلقه مالك بن نبي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك