نـــــــــــزار حيدر
وأَقولُ بكلِّ وضوحٍ، فلولا الشَّعائر الحُسينيَّة والإِصرار عليها لكانت كربلاء كأَيِّ قصَّةٍ في التَّاريخ يمرُّ عليها النَّاس مرورَ الكِرام، رُبما لا يتوقَّفون عندها أَكثر من دقائق كلَّ عامٍ، كما يتعاملُون مع غيرِها من الأَحداث والوقائِع والشَّواهد.
وإِذا كانت عاشوراءَ ذِكرى، لما بقيَ لمفهومِ الجهادِ ضدَّ الظُّلم ومُقاومةِ الإِستبدادِ، ولا لقولِ كلمةِ الحقِّ عندَ سُلطانٍ جائرٍ، معنى.
هي التي حمَت مفهوم الجِهاد والمُقاومة والصَّبر والصُّمود، فهي التي صدَّقت تحدِّي عقيلة الهاشميِّين زينب بنتِ علي (ع) للطَّاغية الأَرعن يزيد بن مُعاوية عندما صرخت بوجههِ متحدِّيةً في مجلسهِ في الشَّام {فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميتُ وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأَيّامُك إلاّ عَدَد، وجمعُكَ إلاّ بَدَد}.
والشَّعائر التي حفِظت لنا عاشوراء وكربلاء حيَّةً طريَّةً في القلُوبِ والنُّفوسِ والوجدان، هي التي حمت [شعبنا] من العقائِد الفاسِدة، الطَّائفيَّة والتكفيريَّة الضَّالَّة، التي خلقت الأَرضيَّة المُناسبة ليُبيِّض فيها الإِرهابيُّون ويُفقِّسوا ويُفرِّخوا وينتشرُوا في كلِّ مكانٍ بمختلفِ أَسمائهِم ومسمَّياتهم وهويَّاتهم وانتماءاتهِم.
ولذلكَ لا تجدُ، في كلِّ شبرٍ تُرفَعُ فيهِ رايةً للحُسينِ السِّبط (ع) حاضنةً دافئةً للإِرهاب.
بل إِنَّ الشَّعائر الحُسينيَّة هي التي ربَّت المُجاهدين والمُقاتلين والمُقاومين الذين لبَّوا نداء الوطن بالإِستجابةِ لفتوى الجِهاد الكِفائي التي أَصدرها المرجعُ الأَعلى ليقاتلُوا بالرُّوح الحُسينيَّة الإِرهاب ويطردُوا الإِرهابيِّين من أَرضِنا المُقدَّسة.
إِنَّها هي التي وضعت حجرَ الأَساس لصياغة وصناعة خطَّ المُمانعة والمُقاومة الذي يواجهُ اليَوم كلَّ المُؤَامرات والخُطط الخبيثة التي يواجهُون بها الأُمَّة وقِيَمها ومبادئها وروحها ومعنويَّاتها.
ولذلكَ حاربها الطُّغاةُ والأَنظمةُ والدُّوَل والأَحزابُ والجهَلة والمهزومينَ والمُستَلبينَ حضاريّاً بكلِّ ما أُوتُوا من أَسبابٍ ووسائِل وأَدوات.
إِنَّ إِصرارهُم على شنِّ الحرب ضدَّها، وقساوة حروبهِم وقذارتها دليلٌ على عظمةِ الدَّور الذي تضطلع بهِ الشَّعائر في حفظِ عاشوراء حيَّةً طريَّةً في العقُولِ والقلُوبِ والنُّفوسِ والعواطف والوجدانِ على حدٍّ سَواء.
وما أَتفههُم، فكلَّما يُحاربونَها وتشتدَّ حروبهُم ضدَّها كلَّما تتَّسع وتنتشر لتصلَ إِلى كلِّ شبرٍ في هذا العالَم، وما المسيراتُ العاشورائيَّة ومسيراتُ الأَربعين الحُسيني التي تجوبُ كلَّ عامٍ شوارع أَهم عواصِم العالَم وأَشهر مُدنهِ إِلَّا دليلٌ على ذلك.
وصدقَ إِمامُنا الصَّادق جعفر بن محمَّد (ع) الذي قال {الحَمْدُ لله الَّذي جَعَلَ أَعداءَنا مِنَ الحَمْقَى} فهُم من أَكثر النَّاس الذين يروِّجُون للشَّعائر الحُسينيَّة من حيثُ لا يريدونَ، وذلك بإِصرارهِم على مُحاربتِها.
فكلَّما اشتدَّت حربهُم كلَّما اتَّسع نِطاقها، وتلكَ هي المُعجزةُ الزَّينبيَّة!.
وفي مثلِ هذهِ الأَيَّام من عام ١٩٧٧ شهِدَ العراق واحدةً من أَعظم المجازر التي ارتكبَها نظامٌ مُستبِدٌّ، هو نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين، ضدَّ الشَّعائر الحُسينيَّة.
كانت الذَّريعة أَنَّها تتعارض مع الحَضارة وتُعرقلُ التقدُّم ولا تُساهمُ في بناءِ البلاد! إِلَّا أَنَّ نفس هذا النِّظامُ أَدخل البلاد بعد عامَينِ فقط من تلكَ المَجزرة، في حروبٍ عبثيَّةٍ دامت [٢٣] عاماً إِنتهت بالغزوِ وخسارةِ السِّيادة وتدميرِ كلِّ شيءٍ.
فلا حَضارة بناها النِّظام بعدَ أَن شنَّ حربهُ الضَّروس ضدَّ الشَّعائر الحُسينيَّة ولا تنمية ولا مدنيَّة ولا هُم يحزنُون، وإِنَّما تركَ البلادَ خَرِبَةً تنعقُ بها الغِربانُ!.
فما هي قصَّة إِنتفاضة صَفَر عام ١٩٧٧؟!.
*يتبع..
١٧ تشرِينُ الأَوَّل ٢٠١٩
https://telegram.me/buratha