حيدر الطائي
في السنة الرابعة للهجرة توفّيت السيّدة العظيمة فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب ووالدة الإمام أمير المؤمنين علي.ع. وهي إمرأةٌ جليلةُ القدر عظيمةُ الشأن كانت على دين الحنيفية قبل مجيء الإسلام.
عُرف عنها أنّ أبا طالب لمّا أتاها بالنبي.ص. بعد وفاة
عبد المطّلب وقال لها (اعلمي أنّ هذا ابنُ أخي وهو أعزّ عِندي من نَفسي ومالي وإيّاكِ أن يتعرّض علَيه أحدٌ فيما يُريد) فتبسّمت من قوله وقالت له (توصيني في ولدي مُحمد وإنّه أحبُّ إليّ من نفسي وأولادي) ففرح أبو طالب بذلك
وبعدها اعتنت فاطمةُ بالنبي.ص. عنايةً فائقة وأولته رعايتها وحبّها وكانت تُؤثِره على أولادها في المطعم والملبس وكانت تُغسّله وتدهن شعره وتُرجّله وكان النبي.ص. يحبّها ولا يُناديها إلاّ بـ (أمّي)
أما منزلتها ففاطمة بنت أسد من جملة أولياء الله المقرّبين الذينَ شفّعهم في قوله عزّ من قائل (ولا تَنفَعُ الشفاعةُ عِنَدهُ إلاّ لِمَن أَذِنَ له) وقد نالت هذه السيّدة الجليلة هذا المقامَ الرفيع في الدنيا. وعُدّت في الآخرة في عِداد الشُفعاء الذين يشفعون فيُشفّعهم الله تعالى. ولم تنل بنت أسد مقام الشفاعة السامي إلاّ في ظِل مُتابعة النبيّ.ص. والتنزّه عن عبادة الأصنام والثبات في توحيد الله عزّوجل. وقد برهنت هذه المرأة إن المخلوق الضعيف يُمكنهُ أن يرقى في الكمالات وأن يصونَ نفسهُ أمامَ سيل الحوادث والبلايا مُتمسّكًا بعبادة الواحد الأحد الذي لا شريك له. ولقد رعت فاطمة بنت أسد رسول الله.ص. في صِغره وربَّته وحنت عليه حُنوَّ الأم الشفيق على ولدها فجزاها الله تعالى عن حُسن صنيعها في نبيّه الكريم بأن حرّم عليها النار.
وتوفيت سلام الله عليها في المدينة وقد تولى رسول الله جهازها بنفسه. فبينما كان الرسول.ص. ذاتَ يومٍ قاعد إذ أتاهُ أمير المؤمنين.ع. وهو يبكي فقال له رسول الله ما يُبكيك؟ فقال: ماتت أمي فاطمة. فقال رسول الله: وأمي والله. وقام مُسرعًا حتى دخل فنظرَ إليها وبكى ثم أمرَ النساء أن يُغسلنها
وقال النبي.ص.( إذا فرغتنَ فلا تُحدثن شيئًا حتى تعلمنني) فلما فرغنَ أعلمنهُ بذلك فأعطاهن أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهُنَ أن يكفنها فيه. فلما فرغنَ من غسلها وكفنها دخل رسول الله.ص. فحمل جنازتها على عاتقه فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها ثم وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه ثم قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر ثم إنكبّ عليها طويلاً يُناجيها ويقول لها (ابنك ابنك ابنك)
ثم خرج وسوى عليها ثم انكبّ على قبرها فسمعوه يقول
( لا إله إلا الله. اللهم إني استودعها إياك ثم انصرف)
وقبرها الشريف في البقيع الغرقد بقرب قبور أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وقد أصبحت السيّدة فاطمة بنت أسد لمقامها الرفيع وإخلاصها الشديد من أولياءِ الله الذين يتوسّلُ بهم في قضاء الحوائج المستعصية.
فسلامٌ عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تُبعثُ حيةً..
https://telegram.me/buratha