◾ محمّد صادق الهاشميّ
شيعة العراق يمتلكون كُلّ عناصر القوّة من العدد السكّانيّ، ووجود المرجعية، والثروات الكبيرة، والنفط، والمنافذ الحدوديةّ، والمزارات، والتاريخ المشرّف، وكل مايمكنهم لقيام دولة، وهم عبر التاريخ يمتلكون مقوّماتِ الوجود الذاتية بعيداً عن السلطة، وإن كانت هي إحدى عوامل القوّة، إلّا أنّها ليست المصدر الوحيد لقوّتهم، بل قوّتهم في وجودهم، خلافاً للمكوّن السنّيّ الذي رسّخ قوّته بالسّلطة .
وفي موضوع السلطة كون تجربة الشيعة فتيةً ومحاطةً بتحدّياتٍ كبيرةٍ وتضاريس مُعَقّدة من الداخل والخارج فهم لا يمكنهم السيرَ سياسياً إلّا في ظلّ عدد من الأسس، وألا هي :
(أوّلاً). الأساس الأوّل: علاقتهم بالجمهور: فكلّما كانت الأحزاب متراصّةً وقريبةً من الجمهور من خلال ما يمكن أنْ يقدّموه من منجزاتٍ وخدماتٍ وبناءٍ للدّولة العراقية كانت الاحزاب الشيعية أمام واقعٍ أكثر قدرةً على التمكين والاستقرار، وبخلافه تتسعُ الهوّةُ بينهم وبين جمهورهم, وهذا الأمرُ لابدّ من التحرّك نحوه، فهو الأمر الأساس في مستقبلهم السياسيّ .
(ثانياً). والأساس الثاني: طاعتهم للحوزة والمرجعية، وتلك الطّاعة لم تثبت إلى الآن، وبيانات المرجعية مع ما يقومون به من أداءٍ يكشف عن البونِ الشّاسعِ بينهم وبينها في هذا المجال، وتعابير المرجعية كاشفةٌ عن هذه الفاصلةِ الكبيرةِ بينهم وبين ما تريده المرجعيةُ، وما صدر عنها من توصياتٍ وإرشاداتٍ مخلصةٍ .
(ثالثا). الأساسُ الثالثُ: الاستقلالُ في القرار؛ فإنّ التدخّل الخارجيّ يُضعِفُ قدرتهم على توحيد رأيهم، ويؤدّي إلى نشوءِ المحاور التي تعقّد عليهم عملهم الحكوميّ، وللأسف الشّديد أعطت الأحزاب الشيعية مجالاً واهتماماً لخارج مرجعيةً القرار الشيعي أكثر من أنْ يكون مرجعُها البيت المنظّم لقرارها، والذي يحفظ كرامتها، فتفككت وتنازعت وتقاطعت .
(رابعاً). الأساس الرابع: الابتعاد عن المصالح الخاصّة، والسّير نحو مصلحة الدّولة العليا، وللأسف ايضاً ، فإنّ عقداً ونيفاً من الزمن شهد الواقعُ ملازمة عملهم لمصالحهم الخاصّة، فالحصص الحزبية كانت فضيحة لا يمكن التّستر عليها، بعيدين عن الاهتمام بالدولة والمواطن، وترسيخ العملية السياسية، وكلّما عصفت مشكلةٌ تباين القومُ أكثر؛ لعدم وجود مرجعية سياسية يلجؤون إليها ويستظلّون بها .
(خامساً). الأساس الخامس: بناء مؤسسة « البيت الشيعيّ السياسيّ »، وخلاصته أنْ يكون هناك مؤسسةٌ شيعيةٌ توحّد جهدهم، وتلمّ شملهم، وتُعتمدُ كالية في صنع القرار، فلا يعتمد في إدارة الدّولة على الاجتهاداتِ المتقاطعة.
هذه المؤسسة لو تمّ تأسيسها على نظامٍ داخليّ بنحوٍ يكون ملزماً للجميع، وعلى لجانِ صناعةِ القرار تعتمدُ آليات واضحةٍ في اتخاذ الموقف الموحّد، بما فيه اختيار رئيس الوزراء، وهو المنصب الحكوميّ الشيعيّ البارز، الذي غدا أشبه بالمنصوص عليه؛ نتيجة ما تعارف عليه في بناء الدولة العراقية حالياً .
وهذه المؤسسة ، أعني «البيت السياسيّ الشيعيّ » لا تصحّ أنْ يقال عنها: إنّها مؤسسة طائفية، بل هي مؤسسةٌ سياسيةٌ تنظّمُ عمل المكوّن الأكبر في البلد, ومن المؤكّد أنّ السنّة والكُرد وجدوا ضرورة أنْ يكون القرار الشيعي سهل الولادة من خلال الآليات التي تحفظها مؤسسة، وليس أحزاب متشتتةٌ مختلفةٌ متباينةٌ في مواقفها، فإنّهم اكتشفوا أنّ مصالحهم مرتبطةٌ بقوّة القرار الشّيعيّ ووحدته وتنظيمه.
والكرد مع كثرة خلافاتهم في الإقليم إلّا أنّهم من خلال قوّة مسعود وحّدوا مطالبهم، وحددوا شروطهم، وآليات عملهم، وطريقة حوارهم مع الاتحادية، وهكذا السنّة بعد قوّة «اتحاد القوى».
البيت الشّيعيّ بقي رهين تعدد الأحزاب وغياب آليات صنع القرار، فالشّيعة بأمسّ الحاجة للخروج من التيه، من خلال السّعي إلى بناءِ مؤسسةٍ سياسيةٍ يأتمرون بأمرها، وينتهون بنواهيها، وتكون مرجعيةً للكلّ، وتنعدم فيها أيُّ تدخّلات خارجية.
وجد المراقبون أنّ المشهد الشيعيّ يتعقّد أكثر مع كلّ دورةٍ انتخابيةٍ، تؤدّي إلى فرزٍ قوىّ، وأحزاب جديدة، فتُضافُ آراءٌ ومصالحُ تزيد الموقف الشيعيّ رهقاً، وتفقدهم القدرة على الحوار، وتعطّل إمكانية اتخاذ القرار, نعم لو تمّ تأسيس البيت السياسيّ الشيعيّ لكان مستقبل القرار الشّيعيّ آمناً ومصاناً ومانعا من دخول الأغيار في تقرير مستقبلهم، وخلافه يتفرقون أياديَ سبأ، وستظهرُ ثغراتٌ، ينفذ من خلالها التدخّل الخارجيّ.
واليوم ومن أيّ وقت مضى يحتاجون إلى توحيد جهودهم في ظلّ مشهدِ الخور والضّعف والعجز عن الاتفاق على مرشّحٍ محددٍ، وغيره من الإشكالات وتعدد الاجتهادات حول السياسات العامّة والخاصّة، وعشرات الملفّات المهمّة، بما فيها التعامل حول موضوع السيادة .
وهذا البيت هو الذي يحصّنهم من تغوّل البعض عليهم، وإلّا عصفت بهم رياح الفرقة ، فالله يهتف فيكم قائلاً :
1. {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [آل عمران : 103]
2. {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال : 46].
إنّ الله تعالى شأنُه يحبُ فيكم الوحدة والتكاتف والأُلفة فلا تتحوّلوا عنها فيتحوّل الله بكم إلى ما لا تحبّون، واذكروا يا شيعة العراق أنّكم كنتم شتاتا في أصقاع الأرض ، لا تأمنون على أرواحكم ، ولا أعراضكم ولا أموالكم ، واليوم يسّر الله نعمةً كبيرة فأصبحتم اليوم تحكمون العراق ، فلِمَ تتحوّلون عن طاعة الله بوحدتكم إلى معصية الله بتفرّقكم!!!.
قال جعفر بن محمّد صادق أهل بيت العصمة والطّهارة (ع) :«إنّ الله عزّ وجلّ بعث نبيّاً من أنبيائه إلى قومه، وأوحى إليه أنْ قلْ لقومك: إنه ليس من أهلِ قريةٍ ولا أناس كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سرّاء فتحوّلوا عمّا أحبُّ إلى ما أكره إلّا تحوّلتُ لهم عمّا يحبّون إلى ما يكرهون، وليس من أهل قريةٍ... ».
https://telegram.me/buratha