د.مسعود ناجي إدريس
تحولت متغيرات ومكونات النظام العالمي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وبالأخص في أوائل التسعينات ، حول الفضاء الثنائي القطبي العالمي نحو فترة انتقالية. النظام العالمي هو نظام هيمنة القوى العظمى التي خرجت من الأزمة بعد الحرب العالمية الثانية ، وحدد إدارة الشؤون العالمية بأبعاد مختلفة ، ومجالات النفوذ وصنع القرار الرئيسي في مجالهم.
هذا هو النظام العالمي بالنظر إلى الجو ثنائي القطب في أوائل الخمسينيات الى الثمانينيات حيث مع انهيار أحد أقطاب العالم في تسعينيات القرن الماضي (الشيوعية ) مرت بمرحلة انتقالية ولم تستطع ان تصل بعد إلى الاستقرار حيث أن بعض هذه المتغيرات يمكن رؤيتها في الأبعاد العسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية التي يمكن أن تمنح الدولة موقعًا مؤثرًا ومميزًا في النظام العالمي.
مرض كورونا لم يؤثر فقط على اقتصاد البلدان ، بل أثرت على المؤسسات الاقتصادية والمدارس المختلفة ، فقد اظهرت الحقائق التي تم التستر عليها من خلال الدعاية الإعلامية و قلبتها رأساً على عقب وانهت هيبة ومكانة الدول . الشعارات العالمية مثل الديمقراطية ، وحقوق الإنسان ، وأعلى معايير المجتمعات الغربية ، والألقاب الثقافية وحتى الأفكار ، خرجت من مظلة وسائل الإعلام الخاصة بها ولم تسلم من التستر الاعلامي وبالتالي فإن فترة ما بعد كورونا ستغير النظام العالمي وستؤدي إلى كسر الدول الأوروبية والغربية الكبرى.
الولايات المتحدة هي من أكبر وأقوى الدول الاقتصادية في العالم ، وتمتلك حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي ، اما اليوم فإن فيروس كورونا سلبت من امريكا قواها واضعفت الشعارات التي كانت تدعي بها. ربما هذه الأزمة الاقتصادية الجديدة تجتاح امريكا إلى حد أن تضع بعض الفجوات الاجتماعية والثغرات المرتبطة بالعرق ولون البشرة واللغة داخل المجتمع الأمريكي ، وهذه الاضطرابات ربما تفكك بعض أجزائها.
وفقا لكاتب المعتمد في جريدة نيويورك تايمز توماس فريدمان ، فإن الولايات المتحدة على وشك اتخاذ خيارين كبيرين: إما السماح لاقتصادها بالإفلاس بسبب الحجر الصحي الثقيل واتخاذ الإجراءات والتي ستتسبب بالتقشف المالي ، أو الحفاظ على استمرار اقتصادها وتدع الناس بكل بساطة يذهبون الى مصيرهم المحتم وهو الموت! أقوى الدول الاقتصادية الغربية امام هذا الوضع في الوقت الراهن.
ويمكن ملاحظة ذلك على المستوى الأوروبي أيضًا ؛ حيث تعاني بعض الدول الأوروبية من كابوس الإفلاس الكامل لحكوماتها وقطاعاتها الاقتصادية. ونتيجة لذلك ، تُبذل الدول الاوروبية جهود كثيرة لتقديم مليارات الدولارات من المساعدات العالمية إلى البلدان التي لا تمتلك القدرة الكافية لمعالجة المشاكل الصحية ، لتقليل العواقب الارتدادية لأزمة كورونا. في عدد كبير من الدول الغربية ، تم الإعلان عن أنه من أجل الحفاظ على سلامة الصغار وابقائهم على قيد الحياة ، سيتعين علينا عدم معالجة الرجال والنساء المسنين من مرض كورونا!
واحدة من القضايا الهامة في هذا الوقت هو تأثير مرض كورونا على العلاقات الاجتماعية والعلاقات بين البلدان. في ظل التطورات العالمية ، هناك قضية تسمى الوحدة والتحالف. لكن مع انتشار المرض ، ستجد مفاهيم الوحدة والتحالف والقواعد والتعاريف والاعتبارات الجديدة ستتغير بين هذه الفئات الدولية. بشكل أساسي ، بعد أزمة كورونا ، تشعر معظم الدول الأوروبية والغربية أنه لا حاجة للاتحاد الأوروبي. في هذا الصدد ، صرح بعض المحللين في الغرب بأن الخلاف في الاتحاد الاوربي يمكن أن يكون أحد الاحتمالات الخطيرة لحقبة ما بعد كورونا.
ما تبين بعد ظهور ازمة مرض كورونا ، إنه يوجد العديد من الحقائق الخاطئة في الدول الغربية ، وهذه الدول لم تكن مستعدة على الإطلاق ولم يكن لديها التطور الكافي للتعامل مع المرض. اما الدول التي لم تكن على قائمة الدول المتقدمة اظهرت أنها أفضل بكثير من القوى العالمية الرائدة في مكافحة هذا المرض.
باختصار ، في النظام العالمي ، يتوقع من البلدان أن تجري تغييرات جدية في الحجم والنطاق الذي تمتلكه و المعروفة بها حول العالم. يقال أن فترة ما بعد كورونا تمثل بداية النظام الأحادي القطب الصيني و تراجع امريكا. قد يتم اختزال جزء من القوى الغربية والأوروبية من قوة عالمية الى دولة اعتيادية ، أو حتى تصبح متباعدة وتتفكك داخليا....
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha