المقالات

  عْاشُورْاءُ السَّنَةُ السَّادِسةُ(٥)


نــــــــــــزار حيدر                         

                               

                      

   القيادة؛ هي إِدارةُ الخُطط بنجاحٍ لتحقيقِ الهدف بأَقلِّ التَّضحيات وأَعلى وأَفضل وأَدقِّ النَّتائج.

   وأَنَّ الفرق بين القائد الحقيقي والآخر المُزيَّف يشخَصُ في أَمرَين اثنَينِ؛

   *الحقيقي مستعدٌّ للتَّضحيةِ من أَجلِ تحقيقِ الهدفِ المرسُوم، أَمَّا المُزيَّف فمُستعدٌ دائماً للتَّضحيةِ بالهدف من أَجلِ مصالحهِ، سُلطتهِ ونفوذهِ.

   *والحقيقي يُضحِّي ثم يدعُو الآخَرين إِلى التَّضحية، فهو يُعلِّمهُم التَّضحية بتضحياتهِ، وليس بشعاراتهِ البرَّاقة ووعودهِ المعسولة، أَمَّا المُزيَّف فلا يُضحِّي بشيٍ أَبداً وهو مُستمرٌّ في دعوةِ الآخرين إِلى التَّضحية.

   الحقيقي متواجدٌ باستمرارٍ يتقدَّم الصُّفوف، أَمَّا المُزيَّف فيتوارى عن الانظارِ ويختفي خلفَ جُدُرٍ، وهو يُؤَشِّر إِلى الآخرين أَن تقدَّموا!.

   إِنَّ عظمة الحُسين الشَّهيد السِّبط (ع) في أَنَّهُ كان يهتم بتحقيقِ الهدف [حماية الدِّين من التَّزييف والتَّضليل والأَمَّة من الإِنحراف والمُجتمع من الظُّلم ومن مُصادرةِ حريَّتهِ وسحقِ حقوقهِ وحرامتهِ] أَكثر من إِهتمامهِ بحمايةِ حياتهِ، وأَنَّ عظمة شُهداء كربلاء في أَنَّهم كانُوا مهتمِّين للوصُولِ إِلى أَهدافهِم أَكثر من إِهتمامهِم وانشغالهِم بالمحافظةِ على أَرواحهِم.

   أَمَّا الذي يتردَّد بالتَّضحية أَو حتى لا يعتقد بها فأُولئك هُم القادة الفاشلُون، الذين يعتاشونَ على تضحيات الآخَرين ويُتاجرونَ بمُعاناتهِم، فلقد سمعتُ أَحدهم مرَّة وهو يسعى لتبريرِ تجنُّبهِ التَّضحية دائماً لتحقيقِ الهدف، قائلاً؛ إِنَّ الظَّرفَ عصيبٌ وبحاجةٍ لوجودي وأَن لا أَغيبَ عن السَّاحة!.

   وآخر ردَّ بعصبيَّةٍ على من شكَّك بصدقِ نواياهُ لأَنَّهُ يتحاشى التَّضحية بشَكلٍ مُلفت للنَّظر، ردَّ عليهِ بالقَول؛ وهل تُريدُني أَن أَذهبَ كـ [بَولةٍ في شطٍّ]؟!.

   نفسهُ هذا يُلقي يوميّاً أَروع وأَحلى المُحاضرات عن التَّضحيةِ ووجوبِها لتروي شجرة الحريَّة والكرامة!.

   إِنَّ كلَّ القادة الحقيقيُّون يُعرَفُونَ بمدى إِستعدادهِم للتَّضحيةِ، ليس بالكلامِ والشِّعارات وإِنَّما بالأَفعال والإِستعداد النَّفسي، أَمَّا التَّشكيك بجدوى التَّضحية فدليلٌ على فشلِ القائد، وهو الآخر الذي لم نجدهُ حتى عند أَصغر شُهداء كربلاء.

   فعندما سأَلَ السِّبطُ الشَّهيد (ع) القاسم بن الحسن المُجتبى (ع) عن طعم الشَّهادة أَجابهُ واثقاً {فيكَ أَحلى مِن العَسلِ] وهاشميٌّ آخر ردَّ على الحُسين السِّبط مُتسائلاً {أَوَلسنا على الحقِّ] فأَجابهُ الإِمام {بَلى} فردَّ الشِّبلُ {إِذن؛ لا نُبالي أَوَقعنا على الموتِ أَم وقعَ الموتُ علينا}.

   لذلكَ أَصبحت كربلاء وعاشوراء مدرسةً تُعلِّمُ الأَحرار أُسُس القيادة السَّليمة والتي يشخص الإِستعدادِ للتَّضحيةِ كأَوَّل هذه الأُسس.

   فعندما حاول رفاق القس الأَسود مارتين لوثر كينغ، داعية الحقوق المدنيَّة في الولايات المُتَّحدة، ثنيهِ عن دخول السِّجن بمبرِّراتٍ وأَعذار وذرائعَ شتَّى، أَجابهُم بالقَول [وماذا سيكونُ حُكمُ النَّاس على رجُلٍ شجَّع المِئات من الأَفراد على القيامِ بتضحيةٍ مُذهلةٍ ثمَّ اعتذرَ عن التَّضحية عندما جَاءَ دورهُ؟!].  

   إِذن؛ إِذا لم تكُن مُستعدّاً للتَّضحية فلا تحثُّ الآخرين عليها لأَنَّهم سيكتشفُونَ أَنَّك كذَّابٌ تكذب عليهِم وأَنَّك لا تتعامل معهُم بصدقٍ.

   ثمَّ؛ إِذا كانت التَّضحية مطلُوبة فلماذا تتهرَّب منها وتتحاشاها؟ وإِذا لم تكُن ضروريَّة فلماذا تشجِّع الآخَرين عليها؟!.

   أَمَّا مدرسة أَهلُ البيت (ع) التي تستند على مبدأ التَّضحية كأَوَّل وأَعظم أَساس يُشادُ عليهِ البناء الرِّسالي والحضاري، كما في قولهِ تعالى {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} وقولهُ {وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ} فإِنَّهُم؛

   أ/ في المُقدِّمةِ دائماً؛

   يصفُ ذَلِكَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ {كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ(ص) فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ}.

   ويصِفُ (ع) مشهداً حربيّاً آخر في بعضِ أَيَّام صفِّين وقد رأَى الحَسن(ع) يتسرَّع إِلى الحرب

{امْلِكُوا عنِّي هذَا الْغُلاَمَ لاَ يَهُدَّنِي، فَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهذَيْنِ ـ يَعْنِي الحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ(ع) عَلَى الْمَوْتِ، لِئَلاَّ يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اللهِ(ص)}.

   ب/ لا يدعُونَ أَحداً للتَّضحيةِ قَبْلَ أَن يُضحُّوا، حتى قال الحُسين السِّبط (ع) {نفسي مَعَ أَنفُسكُم وأَهلي مَعَ أَهليكُم}.

   وهذا ما كان.

ــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك