تركنا وراءنا حسرات شبابنا الضائع في لوعة المنافي والغربة، صفحنا عن شتائم بني وطننا وإهانات الأعراب الأغراب، وتناسينا زمناً أغبر تلاعب فيه بمصائرنا رجل أغبر ورفاقه الأوباش، ارتضينا بتمثيل سيناريو فلم رعاة بقر رخيص، البطل فيه جرينجو أمريكي جاء ليخلصنا من زمرة الأشرار مقابل حفنة من براميل النفط، ثم انقلب علينا،....................... ( بقلم د. حامد العطية )
كلنا نحلم بعراق خال من القتل والتهجير والظلم، ونبتهل لأيام صافية من غيوم القلق السوداء،لا تصطبغ ساعاتها بدماء أحبتنا وجيراننا وأبناء ملتنا، أيام يفجر نهارها بياض الأمل، ولا غير ذكريات قديمة عن محن الطغيان ومرارة الغربة تعجل بغروبها، نخرج للقاء دجلة لاصطياد نسمات الصباح لا لتلقي جثث الأحباب المقطوعة الرؤوس مثل سمك رخيص، ننشد للفرات من دون أن ترقص على موجاته الرقيقة رؤوس بشريةبلا أجساد.
لننتج فلماً تسجيلياً عن الأم الشيعية العراقية، لم لا وهل الأم الهندية أو الروسية بأعظم من أمهاتنا؟ أتتذكرون فلم أم الهند؟ أنا اتذكره جيداً، حضر عرضه الأول في بغداد الزعيم الأوحد الذي فتح علينا صندوق الإنقلابات البندوري، ولم يغلقه أحد بعده، وفيلم الأم الروسية عن قصة الروائي العظيم ماكسيم جوركي، كم هو رائع؟ حتى أنا الذي لا يتذكر من الشيوعية سوى حسن الركاع وجميلي الشامية شاهدته مراراً واهتزت له اعماقي...أمنا الشيعية العراقية الملوعة وريثة صبر أيوب، تلك التي دفنت بعض أحبتها في قادسية العار العربي الأبدي، وفقدت آخرين في مقابر جماعية لم يكتشفها أحد بعد، والأمل الذي كاد يخفف قليلاً من سواد ثيابها الحالك سرعان ما ذبحته سكاكين الأيدي التي امتدت إلى ما تبقى من أحبابها، خذوا أجهزة تصوير وسجلوا يوماً من أيام هذه الأم الشيعية، واعرضوه في المنطقة الخضراء، لعل قلوب المشاهدين تحن عليها، أمهيهات هيهات فهم يعرفون جيداً معاناة إمهاتنا ولكنهم لا يكترثون، اتراهم يؤمنون بمقولة عار العرب والمسلمين الأكبر صدام في خطاب له في الديوانية أيام قادسية العار عندما شبه الأمهات العراقيات بالشجر وابنائهن بورق الشجر، فقال أخرق العرب: يسقط الورق ثم ينبت محله ورق جديد، أأصبح شباب الشيعة في نظر سكان المنطقة الخضراء مثل ورق الشجر؟
لو صدقنا إدعاءكم بأن قتلنا على الهوية المذهبية استثاء على قاعدة ما تسمونه "الأخوة" فدلونا بالله عليكم على تلك الأزمنة التي تجلت فيها هذه الرابطة بأحسن صورها، أترون ابن ملجم كان اخاً للأمام علي عليه السلام، خير البرية بعد الرسول الأعظم، أم أن الفاجر يزيد واتباعه رعى وشائج القرابة مع السبط الإمام الحسين فاكتفى بحبسه أو على الأقل لم يمثل برأسه المقطوع؟ وماذا كان مصير أسلافنا من الشيعة على أيدي ابن زياد أو الحجاج؟ وهل كان العباسيون "أخوة" عن حق لبني أعمامهم من أئمة آل البيت، أم تراهم كانوا على مذهب قابيل في الأخوة؟ وإذا كان هؤلاء المعاصرون فقط مارقين ومخالفين لقاعدة الأخوة الثابتة فلم اقترف العثمانيون تلك المجازر بحق أجدادنا، وعاملوهم مثل الأقنان؟ وإلى المترحمين على العهد الملكي نصيحة لكم بقراءة متمعنة لتاريخهم الطائفي، وعرجوا من بعدهم على سيرة اللعين عبد السلام عارف، أتعرفون بأننا من القلة المحظوظين الذين نجونا بمعجزة من القتل الجماعي الذي مورس بحق طائفتنا عبر الأزمنة؟ أو لعل السبب هو أن عهدنا بالتشيع حديث... وإذا كانت العلاقة دائماً هي الأخوة فالأجدر بنا الكف عن لعن الأمويين والعباسيين والعثمانيين.
وإن نويتم أن تصفحوا وتعفوا عن القتلة بدعوى أنهم مأمورون على شاكلة المجرم عواد البندر فاعلموا بأنكم تخالفون شرع الله الذي أوجب عقاب القتلة والمفسدين في الأرض، وأنتم لستم أولياء دم ملايين الشيعة من ضحايا "أخوانكم" من عتاة السفاحين أمثال البندر والزرقاوي وأتباعهم ومحبيهم ومعاونيهم بالمال والسلاح والمأوى والنصرة الإعلامية، ومن يقرأ القرآن الكريم منكم يعرف صفات من لم يحكم بما أنزل الله به.
تركنا وراءنا حسرات شبابنا الضائع في لوعة المنافي والغربة، صفحنا عن شتائم بني وطننا وإهانات الأعراب الأغراب، وتناسينا زمناً أغبر تلاعب فيه بمصائرنا رجل أغبر ورفاقه الأوباش، ارتضينا بتمثيل سيناريو فلم رعاة بقر رخيص، البطل فيه جرينجو أمريكي جاء ليخلصنا من زمرة الأشرار مقابل حفنة من براميل النفط، ثم انقلب علينا، بعد إصابته بعدوى الإنقلابات المنتشرة من مثلث المستنقعات، أو لعله هو الآخر "اخا"ً على منهج الأخوة في العراق، وإنه جاء في الحقيقة ليقدم الشيعة قرابين على المذبح الوثني لأعداءهم النواصب الكفرة، حتى يتلهوا وينصرفوا عن الإغارة عليه وعلى أتباعه من أثرياء النفط؟ فلا تحاولوا خداعنا بالكلام المعسول المطعم بالآيات القرآنية، المجتزأة كقراطيس أحبار اليهود، قولوا لنا لو كان الأمام علي عليه السلام حاكماًفهل يقبل بالصلح والمصالحة مع القتلة؟ منذ الوهلة الأولى رفعنا شعارات المصالحة عندما رددنا معهم: أخوان سنة وشيعة.." إلى آخر السخف، فكيف رعوا أخوتنا؟ بذبح الأطفال واغتصاب النساء وقطع الرؤوس والقتل على الهوية الطائفية والتهجير وتدمير الأضرحة والمساجد، واستعانوا علينا، نحن "اخوتهم" الحمقى من أحفاد هابيل، بأراذل البشر من خلف الحدود، وكان ثمن رأس الشيعي عندهم مئة دولار، أي برميل ونصف من النفط.
هل سيكون مشروع مصالحة المالكي آخر محاولات المصالحة الخائبة والذليلة أم ستكون هنالك مشاريع أخرى؟ وما دمتم تريدون الصلح مع القتلة وأعوانهم فلم لا يشمل صلحكم أسلافهم من السفاحين أمثال يزيد والشمر وحرملة والمتوكل؟ فما الفرق بين سفاح الأمس وذباح اليوم؟ أم هل تعتقدون بأن لو كان الأمام علي أعدل الناس بعد الرسول الأعظم عاش ليشهد استشهاد أولاده لقضى بإقامة الحد على قتلتهم وتصالح مع قتلة سواهم من أتباعه؟ إنكم بمصالحتكم السفاحين تتصالحون مع كل القتلة، مع اللعناء يزيد وابن زياد وعمر بن سعد والشمر وحرملة والحجاج، وليس لكم أن تلعنوهم بعد اليوم، فماذا تبقى من تشيعكم؟ اللهم إني أبرأ إليك من قتلة الشيعة، ومن أمة عرفت بذلك ورضيت به، ومن أمة عرفت بذلك وسكتت عليه، من أمة عرفت بذلك و تصالحت مع القتلة .
د. حامد العطية
https://telegram.me/buratha