د.مسعود ناجي إدريس||
من أهم القضايا في الآيات المذكورة شرح موضوعية تبيانا لكل شيء في القرآن . التبيان (بالكسر أو الفتح) له معنى المصدر ، أي للتبيين ، ومن هذا التفسير ، مع الأخذ بالاعتبار اتساع مفهوم لِکُلِّ شَيء، يمكن القول إنه في القرآن ، يوجد تعبير عن كل شيء ، ولكن بالنظر إلى ذلك القرآن كتاب يختص بالتربية والإنسانية ونزل من أجل تنمية الفرد والمجتمع بكل جوانبه الروحية والمادية ، ويتضح أن كل شيء يعني كل ما هو ضروري لسير هذا الطريق ، القرآن موسوعة عظيمة لكن لا يحتوي على كافة تفاصيل علوم الرياضيات والجغرافيا والكيمياء والفيزياء وعلم النبات ونحو ذلك ، لكن للقرآن دعوة عامة لاكتساب جميع العلوم والمعرفة ، إلا أن جميع العلوم الأخرى المذكورة وغيرها مشمولة في هذه الدعوة العامة. بالإضافة إلى ذلك ، من وقت لآخر ، وفقًا للمناقشات التوحيدية والتعليمية ، تم الكشف عن أجزاء حساسة من العلم والمعرفة ، ولكن مع ذلك ، فإن موضوع نزول القرآن والذي يشكل الهدف الرئيسي والأخير للقرآن هو مسألة الإنسانية، ولم يترك شيئا في هذا الصدد إلا ناقشها.
في بعض الأحيان يشير إلى تفاصيل هذه الأمور ويذكر كل جوانبه (مثل أحكام كتابة العقود التجارية ووثائق الديون الواردة في أطول آية قرآنية ، الآية 282 من سورة البقرة حيث هذه الآية تحتوي على 18 حكمًا).
وأحيانًا يطرح قضايا حياة الإنسان بشكل عام وبصورة أكثر عمومية ، مثل هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} ( ٩٠، النحل)
سعة هذه المفاهيم يشبه سعة مفهوم الإخلاص للعهد في الآية {إِنَّ الْعَهْدَ کان مَسْؤُولاً}- (الإسراء ٣٤) والوفاء بالعهد في الآية {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة، ١) ووجوب أداء الجهاد في الآية {وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ} (الحج ، ۷۸) وإقامة القسط والعدل في الآیة {لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحدید ، ٢٥) والانتباه إلى نظام الخلق في الآية {وَ السَّماءَ رَفَعَها وَ وَضَعَ الْمِیزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِیزانِ وَ أَقِیمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَخْسَرُوا الْمِیزانَ} ( الرحمن ۷- ۸- ۹) والامتناع عن أي مظهر من مظاهر الفساد في الأرض في الآية {وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها} (الأعراف ، ٨٥) والدعوة إلى التدبر والتفكر والتعقل التي وردت في كثير من آيات القرآن ، وما شابه ذلك من هذه البرامج الشاملة التي يمكن أن تكون مفيدة في جميع المجالات لحياة الإنسان ، دليل واضح على أن القرآن فيه تبيان لكل شيء.
حتى أفرع هذه التعليمات العامة لم تُترَك دون حسم ، القضايا التي ينبغي من خلالها شرح هذه البرامج مذكورة، قال الله تعالى: {وَ ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر ، ۷).
وكلما طاف الإنسان في محيط القرآن اللامحدود ، وتوغل لاستخراج جواهر برامج النعيم ، اتضح عظمة وشمول هذا الكتاب السماوي .
ولهذا السبب بالذات ، أولئك الذين يجهلون هذه الشمولية الموجودة في القرآن والبرامج الواسعة التي توضح هذا المجال يتوسلون ويلجأون الى غيره.
هذه الآية ، بالإضافة إلى تعريفها لأصالة واستقلالية تعاليم الإسلام في جميع المجالات ، تزيد من عبء مسؤولية المسلمين ، وتقول لهم: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل، ٨٩)
في الروايات الإسلامية ، تم التأكيد على شمولية القرآن باخذ هذه الآية وغيرها دليل على ذلك.
على سبيل المثال ، نقرأ في حديث الإمام الصادق (ع): (ان اللَّه تبارك وتعالى انزل في القرآن تبیان کل شيء حتى واللَّه ما ترك شیئا تحتاج الیه العباد، حتى لا یستطیع عبد یقول لو کان هذا، انزل في القرآن، الا وقد انزله اللَّه فیه)
نقرأ في حديث آخر للإمام الباقر عليه السلام: (ان اللَّه تبارك وتعالى لم یدع شیئا تحتاج الیه الامة الا انزله في کتابه وبینه لرسوله (صلی الله علیه وآله) وجعل لکل شي ء حدا، وجعل علیه دلیلا یدل علیه، وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا)
حتى في الروايات الإسلامية ، هناك إشارة واضحة إلى حقيقة أنه بالإضافة إلى ظاهر القرآن وما تفهمه القراء والعلماء منه ، فإن باطن القرآن محيط يختبئ فيه الكثير من الأشياء التي لا يمكننا التفكير فيها. للقرآن معرفة خاصة ومعقدة وفقط النبي وأولياءه الحقيقيين على دراية بها كما قرأنا في حديث الإمام الصادق (ع):{ ما من امر یختلف فیه اثنان الا وله اصل فى کتاب اللَّه عز وجل ولکن لا تبلغه عقول الرجال}
إن افتقار الانسان في الوصول إلى هذا الجزء ، والذي يمكن تشبيهه بجزء اللاوعي من الإنسان ، لن يمنع أبدًا من استخدام الجزء الواعي للذات والظاهر الجميع البشرية.(آية الله مکارم شیرازي، تفسیر نمونه، ج ۱۱، ص٣٦٣- ٣٦٦)
معنى ان القرآن (تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْ ءٍ) أي انه بيان لكل شي، وبما أن القرآن الكريم هو كتاب هداية لعامة الناس وليس له عمل آخر وأن معنى كل شيء هو كل شيء يخص الهداية ، كالمعرفة الصحيحة عن المبدأ والميعاد والأخلاق الفاضلة والقوانين الالهية والقصص السماوية والمواعظ التي يحتاجها الناس في هداهم وهديهم ، القرآن شرح لكل هذه الاشياء(وليس شرحاً لجميع العلوم). (العلامة طباطبائي، ترجمة تفسیر المیزان، ج ۱۲، ص: ٤٦٩)...
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha