المقالات

عندما يخذلنا الأقربون..!

1641 2021-05-17

 

د. عطور الموسوي ||

 

عند الابتلاء تظهر معادن الناس وتتكشف حقيقة ولاءاتهم .. وأن تكون معارضا للبعث وفي قائمة أعداء الحزب والثورة فهذا ابتلاء كبير يكشف لك أمورا لم تكن بالحسبان .. الأقرباء تخلّوا عنا وانقطعت زيارتهم التي ما خلا منها بيتنا يوما..

مذ كنا صغارا بيتنا يغص بالضيوف عوائلا عوائلا تتوالى على دارنا دون استئذان .. لاريب في ذلك فهو بيت الأخ الأكبر لأربعة أيتام وخمس يتيمات .. والدي الذي تكفل أعمامي هولاء جميعا بعد وفاة أبيهم وعوضهم عنه خير عوض كان حنونا وصولا لرحمه.. كنا نفرح كثيرا بهم وتأنس أنفسنا بأقراننا من بناتهم وأبنائهم ..

وهم يفرحون بالعيديات السخية التي يغدقها والدي غير آبه بعددهم الكبير إذ تكفيه قبلة من أفواههم الرطبة .. وبسمات شفاههم التي تكشف عن أسنان تساقطت وأخرى قد لاحت للظهور..

ارتدى العيد حلية مختلفة عندما انقطع جميع الزائرون الدائبون عن بيتنا ..لم يعد عيدنا مكتظا بالضيوف .. ولم يتهافت الأقرباء كما كانوا أفرادا وجماعات ..هم ارتعبوا من بطش أزلام البعث الذين ما انفكوا يراقبون دارنا .. واختاروا السلامة على صلة الرحم ..

نعم مازلت أذكر والدي رحمه الله صبيحة عيد كئيب من حقبة البعث وهو يرنو بعينيه الى الباب عسى أن يفتحه أحدهم وتتبعه عائلته كالمعتاد ليلقي تحية العيد ويأخذ صغاره المقسوم ويقضوا نهارا سعيدا مع الأهل وأولادهم .. انتظر كثيرا دون جدوى .. واكتفى أقربهم صلة به باتصال سريع عبر الهاتف الأرضي فهو الآخر مراقبا .. إنه الحصار الاجتماعي الذي فرضه البعث على كل من عارضه .. وأعانه عليه هذا الخوف والخضوع.. بهكذا إذعان صرنا نحن من نصنع الطغاة ونساعدهم بإنجاح مخططاتهم .

ماكنت أتوقع يوما أن يخلو بيتنا من الضيوف وصخب أطفالهم وخاصة أيام العطل، فمازالت مخيلتي تحتفظ بمشاهد لأمي وهي تجهز وجبات الطعام لأعدادهم الكبيرة وهي تنوء بحملها إن كانت حاملا أو تتعثر بخطواتها وقد تشبث رضيعها بأذيالها، وتخبز أحيانا مرتين في اليوم بتنور طيني مع كل عناء الخبز به، هكذا إذن ينتهي كل شيء دون إعلان ولا مقدمات .. الخوف طغى على صلة القرابة والصداقات العتيقة، بل شتت مصالح العمل والمال، الا أن والدي كان مرزوقا لطيبته وسخائه مع كل من عرفه، فكم أقرض أشخاص محتاجين وتنازل عن السداد به لوجه الله، كان كل مدة يطلب مني أو من أحد أخواتي أن تقرأ له ما في أوراق وصكوك وكمبيالات(مكاتبة تثبت الدائن والمدين) يحتفظ بها في علبة معدنية لغرض تسديد الدين، الا انه يوجه بإتلافها وهي تعني مبالغ مالية لا يستهان بها قائلا : "خطية منين يجيب ويسدد هو حاير بعيشته" .. سمعت هذه العبارة منه مرارا بحق معارف وأصدقاء وغيرهم، ماكنت أفهم سر ذلك .. لكنني لمسته مصداقا بأن الله يمنح منفقا خلفا..وجعل الله رزقه وفيرا لسعة أنفاقه هذا ورحمته للناس.   

الجار الذي يوصى به قبل الدار لم يعد كذلك.. بعض  الجيران ممن أيدوا البعث كانوا يؤذوننا بترسيخ القلق لدى والدتي، إذ تتعمد إحداهن ذكر التعذيب وبشاعته أمامها أو تعلن أن صدام لن يتساهل مع حزب الدعوة وأنه حتما يعدمهم كلهم  .. وهكذا ..

لم يعد شاي العصر بريئا وممتعا ويجمع الأحبة ويؤلف بين القلوب، وبذلك كان علي أن أتخذ موقفا من هؤلاء الجارات المزعجات، صرت أقابلهن بالجفاء وأمنعهن من التمادي في هذا الكلام ..لا أدري كنت أشعر وعلى الرغم من صغر سني إنهن ينفذن مخططا بعثيا مرسوما وإن كن ساذجات فهن أذرع البعث في إشاعة الرعب في القلوب وزيادة آلام العوائل المبتلاة بمعارضته !!

من كتاب:

.. وتلك الايام مذكرات طالبة جامعية تحكي قصص القمع والارهاب في سجون صدام

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك