نــــــــــــزار حيدر
عاشوراء حدثٌ مضى وقصةٌ مُستمرَّة.
فأَما الذي مضى فقد نفَّذهُ الأَمويُّون بالتَّزييف والتَّضليل ليرتكبُوا أَبشع جريمة مُروِّعة في التَّاريخ الإِسلامي والإِنساني.
وأَمَّا قصَّة عاشوراء المُستمرَّة فيظلمها أَربعة؛
*الطائفيُّون الذي يفعلُون المُستحيل لتناسِيها وتجاهلِها.
إِنَّهم يختلِقُون المُناسبات للتَّغطية على الذِّكرى، ففي بلادِ المغربِ، مثلاً، يحتفلونَ بشيءٍ إِسمهُ [بابا عاشور] على غرار [بابا نوئِيل] ليلة الكريسماس.
يطوفُ المهرِّجون في الشَّوارع بطبولهِم وأَزيائهِم الملوَّنة وفِي الأَثناء يوزِّع [بابا عاشور] الحلوى والهدايا على النَّاس، الأَطفال خاصَّة، التي تتجمهر على جانبَي الطَّريق لإِحياء ذكرى لم يعرفُوا بأَنَّها تعودُ إِلى يومٍ هو من أَشدِّ الأَيَّام على آل الرَّسول (ص) والذي وصفهُ المعصوم (ع) بقولهِ {لا يَوْم كيَومِكَ يا أَبا عبدِ الله}.
وهي نفس الطَّريقة التي احتفى بها الأَمويُّون في الشَّام عندما أَدخلُوا سبايا كربلاء بالطُّبول والدُّفوف والزِّينة! حتى ظنَّ النَّاس أَنَّ عيداً جديداً حلَّ عليهِم لم يعرفونهُ من قَبْلُ.
وهي نفسها التي اتَّخذها الأَيُّوبيُّون طريقةً لطمسِ الذِّكرى.
يقولُ المَقرِيزي [ولمَّا زالَ حُكم الفاطميِّين اتَّخذ ملُوك بني أَيُّوب يومَ عاشوراء يومَ سُرورٍ يُوسِّعُون فيهِ على عيالهِم ويتبسَّطونَ في المطاعمِ ويصنعُون الحلاوات ويتَّخذُون الأَواني الجديدة ويكتحِلُون ويدُخلُون الحمَّام جرياً على عادةِ أَهل الشَّام التي سنَّها لهُم الحجَّاج في أَيَّام عبدِ الملِك بن مروان ليُرغِمُوا بذلكَ آناف شيعة عليِّ بن أَبي طالبٍ الذين يتَّخذُون يَوم عاشوراء يومَ حُزنٍ على الحُسين].
وهي نفس الطَّريقة التي كان يحتفي بها الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين وزبانيته في عاشوراء وفِي كربلاء تحديداً عندما كان يُنظِّم حَفلات الأَعراس الجماعيَّة في زحمةِ قرع الطُّبول والمزامير والرِّقص والتَّهريج.
ومن علامةِ الطائفيِّين أَنَّك لا تجد في كلِّ قنواتهِم الفضائيَّة أَيَّ أَثرٍ للذِّكرى لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ.
والأَغرب من كلِّ هذا إِنَّهم يتَّهمونك بالطائفيَّة إِذا احتفيتَ بالذِّكرى أَو إِذا قلتَ أَنَّ الطَّاغية يزيد هو الذي قتلَ الحُسين السِّبط (ع) في عاشوراء في كربلاء عام ٦١ للهجرةِ، ولكنَّك لستَ طائِفيّاً إِذا قلتَ بأَنَّ [نظامَ المَلالي في طهران] هو الذي قتلَ الحُسين (ع) وهو الذي حزَّ رأسهُ الشَّريف وداسَ بخيلهِ على صدرهِ الشَّريف ثمَّ أَحرق خِيام العِيال وساقَ الأَسرى سبايا إِلى الكوفةِ ومنها إِلى الشَّام!.
*العاطفيُّون جداً الذين يحوِّلونها من سيرةٍ ومسيرةٍ إِلهيَّةٍ عظيمةٍ إِلى تراجيديا إِنسانيَّة مأساويَّة فقط وكأَنَّها حائط مبكى فارغة من الجَوهر والمعنى والقِيم.
إِنَّهم لا يعرفونَ من الذِّكرى إِلَّا البُكاء واللَّطم والحُزن والجزع، أَمَّا قِيمَها ومعانيها وجوهرها فلا علاقةَ لهم بها لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، فلا تلمس لها أَثرٌ في سلوكهِم.
وهم يتفنَّنون في كلِّ عامٍ لإِضافةِ [شعائر] جديدة لها.
حتَّى البُكاء أَفرغوهُ من جوهرهِ فلم يعُد رسالةً تهزُّ الظُّلم والإِستبداد من القواعد وإِنَّما هو جهدٌ مبذولٌ لإِفراغ الشُّحنات الثوريَّة والطَّاقة التغييريَّة الإِصلاحيَّة الخلَّاقة من الرُّوح والنَّفس.
*التضليليُّون وهم الذين يخلقُون القَصص حول عاشوراء والتي ما أَنزل الله تعالى بها من سُلطان، أو لا ينقلون إِلَّا الرِّوايات الضَّعيفة وكأَنَّهم يتعمَّدون تشويه الذِّكرى أَو تحويلها إِلى مناسبةٍ ميتافيزيقيَّةٍ أَو طوباويَّةٍ أَو حتَّى غَيبيَّةٍ.
هؤلاء الذين يصدُق عليهم قولَ الله تعالى في مُحكمِ كتابهِ الكريم {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.
*السَّاكتونَ عن تبيانِ الحقائق.
إِنَّهم يعرفونها جيِّداً ولكنَّهم لا يقولونها للنَّاسِ أَو لا يحاولُون تبليغها للعالَم، إِمَّا خَشيةً من ردُود أَفعال الشَّارع القاسية أَو لعدمِ ثقتهِم بأَنَّها ستترك الأَثر الإِيجابي المطلوب أَو خجلاً أَو لحمايةِ مصالحهِم التي يتصوَّرون بأَنَّها ستتضرَّر إِذا صدحُوا بهذهِ الحقائق.
ولذلك قَالَ تعالى مُحدِّداً شرط التَّبليغ {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا}.
إِنَّهم الذين يصدُق عليهم قول الله تعالى في مُحكمِ كتابهِ الكريم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
هؤُلاء كلُّهم يظلمُون عاشوراء كلٌّ على طريقتهِ، فما لم نفعل ما فعلتهُ عقيلة الهاشميِّين زينب بنت علي (ع) عندما حملت رسالة عاشوراء لتطوفَ بها الأَمصار، كاشفةً ومُنبِّهةً وموضِّحةً ورادَّةً ومُتحدِّيةً وفاضِحةً ومُبيِّنةً وشارحةً وصابرةً وعاضَّةً على الجراح وشامخةً ومُبلِّغةً كلَّ ما يتعلَّق بعاشوراء وكربلاء والحُسين السِّبط الشَّهيد (ع) والشُّهداء من أَهْلِ بيتهِ وأَصحابهِ، ما لم نكُن كذلكَ فلا يمكنُ أَن ندَّعي بأَنَّنا من أَنصار الحُسين (ع) ثم ندعو الله تعالى بالمأثورِ الذي وردَ في زيارةِ عاشوراء {وَثبِّت لي قَدمَ صِدقٍ عِندكَ مَعَ الحُسين وأَصحاب الحُسين الذين بذلُوا مُهجَهم دُونَ الحُسين (ع)} فالقدمُ والتي تعني [الإِقدام] وهي علامة الحركة والسَّعي والإِجتهاد، لا تثبُت مع الحُسين (ع) إِذا لم تكُن في نفسِ المُنطلق والإِتِّجاه والجَوهر والنَّهاية التي رسمت كلَّ خطواتِها عاشوراء.
https://telegram.me/buratha