المقالات

كلمة السر في المأزق العراقي


 

محمد حسن الساعدي  ||

 

يبدو ان جرس انطلاق التحالفات السياسية قد بدا فعلا في العراق، وياتي ذلك قبيل الانتخابات، المزمع اجراؤها في تشرين القادم من هذا العام، حيث اكملت حكومة السيد الكاظمي استعدادها لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة..

هذا ما يبدو من خلال التصريحات المتباينة بين الكتل السياسية، فهناك من يشجع على اجراءها في موعدها المقرر، في حين هناك من فضل السكوت، وإيجاد الذرائع لتأجلها الى السنة القادمة، او حتى لغاية الانتهاء من الدورة الانتخابية الحالية، ولكن بشكل عام ومن خلال القراءة التحليلية للاحداث، فعلى الرغم من جميع الاستعدادت، التي اجرتها الحكومة، الا ان امكانية تأجيلها تبدو وكأنها أرجح من اجراؤها في موعدها، خصوصاً وانه ومن خلال متابعة تصريحات الكتل، التي توحي بعدم وجود ارادة حقيقة لاجرائها..

ما سبق قد يعود لأن هناك كتلا سياسية، سيطرت على المشهد السياسي عموماً، ولا يمكنها التنازل بسهولة عن مكاسبها، التي حصلت عليها في الانتخابات الاخيرة، والتي شابها كثير من علامات الاستفهام. من جانب أخر فالحكومة قد نفذت، ما عليها من التزامات تجاه الانتخابات، بدأ من قانون للانتخابات وتوزيع العراق بشكل دوائر انتخابية، الى تشكيل مفوضية جديدة، تاخذ على عاتقها محاولة، اجراء انتخابات شفافة ونزيهة بعيداً عن التسلط السياسي والحزبي، وصولا لإكمال قانون المحكمة الاتحادية، والتي هي من سيقوم بالمصادقة على نتائجها.. وبالتالي فالكرة صارت في ملعب الكتل السياسية، لتبين جديتها باجراء انتخابات مبكرة، شفافة ونزيهة وبرعاية اممية.

المأزق العراقي مرتبط في جوهره بازمة النظام السياسي نفسه، وليس الانتخابات او شكل الحكومة القادمة، لان هذه المنظومة أُثقلت، بمجموعة من المشاكل المتراكمة منذ ٢٠٠٣ والتي يمكننا ان نلخصها بقضيتين، " الفساد " و" إنعدام الثقة " بين الكتل السياسية عموماً..

النظام السياسي قائم على معادلات وتوازنات، قومية ومذهبية وعلى محاصصات في المناصب التنفيذية، الامر الذي خلق وشجع على إزدياد التموضع الطائفي لدى الجميع، وفقدت بذلك الثقة بينهم، مما خلف فشلاً طوال ثمانية عشر عاماً، وتراجعا في الملفات السياسية والاقتصادية والتنموية للبلاد، وعلى الرغم من الاطروحات السياسية والشعارات الوطنية، وعلى مختلف الاتجاهات الا ان الكتل السياسية عموماً، عندما تدخل الانتخابات تخرج من عباءة التموضع السياسي لتدخل في خندق المذهبية.

بالمقابل نجد الجمهور هو الاخر، ذهب الى هذا الاتجاه، واخذ يتموضع في داخله، بغض النظر عن كفاءة ونزاهة هذا النائب او ذاك، وهو امر كرسه النظام السياسي والانتخابي، فبدلاً من سعي الاحزاب لتنفيذ برامج بناء الثقة بينها وبين المواطن، وتوسيع العمل في المشتركات مع باقي الكتل السياسية، لجأت لتعميق الخلاف، ظنا منها انها يمكن لها ان تستفيد شيئا من التموضع المذهبي، وهو ما سيكرس الهوية المذهبية على حساب الوطنية، وبالتالي فان السنوات الماضية لم تشهد نجاحا في بناء الثقة، وانتقال الانسان من ثوب الطائفة، الى ثوب الوطن ورعاية الدولة، ومن مربع المحاصصة بكل انواعها ومسمياتها، الى مربع الكفاءه والنزاهة والخبرة، لان من مصلحة البعض بقاء البلاد هكذا، لانها تعتاش على الازمات في سياستها وايدلوجيتها.

هذا الامر جعل العملية السياسية تبقى ساكنة كالبحيرة الراكدة، وإبقى الجمهور في هذا التموضع، خائفين من أي تقدم أو اختيار ينقذهم، من حالة الضياع واللاأستقرار، لشرعنة بقاء بعض الساسة، وكأنهم ستار امان لمواطنيهم ما اضعف الدولة، وجعلها عرضة للسقوط عند هبوب اي رياح اقوى منها..

أزمة الثقة انتقلت الى المواطن العراقي، والذي اصابه الاحباط من المنظومة السياسية، وطبقتها الحاكمة المتحكمة بالمشهد السياسي، وتملكها اليأس من امكانية حصول، اي تغيير يمكن أن يقدم شيئا للنظام والعملية السياسية، وظلت البنى التشريعية مؤسسات هشة، وأدوات بيد النفوذ والمحاصصة المذهبية والقومية..

ازمة العراق ليست ازمة اختيار وتشكيل، لحكومة وطنية  تكنوقراط او انتخابات مبكرة، لانه وفي كل الاحوال فإن اللاعبين الكبار سيبقون أنفسهم، ووفق شروط اللعبة نفسها ويمسكون بخيوطها، ويعيدون انتاج أنفسهم مع كل استحقاق حكومي، ومع كل انتخابات جديدة.. لذلك تكمن كلمة السر، في ايجاد نظام سياسي جديد، لايبقى على اسس مذهبية وقومية، بل يحمل شعار الوطنية بغض النظر عن اي انتماء، ومنظومة حكم فاعلة، على اساس مؤسساتي شفاف ونزيه، مع حفظ حقوق المكونات جميعها، وكل ذلك ضمن نظام متكامل، فاذا لم يتم ذلك فان ازمة الثقة والفساد باقيتان وستؤديان الى مزيد، من الانهيار في البناء الكلي للنظام السياسي في البلاد .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك