نــــــــــــزار حيدر
قامَ المشروع الأَموي على قاعدةِ التَّضليل {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} {أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ} أَمَّا المشرُوع العاشورائي فقائمٌ على أَساس المعرفة والعقلانيَّة والوعي الرِّسالي {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أَو كما وردَ في قولِ أَمير المُؤمنينَ (ع) عن فلسفة بِعثة الرُّسل والأَنبياء {وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ}.
فلماذا هذا التَّناقض في المشرُوعَين؟!.
الأَوَّل قائمٌ على أَساس السُّلطة والتسلُّط بغضِّ النَّظر عن الطَّريقة التي ينتهجها الحاكم لتحقيقِها، وهي عادةً ما تكون طريقة التَّضليل والتَّجهيل والإِستغباء، وهو الأَمرُ الذي ينتهجهُ كلَّ الطُّغاة المُستبدِّين على طولِ التَّاريخ.
أَمَّا المشروع الثَّاني فقائمٌ على أَساس نظريَّة الإِستخلاف كما في قولهِ تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وفِي هذا المشرُوع فإِنَّ الإِنسان هو الأَصل في معادلةِ الحكم والسُّلطة وهو الأَمر الذي بحاجةٍ إِلى أَن يكونَ فِيهِ المُجتمع مُتعلِّماً وواعياً ومُدركاً ليمارس سُلطتهُ من أَجلِ تحقيقِ أَهدافهِ وحمايةِ مصالحهِ.
فعلى ماذا يعتمدُ التَّضليل والتَّجهيل؟!.
١/ ضعفُ الذَّاكرة، ولذلك سعى المُشرِّع إِلى أَن تكون التَّذكرة أَحد أَهم مسؤُوليَّات وواجبات المُرسَل، كما في قولهِ تعالى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} و {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ* سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَ} و {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}.
والآيةُ الأَخيرة تُشيرُ إِلى فكرةٍ في غايةِ الأَهميَّة أَلا وهي أَنَّ مفهوم التَّذكير لا يمنح المُرسَل حقِّ السَّيطرة على عقُول النَّاس، لأَنَّ أَيَّ نوعٍ من السَّيطرة تُسقط مفهوم المسؤُوليَّة عن كاهلِ الإِنسان وهو الأَمر الذي يرفضهُ المشرِّع جُملةً وتفصيلاً، على اعتبار أَنَّ أَصل فلسفة الخَلق قائمةٌ على أَساس المسؤُوليَّة فكيف يُسقِطها تشريعٌ، أَيَّ تشريعٍ؟! أَلم يقُل القرآن الكريم {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}؟.
أَمَّا أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فقد أَشار إِلى مسؤُوليَّة وواجب التَّذكرة التي تحمَّلها المُرسلُون بقولهِ {وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ}.
٢/ كسل النَّاس الذين يمرُّون على الخبر والصُّورة والفيديو من دونِ تثبُّت، فيُتابعونها وكأَنَّها من المسلَّمات حتى تتحوَّل عندهم إِلى مصدرٍ للتَّغذية الخبريَّة من دونِ أَيِّ تمحيصٍ وبِلا أَدنى شكٍّ.
وما يُلفت الإِنتباه هذه الأَيَّام، وفِي ظلِّ سيطرة وسائل التَّواصل الإِجتماعي على عقولِنا، هو أَنَّ الجيُوش الأَليكترونيَّة التضليليَّة تعمد إِلى إِحالةِ أَخبارها الكاذبة والمُفبركة إِلى أَسماءِ صُحفٍ وقنواتٍ ومصادر مشهورةٍ عالميّاً ولكنَّك عندما تعودُ إِلى المصدر لم تجد شيئاً من الخبر المنسُوب إِليها! فيستدرجُون المُتلقِّي للفخِّ بالمصدرِ المشهور!.
السُّؤَال هنا هُوَ؛ كم واحدٌ يمرُّ عليهِ الخبر ويحاول أَن يتأَكَّد من صدقِ المصدر وحقيقتهِ؟!.
الجواب، رُبما واحد من كلِّ [١٠] مليون متلقِّي!.
ولذلكَ تراهُم يتمسَّكون بالمصدرِ بخُطَّةٍ ذكيَّةٍ تستدرج بها الجيُوش الإِليكترونيَّة زبائنها المُغفَّلُون.
٣/ القُدسيَّة المُزيَّفة، التي توظِّفها السُّلطات الظَّالمة لتضليلِ المُجتمع، كما فعلَ ذَلِكَ فرعَون الذي يحكي لنا قصَّتهُ القرآن الكريم مع القدسيَّة المُزيَّفة بقولهِ {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}.
أُنظر كيفَ وظَّف قدسيَّة [الدِّين] و [النَّزاهة] لتخويفِ المُجتمع من نبيِّ الله موسى (ع) من جهةٍ، ولحمايةِ سُلطتهِ من جهةٍ أُخرى!.
كلُّ النُّظم المُستبدَّة الظَّالمة تفعل الشَّيء نفسهُ، فهي تضلِّل النَّاس بتوظيفِ القُدسيَّة المُزيَّفة تحت مسمَّيات الدِّين والسِّيادة والوطنيَّة والكثير من هَذِهِ العناوين المُقدَّسة.
أَمَّا الْيَوْم فإِنَّ الكثير من السياسيِّين يوظِّفون قُدسيَّة الزِّي [العِمامة] على وجهِ التَّحديد، لتضليلِ الرَّأي العام واصطيادِ المُغفَّلين، لأَنَّ المُجتمع، وللأَسف الشَّديد لازالَ ينظرُ إِلى الزِّي نظرةً قُدسيَّةً خاصَّةً، ناسياً أَو مُتناسياً بأَنَّ [العِمامة] زيٌّ فحسب حالها حال أَيَّ زيٍّ آخر، فليس مهمّاً [العِمامة] إِنَّما المُهم ما تحتها، وأَقصد بهِ الرَّأس الذي يحملها، والعقل الذي في هذا الرَّأس، أَهو عقلٌ متنوِّر أَم عقلُ جهلٍ وخُرافة؟!.
ولذلك فضحت عاشوراء القدسيَّة المُزيَّفة التي تلفَّعَ بها الأَمويُّون لتضليلِ الرَّأي العام، فلولا كربلاء لكانت الأَمويَّة الْيَوْم دينٌ يُدانُ بهِ الله تعالى!.
١٠ أَيلول ٢٠١٩
https://telegram.me/buratha